لك المجد يا عنوان فلسطين الأعظم خليل الوزير( أبو جهاد)

16.04.2022 10:23 AM


بقلم: محمود جودت محمود قبها

الذكرى الـ34 لاستشهاد القائد خليل الوزير و يصادف اليوم السبت، السادس عشر من الشهر الجاري، ذكرى استشهاد خليل الوزير "أبو جهاد"، الذي اغتالته عناصر من الموساد الإسرائيلي في بيته بتونس بتاريخ 16/4/1988، وكان قائد هذه العملية (ايهود باراك) وزير الجيش الإسرائيلي بحكومة الاحتلال السابقة.

مرّت اربعة وثلاثون عاماً على استشهاد القائد خليل الوزير “أبو جهاد” – أمير الشهداء، وما زلنا نعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة.. صدمة فقدان قائد صلب عنيد ..شديد على الأعداء..هزّ عرش كيانهم الغاصب..مناضل مؤمن بحتمية النصر.. لا يعرف المستحيل، وكُنّا لا نعرف المستحيل في وجوده.

لقد كانت رؤية القادة المؤسسين لحركة فتح الأكثر استجابة لواقع الشعب الفلسطيني، وكانت أهدافها بسيطة وجامعة في نفس الوقت (الكفاح المسلح، التحرير، العودة) على صدى شعار (كل البنادق نحو العدو) ومن بين القادة المؤسسين كان خليل الوزير ملتزما بأن يوجه كل بنادق قوات حركة فتح نحو العدو،

وقد اعتقد قادة العدو الإسرائيلي أنهم إذا ما اغتالوه بصفته محرك العمل العسكري ضدهم على امتداد الوطن الفلسطيني المحتل، وبصفته “مهندس الانتفاضة” فإنهم قد يلجأون مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، لكنهم خسروا الرهان، ذلك أن اغتيال الأخ أبو جهاد زاد من اشتعال جذوة الكفاح المسلح الفلسطيني وزاد من هياج جماهيرنا في الوطن المحتل تصعيد الانتفاضة.

أبو جهاد خلوقاً وإنسانياً لأبعد الحدود، وكان قمة في التواضع حياته بسيطة جداً، يرفض ركوب أو اقتناء السيارات الفاخرة أبو جهاد.. كان عسكرياً زاهداً ومتقشفاً في الحياة الدنيا ، ويلبس بدلات السفاري ( قميص وبنطلون بلون واحد ) أو اللباس الشعبي أو البزة العسكرية الفلسطينية.. ولا يرغب بالحراسات أو المرافقة، وكنا دائماً نطلب منه أن تكون سيارة أخرى مرافقة له أو زيادة المرافقين فكان يرفض ذلك ويقول دائماً : “الحامي هو الله”، ولعل عصابات الاحتلال الإجرامية استغلّت هذه الثغرة، لتنفيذ اغتيالها المشؤوم.

اغتالت دولة الاحتلال الإسرائيلي القائد الشهيد خليل الوزير أبو جهاد، ولم تكن عملية اغتيال عادية، بل هي حرب شاملة خطط لها جنرالات الحرب في إسرائيل بكافة مستوياتهم العسكرية والأمنية والتي اعتبرت الحرب الثالثة بالنسبة للكيان الإسرائيلي باغتيال الرأس المدبر والمخطط للعمل العسكري والانتفاض في الأراضي المحتلة، وكما وصفته الصحافة الإسرائيلية والأمريكية بأن أبا جهاد مخطط بارع لا يهزم وكان من أخطر أعداء إسرائيل على مدى ثلاثة عقود، وأن بقاء أبو جهاد حياً أصبح أمراً لا يطاق بالنسبة لإسرائيل، وأن غياب أبو جهاد هو ضربة قاصمة للانتفاضة ، هذه الانتفاضة التي توسعت و استمدت روحها الثورية من  الدستور الذي وضعه أبو جهاد في رسالته إلى الشعب الفلسطيني تحت عنوان لنستمر في الهجوم حتى تهدم كل ما توهم العدو انه بناه وشيده في سنوات الاغتصاب والاحتلال، فلا تراجع ولا تهاون ولا تعايش مع الاحتلال فلا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة.

تتزامن ذكرى اغتيال الشهيد أبو جهاد مع انطلاق فعاليات يوم الأسير الفلسطيني 17 نيسان حيث يرتبط الموت بالحرية في الزمن الفلسطيني، ومن خلال روحه نطل على آلاف الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، مازالت روح أبو جهاد عميقةً في الحياة الثقافية والإنسانية جموع الأسرى، فقد كان الأب والقائد الروحي الذي أعطى الأسرى بعدها السياسي والوطني والقانوني رافضاً أن تبقى قضية الأسرى قضية اغاثة اجتماعية، ومن خلال هذه المنهجية ترسخت مبادئ وقيم ظلت مستمرة في مسيرة العمل النضالي الفلسطيني، وشكلت تحدياً أمام المخططات الاسرائيلية التي حاولت أن تجعل من قضية الأسرى قضةً هامشية مجردة من بعدها السياسي ومن وشرعية نضالها الوطني.

يعتبر الشهيد أبو جهاد من أبرز القادة الفلسطينيين الذين اكتشفوا الطاقات العظيمة التي يتمتع بها الأسرى داخل السجون وخارجها، وقد ساهم في بناء مدرسة السجون التي تحولت الى خنادق وأكاديميات وخرَجت الآلاف من الكوادر الذين ساهموا في قيادة العمل النضالي الفلسطيني وخاصةً في الانتفاضة الأولى ودورهم في الحفاظ على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، الشهيد أبو جهاد اكتشف الداخل الفلسطيني وقوته في مواجهة الاحتلال و فك الحصار عن منظمة التحرير والتصدي لكل المخططات التي حاولت استهداف وحدانيته وتجاوز القرار الفلسطيني المستقل.

الشهيد أبو جهاد لعب دورا أساسيا في بناء دولة السجون من خلال اهتمامه الأسرى وعائلاتهم واعتبر أن قضية الأسرى وتحريرهم جزء من حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، لهذا تبنى المجلس الوطني الفلسطيني عام 74 يوم 17 من نيسان يوما وطنيا وعالميا لمناصرة حرية الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الاسرائيلي الشهيد أبو جهاد كان يربط الداخل بالخارج، وإحدى سمات العبقرية انه أعطى اهتماماً للأراضي المحتلة وركز على ذلك واعتبرها مركز الثقل للعمل الوطني الفلسطيني من خلال بناء الأطر  التنظيمية والجماهيرية، وبناء المؤسسات والبنية التحتية للمجتمع الفلسطيني وخلق حالة نهوض وطني حولت الأراضي المحتلة إلى الساحة الأهم في مواجهة الاحتلال، وكانت رسالته الأخيرة التي لم تكتمل عشية الاغتيال موجهة إلى القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة.

الشهيد أبو جهاد أول قائد فلسطيني أطل برسائله واهتمامه على الأسرى القابعين في سجون الاحتلال، وكان له دوراً هاماً في بناء المؤسسة الاعتقالية وتنظيمها وتحويل السجون إلى مدارس وخنادق للتربية السياسية والتنظيمية وتخريج الطاقات الوطنية التي لعبت الدور الأهم في الانتفاضة عام 1987، حيث كان معظم أعضاء القيادة الموحدة من الأسرى المحررين.

اخترق أبو جهاد جدران السجون وتواصل مع الأسرى وعائلاتهم وهو أول من أدرك منذ البدايات أهمية الإنسان الأسير المناضل وضرورة الاهتمام به واحتضان أسرته ورعايتها، وشكلت رؤية أبو جهاد للأسرى عقيدة وفلسفة ظلت راسخة وثابتة حتى اليوم بعد أن تحولت إلى نهج وطني ومؤسس لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد برز ذلك عندما اعتقل أول أسير فلسطيني بتاريخ 8/1/1965 وهو محمود بكر حجازي وحينها قال أبو جهاد: من حق المناضلين علينا وعلى حركتهم أن توفر لهم ثلاثة أنواع أساسية من الحماية وهي:
1 حماية عضويتهم في حركة فتح  .
2 حق الحماية السياسة التي تفرض على الحركة تبني كل معتقل أو أسير من بين أعضائها وتعمل على الدفاع عنه وتلتزم بالسعي لإطلاق سراحه.
3  حق الحماية الاجتماعية التي توفر للأسير وأسرته مستوى لائق من الحياة وتعليم أبنائه والوفاء بالالتزامات المادية لأسرته.

وعلى المدى تحولت رؤية أبو جهاد إلى سمة مشرفة من سمات الثورة وعنواناً بارزاً من عناوينها العظيمة عندما تأسست مؤسسة رعاية الأسرى والشهداء والجرحى ومن ثم وزارة الأسرى وهيئة الأسرى، وأصبحت هذه المؤسسات جزء من المعركة مع الاحتلال في ظل العدوان على الأسرى وقرصنة أموال الشعب الفلسطيني بسبب إعانة عوائلهم ومحاولات حكومة الاحتلال تجريم نضال الأسرى ونزع مشروعية نضالهم الوطني التي رسمها الشهيد أبو جهاد، فروح أبو جهاد لازالت تقاتل دفاعاً عن الإنسان المناضل وحقه المشروع بالحرية والكرامة الإنسانية.

أعطى الشهيد أبو جهاد منذ انطلاقة الثورة عام 1965 اهتمامه للأسرى وتابع شخصياً أوضاعهم وظروفهم، فعندما وقع الأسير الأول محمود بكر حجازي بالأسر قال أبو جهاد: لقد حركنا العالم كله خلف قضيته وخلال ستة أشهر كنا قد رفعنا مذكرات إلى هيئة الأمم المتحدة وكل الهيئات الدولية الأجنبية التي ترعى حقوق الأسرى، واتصلنا بعدد من نقابات المحامين الأجانب للدفاع عن محمود الذي صدر بحقه حكماً بالإعدام ورفضت سلطات الاحتلال أن يتولى المحامي الفرنسي الشهير (جاك فيرجس) الدفاع عنه والذي كلفنا بذلك.

وقال الشهيد أبو جهاد ان بلاغ القيادة العامة لقوات العاصفة رقم 34 الذي صدر في 22/11/1965 قد خصصناه بالكامل لموضوع الأسير محمود بكر حجازي وأكدت خلاله على ضرورة تحويل محاكمته إلى محاكمة سلطات الاحتلال الإسرائيلي نفسه، وقد أطلق سراح حجازي عام 1971 خلال إجراء عملية تبادل بين م ت ف وإسرائيل مقابل إطلاق سراح الإسرائيلي (شموئيل روزنر) الذي أسرته حركة فتح بتعليمات من أبي جهاد.

ان الهاجس الدائم للقائد الشهيد أبو جهاد كان إطلاق سراح الأسرى من سجون الاحتلال، وكانت تعليماته دائماً خلال العدوان على لبنان عام 1982 وخلال العمليات العسكرية للفدائيين خاصة الدوريات المتسللة عبر الحدود بخطف جنود إسرائيليين لأجل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، وتنفيذاً لهذه التعليمات تم أسر ثمانية جنود إسرائيليين يوم 4/9/ 1982 خلال الغزو الإسرائيلي للبنان، وعلى أثرها قاد أبو جهاد مفاوضات عملية تبادل الأسرى تم بموجبها إطلاق سراح الأسرى على مرحلتين: الأولى في 27/11/1983 تضمنت إطلاق سراح 6 أسرى إسرائيليين مقابل إطلاق سراح 4800 معتقل فلسطيني ولبناني من معسكر أنصار و 65 اسيراً من سجون الاحتلال في الأراضي المحتلة منهم 8 أسرى من فلسطين المحتلة عام 1948، و 35 معتقلاً كان قد تم أسرهم في عملية القرصنة البحرية في المياه الإقليمية اللبنانية، إضافة إلى الإفراج عن الوثائق والتقارير والمراجع والدراسات التي صودرت من مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت، ثم المرحلة الثانية وهي عملية التبادل التي جرت في 20/5/1985 بين الجبهة الشعبية القيادة العامة وإسرائيل، حيث كانت القيادة العامة قد احتفظت أسيرين من الثماينة، بموجبها جرى إطلاق سراح 1150 أسير فلسطيني ولبناني.

