نتظاهر للأسطورة سامر العيساوي ونصوّت لـ محمد عسّاف - ريما كتانة نزال

21.04.2013 10:46 AM
السجال الدائر على صفحات الإعلام الاجتماعي الذي حاول أن يربط بين قضية الأسير "سامر العيساوي" والتصويت للشاب "محمد عسّاف" اصطنع تعارضاً وهمياً لا يخلو من الافتعال، بين دعوات تطالب بالتصويت للمتنافس للحصول على لقب "محبوب العرب"، وبين الأسير الأسطورة المضرب عن الطعام منذ تسعة أشهر من أجل حريته دون قيد أو شرط، يعيد للذاكرة الجدل الذي دار منذ سنوات، بين مؤيد ومعارض، حول تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية بشكل عام، ومن بينها حفلة نظمتها جامعة النجاح الوطنية للمطرب "عمار حسن" الذي كان عائداً من مسابقة شبيهة.
الكثيرون منا يهوى التدافع والصدام، ويجهد في الزج بنا في معارك وهمية لا طائل منها سوى إرهاق الذات والتفكير. هدفهم من وراء ذلك البحث عن معركة وهمية في محاربة طواحني الهواء، وتلهي عن قضية رئيسية حقيقية لإظهار ذواتهم بمظهر الأبطال المدافعين عنا وهم بعيدون بعد الثرى من الثريا، هؤلاء الذين يتبدلون، حسب الزوبعة المثارة، لا يكلّون ولا يتعب خيالهم من حيلة استدراجنا إلى المعارك الفارغة من قضيتها..
"سامر العيساوي"، بطل فلسطين والعرب جاء في لحظة تاقت للبطل الرمز والحكاية الأسطورة وإلى تماسكه وصلابة إرادته وعزيمته. "سامر" الذي يعي ماذا يفعل ولماذا يفعل، يخوض منازلة تاريخية ضد الاحتلال غير مبالٍ بحياته بقدر مبالاته بكرامته ورسالته، ولا يهتم إلا للحركة الشعبية الصادقة دون أدنى التفات للمزادات أو المناقصات..
"سامر" لا يكترث بالصراعات الجانبية ولا يعترف إلا بالصراع الرئيسي مع الاحتلال، بل يرفض أي انحراف عن القضية الرئيسية، ولا ينجرّ للخطاب السطحي الذي يضع القضايا في تعارض بين بعضها البعض، ولا تجذبه المفاهيم المتناقضة والمتناحرة. وهذا ما يمكن استشفافه بسهولة من رسائله المتتابعة التي تتحدى الاحتلال وتستنهض التحدّي والمقاومة. لأنه باختصار يقف خلف فكرته الأسطورية، ويعيد صياغة علاقات القوة بين الاحتلال والشعب.
"سامر"، يناضل من أجل حريته وحرية شعبه، سامر يناضل من أجل أن يعيش إلى آخر نبض في عروقه، ولا يساوم على حقه في إطالة حياته وحياة الناس. إنه يناضل من أجل حق الشعب في الحياة الطبيعية، ومن أجل أن تحقق الأجيال أحلامهم، وحتى يتمكن الجميع ومنهم الشاب الموهوب "عساف" من الغناء والتمثيل واللعب، دون أن ننسى أنه لن يأتي قريباً الوقت المناسب للغناء في المقاييس والمعاني الخاصة بالحال الفلسطيني.
أن نفرح رغم فائض الغمّ والهمّ فهذه مقاومة. أن نواصل حياتنا ونقاوم الصدأ فهذه مقاومة. أن نحتفي بانتصار صغير هنا أو هناك مقاومة. أن نقيم مهرجاناً لمسرح يخرج من بين الأنقاض مقاومة، وأن نحيي الفن ونكرم الفنانين ونبتهج مقاومة للموات والذهول والتكيّف مع بؤس الحال.
وإذا كانت مهمة الشعب الفلسطيني مجابهة الاحتلال ومقاومته حتى الحرية، يصبح مطلوباً تجنيد طاقات الشعب لخدمة المعركة الرئيسية وتوظيفها بالفعل المقاوم، الذي يكون تحت تصرفه الغناء والشِعر والقصة والرواية والسينما والمسرح. أما الإصرار على خلق التعارضات بين ملائكة وشياطين، وبين المقاومة والفن، وعقد المقارنات في غير مكانها، فلا يخدم سوى إخراج الجدل عن مجراه الطبيعي، ويؤدي إلى خلق التباعد والفرقة ونشر الكراهية، ولا يعترف بدور الفن في خدمة القضية الفلسطينية، بل يخلق تعمية على أشكال نضالية كان لها تأثيرها الإنساني، وقضية "سامر" كان لها الأثر الرائع على تعدد وتنوع في أشكال الفعاليات والأنشطة التضامنية المختلفة، ولا أحد يستطيع تجاهل التحدي الذي مثلته النشاطات، الجماعية والفردية، للاحتلال، وآخرها غناء مقاوم لصبيتين يافاويتين أصيلتين تسللتا كالماء لتغنيا "لسامر" من خلف باب غرفته في المستشفى، الذي لا نشك في أنه محل تقدير من قبل "سامر"، فهل هناك من يشكك بأن غناءهما لم يكن مقاومة.. لا أرقى ولا أجمل..
البطل "سامر العيساوي" يقاوم إلغاء الوجود الفلسطيني، و"محمد عساف" يقاوم إلغاء حقه المشروع في الحياة الطبيعية، "عسّاف" ينهض من خلف الدمار مستعرضاً هواية التحايل على القمع والفتك والتنكيل بالغناء والانطلاق، يستلهم من قضيته وحالة شعبه طاقة كامنة في التصدي للكوابح والمعيقات، ليشيع جواً ولو عابراً من البهجة والتصويت للحياة.
صحيح أن مهرجانات الحزن في بلادنا أقوى من مواسم الغناء. ولكن ورغم ذلك، علينا أن نقاوم ونحيا ونتدبر حياتنا ونقاوم كل ما يعطل حياتنا، وأن نوقف كل من يدخلنا في معارك وهمية، ليس فيها منتصر أو مهزوم، لا طائل منها إلا استهلاك قوانا دون تحديد معركتنا الحقيقية وعدونا الحقيقي..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير