"مجانين" بيتا .. حتى النصر

وطن - أنصار اطميزه : تعيش بلدة بيتا في محافظة نابلس جنونا وطنيا جميلا، جعلها محط أنظار الفلسطينيين، كل ليلة، وهم يشاهدون أشكالا مختلفة من المقاومة الشعبية لقض هدوء المستوطنين الغرباء، الذين أرادوا سرقة جبل صبيح، فكان البتاويين لهم بالمرصاد.
مكبرات الصوت تهز هدوء الليل. عتمة جبل صبيح تتحول الى جمرة نار بفعل اشعال الاطارات المطاطية. هتافات الشبان العالية تعلو وتعلو قسما وعهدا بالثبات والصمود حتى اقتلاع "أفيتار" ومستوطنيها، وغرس أشجار زيتون بأسماء أحمد بني شمسه، عيسى برهم، زكريا حمايل، محمد حمايل، طارق صنوبر، الشهداء الذين عُجن دمهم بتراب الجبل.
تعيش بلدة بيتا منذ الثاني من ايار/مايو، حالة مقاومة مستمرة للدفاع عن جبل صبيح في وجه الاستيطان، مستلهمة تجربة قطاع غزة بما يعرف بـ"الإرباك الليلي"، لارباك حياة المستوطنين وجعل استمرارية حياتهم فوق ارضنا مستحيلة، ففي النهار بينما يواجه الشبان جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة، ويطرز بعضهم خصر جبل صبيح، بجيد من "الكاوتشوك" وما ان تغيب أشعة الشمس، حتى تشتعل النيران فيها معلنة بدء المواجهة الليلة التي يشارك بها مئات الشبان من بلدة بيتا واحيانا البلدات المجاورة، حيث مكبرات الصوت في المركبات تعلو بالأغاني الوطنية وايات القران والهتافات، وكشافات الإنارة الموجهة الى قمة الجبل، واحيانا الألعاب النارية.
استعدادات كل ليلة
يعمل الشبان في بلدة بيتا يوميا كخلية نحل، تحضيرا لحفلة جنون يبددون فيها هدوء المستوطنين وراحتهم، حيث يوزعون أنفسهم الى وحدات تُسند لكل منها مهمة عليها انجازها، وأهمها: وحدة تجميع الآلاف من إطارات "الكاوتشوك" التالفة وغير صالحة للاستقبال، وتسليمها لوحدة أخرى تقوم بتطريز محيط جبل صبيح بها من 3 جهات تمهيدا لاشعالها مع حلول الليل.
توزيع إطارات الكاوتشوك حول الجبل، لا يتم اعتباطا ، بل وفق معايير محددة، أهمها ان تكون عند احتراقها باتجاه الهواء الصاعد الى قمة جبل صبيح، وما ان يحل الليل حتى تُضرم النيران في الإطارات، فيتزنر الجبل بجيد من نار ولهب، وتعلو اعمدة الدخان الاسود الى قمة الجبل، لتحرم المستوطنين من الاستمتاع واستنشاق اي نسمة هواء فوق قمة الجبل.
وما أن يشتعل الجبل، حتى تبدأ وحدات الارباك الليلي الأخرى عملها، فتوجه الأضواء العادية وأضواء الليزر باتجاه قمة الجبل، بينما تقوم وحدة أخرى بالهتاف والتكبير عبر مكبرات الصوت، واحيانا إصدار أصوات مزعجة وأغاني وطنية لتحرم من سرق الجبل، من سرقة لحظة نوم واحدة، كما ان أصحاب محال اللحوم والدواجن يضعون"حاويات نفاياتهم" على أقرب منطقة من البؤرة الاستيطانية، لكي تصل رائحتها الكريهة الى المستوطنين .
أما وحدة المتابعة والمراقبة، يناط بها مهمة مراقبة تحركات جيش الاحتلال ومركباته التي تجول ذهاباً وإياباً لحماية المستوطنين، وذلك من أجل معرفة عدد المركبات العسكرية والجنود، تحسبا للمواجهة لقادمة، بينما تقوم وحدة أخرى باستخدام المناظير وأجهزة مساحة الأراضي لرؤية المستوطنين وحالة الخوف التي يعيشونها، وعلم الاحتلال المتشح بالسواد.
وقال نائب رئيس بلدية بيتا موسى حمايل لـ وطن ان الفعاليات الشعبية التي يقوم بها الشبان بشكل يومي وعلى مدار 24 ساعة، بما في ذلك عمليات الارباك الليلي التي تمتد من ساعات المغرب حتى ساعات الفجر، وعلى امتداد 12 كيلو متر من مفرق بيتا حتى منطقة أوصرين، هي من أجل قض مضجع المستوطنين.
وتابع حمايل "كل يوم يبتكر الشبان طريقة جديدة للمقاومة والتصدي لهذه البؤرة الاستيطانية، وعلى الرغم من سياسة الانتقام التي يمارسها جيش الاحتلال المتمثلة بإطلاق الرصاص الحي على الشبان، ومنع الحركة وإغلاق مداخل البلدة، إلا ان الشبان يواصلون مقاومتهم حتى اقتلاع هذا البؤرة من أرضهم".
صواريخ وطائرات حارقة
يلوح شبان بيتا بتصعيد أساليب مقاومتهم خلال الأيام الماضية، حيث ان الطائرات والبالونات الحارقة والصواريخ الورقية، هي بعض تلك الوسائل التي يهدد الشبان باستخدامها في حال لم يتم اخلاء البؤرة الاستيطانية، وما ذلك التلويح والتهديد الا رسالة تحذيرية للمستوطنين بان السماء سوف تمطر عليهم نارا وحرائق .
لا يُظهر أهالي بيتا اي تراجع في نضالهم لاقتلاع مستوطنة افيتار من قمة جبل صبيح، بل باتوا اكثر اصرارا على تحريره مثلما تحرر جبل العرمة من قبل، مستندين بذلك الى تاريخ من المواجهة، وإفشال 3 محاولات سابقة للاستيطان في البلدة.
وقال صالح حمايل، احد المواطنين من بلدة بيتا لـ وطن "أن بيتا لديها تجربة كبيرة في مواجهة الاحتلال والتصدي لمشاريعه الاستيطانية، وأهالي بيتا لن يثنيهم القمع والاعتداءات عن الاستمرار والمضي بما يقومون به حتى اقتلاع المستوطنين من الجبل".
ومنذ 2013 أفشل أهالي بيتا 3 محاولات للمستوطنين لإقامة بؤرة استيطانية على قمة جبل صبيح، في كل مرة كان جيش الاحتلال يقوم بتفكيكها وإخلائها تحت وقع الصمود والمواجهة التي يخوضها أهالي البلدة.
يذكر ان صحيفة هآرتس العبرية ذكرت صباح اليوم الأحد أنه من المتوقع أن يعقد مفتش عام شرطة الاحتلال كوبي شبتاي، هذا الأسبوع جلسة لمناقشة استعدادات إخلاء بؤرة "أفيتار" الاستيطانية المقامة على جبل صبيح في بلدة بيتا، في حال صدر قرار بذلك من المستوى السياسي .