المتابع لعملية المفاوضات حول إطلاق سراح الأسرى التي أشرف عليها الشهيد أبو جهاد يكتشف مدى حرصه على التفاصيل  وعلى وضع رؤية قانونية إنسانية في التعامل مع ملف المعتقلين، فقد أعلن يوم 19/3/1983 ان م ت ف على استعداد لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الثمانية إذا وافقت سلطات الاحتلال على معاملة كافة الأسرى في لبنان وفي السجون الإسرائيلية كأسرى حرب حسب القوانين والأنظمة الدولية، وطالب أبو جهاد بضمانات بعدم تعرض الأسرى بعد الإفراج عنهم إلى الملاحقة والاعتقال مرة أخرى، وقد اعتبرت الصحف الإسرائيلية حينها أن عملية التبادل التي جرت تعني اعترافاً ضمنياً واقعياً بالمعتقلين الفلسطينيين كأسرى حرب، وأن أبا جهاد قائد المفاوضات أحدث تغييراً في الذهنية الإسرائيلية السائدة باتجاه الاعتراف بوجود قضية عادلة يقاتل الفلسطيني من أجلها باعتباره إنسانا كسائر بني البشر، وأن الفلسطينيين ظهروا أكثر التزاماً من الإسرائيليين بقواعد القانون الدولي في معاملة الأسرى المعاملة الإنسانية اللازمة.

أن كافة العمليات الفدائية التي أشرف عليها الشهيد أبو جهاد والتي كانت تتضمن أهدافها احتجاز إسرائيليين وإجراء مبادلة لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين ومنها: عملية فندق سافوي في تل أبيب التي وقعت يوم 5/3/1975، وعملية دلال المغربي التي وقعت في 11/3/1978، العملية البحرية في 21/4/1985 والتي انطلقت من الجزائر تضم 20 فدائياً والتي كان هدفها التوجه إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب والعمل على أسر أكبر عدد من كبار الضباط الإسرائيليين، وعلمية ديمونا يوم 6/3/1988 في صحراء النقب والتي هدفها المفاعل النووي الإسرائيلي  واحتجاز رهائن لإطلاق سراح الأسرى، حيث صرح وزير الجيش الإسرائيلي اسحق رابين ان الفدائيين عرفوا على أنفسهم أنهم من حركة فتح وتابعون لأبي جهاد وأن هدفهم أخذ رهائن والمساومة عليهم، وكان حينها يتواجد 9 آلاف أسير فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية.

ان عملية ديمونا هي آخر العمليات العسكرية التي اشرف عليها أبو جهاد التي قتل فيها ثلاثة خبراء وتقنيين عاملين في المفاعل النووي، وكانت على مقربة من سجني نفحة والنقب  الصحراوي، فالرصاصة الأخيرة لأبي جهاد كانت التحية والسلام على أسرى نفحة والنقب وكل المعتقلين في سجون الاحتلال، فقد وصل أبو جهاد إلى بوابة السجن، اجتاز كل  المسافات واقترب من الأبواب الموصدة، واعتبرت إسرائيل أن هذه العملية هي الأخطر في دلالاتها السياسية والعسكرية وأنها تجاوزت كل الخطوط الحمراء وأن أبا جهاد أصبح هدفاً استراتيجياً للاغتيال، وقد وصفته الصحافة العبرية بأنه عدو من الدرجة الأولى لإسرائيل وأن أبا جهاد كاد أن يحول المناطق المحتلة إلى مناطق لا يمكن حكمها من قبل إسرائيل.

اغتيل القائد الرمز أبو جهاد في ليلة 17 نيسان يوم الأسير الفلسطيني وفي نفس اليوم الذي اطلق فيه القائد العسكري لـ معتقل النقب المدعو (تسيمح) الرصاص على الأسيرين الشهيدين بسام السمودي واسعد الشوا، فانتفض المعتقلون يبحثون بين الرمل عن الحجارة والحصى.

أيها الناس اغتيال ابو جهاد في شهر القيامة المجيدة، حمل كل الآلام في مسيرته الطويلة ليوصلنا الى الحق والعدالة والحياة، سكب دم حياته في الموت فقامت الانتفاضة واشتعلت السجون بالإرادات والبطولات والانتصارات، نزلت فلسطين عن صليبها وعلى خطى ابو جهاد داست على الموت بالموت لتمنحنا الكرامة والصمود في سبيل الحرية والاستقلال.

لقد آمن مؤسسو حركة فتح بأهمية وضرورة أن يمسك الفلسطينيون بزمام المبادرة، وأن يكونوا رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني، وبضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية واستقلال القرار الوطني وعدم الاتكال على النظام العربي الرسمي، وعدم انتظار إنجاز الوحدة العربية كشرط لتحرير فلسطين وهي الفكرة التي تحكمت في الوعي السياسي السائد آنذاك وأدركت هذه الطليعة المؤسسة الأهمية التاريخية في التسريع بإطلاق ثورة مسلحة فلسطينية الوحي والقلب والعقل، وعربية العمق والإنتماء، إنسانية وعالمية الأهداف، وآمنت بوحدة الفلسطينين واحترام قواعد مرحلة التحرر الوطني تغليب التناقض الرئيسي مع المشروع الصهيوني على باقي التناقضات الأيديولوجية والفكرية والاجتماعية والسياسية الأخرى، وشكلّت الوطنية الفلسطينية لكل هذه الركائز عقيدة الفتحاويين الفكرية والسياسية والوطنية، وانخرط في حركة فتح مجموعات كبيرة وشخصيات وكوادر وطنية تركت أحزابها لتلتحق بفتح كإطار وطنيّ فلسطينيّ مستقل.

أدرك أبو جهاد أهمية العامل الذاتي وضرورة ترتيب الجبهة الداخلية والحفاظ على وحدة الشعب والقضية ووحدانية التمثيل، والأهمية القصوى لوحدة حركة فتح والإصرار على أهمية الإصلاح والمحاسبة والمساءلة وإقصاء ومعاقبة كل من يرتكب مخالفة سلوكية أو أمنية أو مالية، وكان مسكوناً ومدركاً لأهمية الوحدة الوطنية، حيث قاد بنفسه الحوارات مع الفصائل وكان بطل الوحدة الوطنية في دورة المجلس الوطني الثامنة عشرة التي تجسّدت في دورة المجلس الوطني التوحيدي التي عقدت في نيسان 1987، والتي كان لها دور وإنعكاس على وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل.

كان أبو جهاد يدرك وبشكل مبكر لأهمية بناء المؤسسات الفلسطينية داخل فلسطين وأهمية بناء التنظيم وتعزيز وحدة الشعب والنضال، خاصة أنه طوال حياته ومسؤولياته كانت الأرض المحتلة ساحته وأشرف على النضال فيها مما جعله أكثر أدراكاً ووعياً لمعادلة الصراع وأهمية تنوع أشكال النضال، وأن من أهم صفات أبو جهاد وتميّزه أنه ليس فقط قائداً ورمزاً ومرشداً ثورياً لشعبه بل كان كذلك تلميذاً متميزاً لهذا الشعب العظيم، وتعلّم أهمية الإصغاء لرفاق الدرب وأخوة المسيرة والعاملين معه والمناضلين إلى جانبه وضرورة التشاور معهم بل والأخذ برأيهم ومقترحاتهم وإطلاق العنان للكوادر والقيادات واحترامها. 

إن اطلاعه الكبير ومتابعته نضال شعبه على أرض فلسطين وفهمه العميق لطبيعة التعقيدات والعقبات وكذلك للفرص والإبداعات التي نجحت الحركة الوطنية الفلسطينية في بلورتها في خضم الصراع مع الاستعمار الصهيوني، وانفتاح ذهنه على الممكنات الجديدة والتجارب اللافتة، إن ذلك يفسّر رؤيته الثاقبة والواضحة، ولهذا دعم بقوة المنظمات الجماهيرية وخاصة الشبيبة بمختلف فروعها وأشكالها، وساند النضال السياسي والنقابي والجامعات والإعلام والصحافة وكل أشكال الصمود والعمل الوطني.

وبقي أن نقول في هذه الذكرى العظيمة التي نستمد منها الثقة بالنفس وروح التضحية والفداء والإرادة والعزيمة الفولاذية والحكمة في خوض النضال أنّ الاحتفاء بهذه الذكرى يكمن في الوفاء لمبادئ القادة الكبار والسير على خطاهم والارتقاء إلى مستوى تضحياتهم والاستفادة من تجاربهم.
لا أنسى أكثر مقولة كان يردّدها لنا دوماً: “لا تنسوا .. احنا خدم للشعب الفلسطيني”.. فعهداً لك يا أخي ومعلمّي أن نبقى خدماً لشعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية، وأن نحافظ على وصاياك التي هي بمثابة البوصلة نحو التحرير والانتصار..
لك المجد يا خادم فلسطين الأعظم .. والخلود والسلام لروحك العظيمة يا أمير شهدائها
المجد والخلود للشهيد القائد أبو عمار والشهيد القائد أبو جهاد ولكل الشهداء العظام والحرية والنصر لشعبنا العظيم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير