المسارات الشبابيـة في فلسطين... تعزيز للسياحة البيئيـة ودعم للمجتمعات المحلية

27.09.2020 10:00 AM

وطن- خالد أبو علي: تعدُ فلسطين من أهم المناطقِ السياحية في العالم، حيث تتميزُ بالأماكنِ السياحية العديدة والمتنوعة وكثرةِ الآثار والمواقعِ التاريخية والمزاراتِ القديمة، كما تميزت بكونِها مهداً للعديدِ من الحضارات التاريخيةِ القديمة التي عمّرتها أو سكنتها أو غزَتها على مرّ التاريخ، فخلّفت كنوزاً وآثارًا لا تُقدرُ بثمنٍ من التلال والمدنِ الكنعانية، مروراً بالقلاعِ الرومانية والحصونِ البيزنطية، وصولاً إلى المقاماتِ الإسلاميةِ والقصورِ العثمانية.

وقد ساعد مناخُ فلسطين المعتدِل صيفاً والدافئ شتاءً على جعلها محجًا لكلِ الأذواق من مختلفِ الأجناسِ والأصقاع، كما شكلت متناقضاتُ التضاريس في هذه البُقعةِ الصغيرة بما تحملُه من تنوعٍ حيويٍ مذهل وخاصةً في فصلِ الربيع؛ منطقةَ جذبٍ سياحيٍ مميز، حيث تضمُ فلسطين الأغوارَ الأكثرَ انخفاضاً على وجهِ الأرض والأعلى حرارة، والجبالَ العالية، والسهولَ الواسعة، والأغوارَ والصحارى، وبعضَ الأنهار، والبحرَ الميتَ الذي يتميزُ بملوحتِه الشديدة التي ليس لها مثيلٌ في العالم، والتي تساعدُ الغواصين على الطفوِ على سطحه.

وقد وهبَ اللهُ فلسطينَ ثروةً سياحيةً متنوعة وفريدة وخصوصاً أنها مهدٌ للدياناتِ السماويةِ الثلاث، فهي مركزٌ يضمُ أقدسَ الكنائس لدى أتباعِ الديانةِ المسيحية، وثاني أعظمِ المساجد لدى المسلمين، ومهدٌ للحضاراتِ التي تركت أثرَها على التراثِ الإنساني، وبالرغم من صغرِ مساحتِها إلا أنّها تتمتعُ بتنوعٍ حيويٍ ومناخيٍ كبير، شكّلَ عاملَ جذبٍ سياحيٍ وترفيهي.
ومع تطورِ وسائلِ النقل والمواصلات ظهرت أنواعٌ كثيرةٌ من السياحة، منها: السياحةُ البيئية التي تجذبُ إليها عشاقَ الطبيعةِ والبيئة والنباتِ والحيوان، وهي سياحةٌ صديقةٌ للبيئة مقارنةً بغيرِها من الأصناف.

مفهوم السياحة البيئية
لم يعد البحرُ ولا  الأسواقُ والمطاعمُ والمتنزهاتُ وحدَها تُغري السيّاح الأجانبَ والزوار والعائلات، فقد بدأت الأنظارُ تتجه نوعاً ما نحو الطبيعةِ الخلابة في الأريافِ والقرى الفلسطينية، وبرزت في بعضِ المناطق في الريف الفلسطيني إقاماتٌ ريفيةٌ ودورُ ضيافةٍ كما في سبسطية ودورا وبتير، كما فتحت عائلاتٌ فلسطينيةٌ أبوابَها أمام من يريدُ اكتشافَ الفلسطينيين وعاداتِهم وتقاليدِهم على طبيعتِها، وبدأت المنافسةُ تظهر بين السياحةِ في المدن والسياحةِ في الأرياف.

وتسهمُ السياحةُ الريفيةُ في تشجيعِ السائح أو الزائر على الاستفادة من المقوّماتِ البيئية التي تشتهر بها الكثيرُ من القرى فيما يتعلق بجمالِ الطبيعة والخضرةِ والهدوءِ والبساطة والنمطِ المعيشي للسكان وكلِ ذلك، لخلق مفهومِ السياحةِ الريفية أو السياحةِ البيئية أو السياحةِ البديلة والرديفة، وكلُها مسمياتٌ ترمي لنفسِ الهدف وهو خلقُ ارتباطٍ بين السائحِ الوافد أو المحلي مع الريف الفلسطيني، من خلال إيجادِ مساراتٍ بيئيةٍ سياحيةٍ تسهّلُ رحلةَ ومسيرَ السائح.

السياحةُ البيئيةُ أو الريفية أو الخضراء أو المجتمعية، هي السياحةُ التي تأخذُ المجتمعاتِ المحلية كركيزةٍ أساسيةٍ للسياحة، وتشمل المجتمعَ المحلي بجميعِ مكوناتِه، وتضمُ السياحة البيئية والتراثية والثقافية، وهي تلك النوعُ الترفيهيُ والترويحيُ عن النفسِ الذي يربِطُ السياحةَ بالبيئة، أو بمعنىً آخرَ توظيفُ البيئة من حولنا لتمثِلَ نمطاً من أنماطِ السياحة التي يلجأُ إليها السائحُ للاستمتاعِ بجمالِ الطبيعة.

وقد أورد الصندوقُ العالمي للبيئة تعريفاً للسياحةِ البيئيةِ بأنها: "السفرُ إلى مناطقَ طبيعيةٍ لم يلحقْ بها التلوث ولم يتعرض توازنُها الطبيعيُ إلى الخلل، وذلك للاستمتاعِ بمناظرِها ونباتاتِها وحيواناتِها البرية وحضاراتِها في الماضي والحاضر، ما يخلقُ ارتباطًا وجدانيًا بين الإنسانِ والبيئة".

وتُعرّف السياحةُ البيئية بأنّها السفرُ لزيارةِ المواقعِ الطبيعية للاستمتاعِ بالطبيعةِ وما يصاحبُها من معالمَ ثقافيةٍ بروحٍ من المسؤوليةِ البيئية التي تضمنُ المحافظةَ على المواقعِ الطبيعية وعدم المساسِ بها، وتقلّل من التأثيراتِ السلبية للزيارة، وتوفرُ فرصًا للمشاركةِ الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين. أما تعريفُ الجمعيةِ الدولية للسياحةِ البيئية فهو:"السفرُ المسؤول إلى المناطقِ الطبيعية مما يعني حفظَ البيئة، وتحسينَ رفاهِ السكّانِ المحليين".

"السيــاحة البيئيـــة" مصطلحٌ حديثٌ نسبياً، فقد تم اقتراحُ هذا النوعِ من السياحة من قِبل الناشطِ البيئي والخبير في مجال حمايةِ الطبيعة (هكتورلاسكورين) الذي اقترحَ أن يتمَ تشجيعُ النشاطاتِ السياحيةِ الصديقةِ للبيئة من خلال التخلّي عن وسائلِ التنقل والمعدَّاتِ الملوِثة للبيئة، وكذلك عدم تدميرِ البيئاتِ الطبيعية في سبيل إيجاد وسائلِ الراحةِ والترفيه للسياح، وقد تمَّ تبني هذا الطرح ُمن قبل الاتحادِ العالمي لحمايةِ الطبيعة في العام 1983م.

ولعل مفهومَ "السيــاحةِ البيئيـــة" حديثٌ نسبياً في فلسطين أيضاً، إلّا أنَّ فلسطين تُعد مقصدًا سياحيًا لاحتوائِها الكثيرَ من المقدساتِ الدينية والمواقعِ التاريخية والأثرية والمصادرِ الطبيعيةِ والثقافية المثيرة للاهتمام، وتنوعِ جغرافِيتِها ومناخِها الذي يفتحُ الآفاقَ لتوسيعِ دائرةِ السياحةِ وارتباطِها بالبيئة؛ ليمكنَّها من استغلالِ هذه الثروة الدفينة، في ظلِّ الرغبةِ الجامحة لزوارِ فلسطين بالتعرف على نظامِها البيئي وطبيعتِها الخلّابة التي تساندُ مواقعَها التاريخيةِ الأثرية والدينية، حتى أن السياحةَ البيئيةَ بدأت تفرضُ نفسَها على أجندةِ السائح رَغم صِغَر مساحتِها.

فالتنوعُ البيئيُ فيها مثيرٌ للانتباه؛ إذ يحوي أكثرَ من 2720 فصيلةً نباتية، ويعيشُ فيها ويمرُ منها أكثرُ من 520 فصيلةَ طيور، حيث يمرُ جزءٌ كبيرٌ من الطيور المهاجرة بين أوروبا وإفريقيا عبر "جسورٍ" بريةٍ في جنوبِها ووسطِها؛ إضافةً إلى أنَّ أكثرَ من 70 فصيلةً من الثدييات وآلافِ الحشرات والزواحف والبرمائيات تستوطنُ هذه البقعة، وتجدُ فيها ما يشجعُها على العيشِ والتكاثرِ حسَب مصادر جمعيةِ الحياةِ البرية في فلسطين.

الدكتور وليد الباشا المحاضرُ في جامعةِ النجاحِ الوطنية مؤسسُ مركز الباشا العلمي للدراساتِ والأبحاث في مدينةِ جنين، بهدف زيادةِ الوعيِ البيئي لدى المجتمعِ المحلي من خلال وُرشِ العمل والمنشورات وعملِ الأبحاث المتعلِقة بالتنوعِ الحيوي في محافظة جنين وتوثيقِها، يقول: "إنَّ المركزَ قام بإعدادِ التقاريرِ العلمية حولَ التنوعِ الحيوي في جنين خاصةً وفلسطينَ بشكلٍ عام، إضافةً إلى المشاركة في التقريرِ الخامس للتنوعِ الحيوي في فلسطين، حيثُ تمَّ إدخالُ وادي المقطع في مدينةِ  جنين إلى قائمةِ المناطقِ المُهمة في التنوعِ الحيوي، بالإضافة إلى إعدادِ تقريرٍ حولَ التنوعِ الحيوي لمرج صانور".

وللدكتور الباشا إسهاماتٌ مميزة وكبيرة في توثيقِ العديدِ من الكائناتِ الحيّة الجديدة أو النادرة في فلسطين، ويستعرضُ الباشا هذه الإسهامات بالقول: " تم توثيقُ نوعٍ جديدٍ من الثعابين في عام 2007، وكذلك توثيقُ أولِ ظهورٍ لطائرِ المينا الشائع عام 2010، والذي أصبحَ اليومَ من الطيورِ الشائعة، كما تمَّرصدُ جرذِ الماء في وادي المقطع وهو أكبرُ القوارض في فلسطين، وقد أُدخل إلى فلسطينَ في خمسينيات القرنِ الماضي. وفي عام 2013 جرى توثيقُ النسرِ الأسود وهو أكبرُ طائرٍ جارحٍ في العالم بعد غيابِ 25 عاماً فوق جبال جنين، وفي عام 2014، تمَّ تسجيلُ صورةٍ للقلق أصفرِ المنقار لأولِ مرةٍ في فلسطين في وادِ قانا في سلفيت، و نُشرت في الصحفِ المحلية وعلى مواقعِ التواصلِ الاجتماعي".

مقوماتُ السياحة البيئية
السياحة هي تجرِبةٌ فريدة للتعرف على مناطقَ جديدةٍ وقضاءِ أوقاتٍ ممتعة، وأما السياحةُ البيئية فهي تقتضي أن يتصالحَ فيها الإنسانُ مع الطبيعة ويصبحَ جزءاً من الجهودِ الرامية إلى الحفاظِ عليها، ولتحقيقِ هذا الهدف لا بدَّ أن تقومَ السياحة البيئية على عدةِ مقوماتٍ أهمُها :

 التنوعُ البيئيُ للمناطقِ السياحية من حيث الحياةِ البرية أو التضاريس أو مناخات المناطقِ السياحية.

 إمكانية اجتياز هذه المناطق والتجول فيها بطرقٍ بدائيةٍ مثل: المشي أو استعمالِ الدرّاجاتِ الهوائية دون الحاجةِ إلى استخدامِ وسائل حماية متقدمة أو وسائل تنقلٍ آليةٍ مثل السياراتِ الملوِثة للبيئة.

 القدرةُ على إنشاءِ بعضِ التجهيزاتِ اللازمة لخدمةِ المتجولين مع الحفاظِ على التوازنِ البيئي، وعدمِ التأثيرِ على أيِ نظامٍ بيئيٍ قائمٍ في المناطق السياحية.

 رفعُ الوعيِ البيئي للشباب وجعلِه أكثرَ تفاعلاً مع قضايا وهموم المناطقِ التي يزورها .

 احترامُ الثقافةِ المحلية للمناطقِ التي يتمُ زيارتُها وعدمُ المساسِ بحقوقِ السكان أو بالمعايير والقوانين المتّبعة.
تطور المسارات والتجوالات الشبابية الفلسطينية:
بدأت المساراتُ والتجوالات الشبابية في السنواتِ الأخيرة  تشقُ طريقَها في فلسطين كأحدِ المرتكزات الرئيسية للسياحةِ البيئية، وتطورت بسببِ عواملَ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وثقافيةٍ تعيشُها فلسطين، وبات هذا النوعُ من السياحة الحديث نسبياً يحظى باهتمامِ قطاعٍ واسعٍ من الشباب والمجتمعاتِ المحلية  والمؤسساتِ العاملة في القطاعِ البيئي والسياحي، إضافةً إلى هيئاتِ الحكمِ المحلي المختلفة، وتنتشرُ المساراتُ على مختلفِ الأراضي الفلسطينية، ويوجد منها ما يقاربُ الثلاثين مساراً في الضفةِ الغربية والقدس، ومسارٌ سياحيٌ واحدٌ في قطاعِ غزة، وهو المسارُ الساحلي الوحيد في أراضي السلطة الفلسطينية.

ويُنظم عشراتُ الشباب من كلا الجنسين شهرياً تجوالاتٍ شبابية تستهدف مناطقَ مختلفةً في الأرضِ الفلسطينية، لا تجمعُهم الأعمارُ فحسب، بل يشتركون في حبِ الأرض، وتهوى أفئدتُهم الاستمتاعَ بجمالِ طبيعتها، كما يمتلكون القدرةَ على التطوعِ والعطاء.

محمود جبر من رام الله شارك في العديدِ من  المساراتِ البيئية والتجوالاتِ الشبابية الفلسطينية  وعن تجرِبتِه في هذه التجوالات يقول:"أنا ضمن مجموعةٍ ناشطة في مجالِ  السياحةِ البيئية المجتمعية تحت اسم "مسارات  فلسطين" وما يجمعُنا الرغبةُ بممارسةِ رياضةِ المشي  في أحضانِ الطبيعة بالإضافةِ إلى التعرف على المناطقِ المختلفة من ربوعِ فلسطين ومحاولةِ خلقِ ثقافةٍ مجتمعيةٍ وشعبية لزيادةِ الوعي والاهتمام الشعبي في تنظيمِ مثل تلك المسارات، والتشجيعِ على ممارسةِ رياضةِ المشي في أجواءٍ طبيعيةٍ في أحضانِ الطبيعة".

ويضيف جبر: "منذُ أكثرَ من خمسِ سنواتٍ ونحن نقومُ بتنظيمِ سلسلةٍ من المساراتِ الطبيعية، حيثُ تتوزعُ المناطقُ تِبعاً للظروفِ الجوية، فمع بداية شهرِ أيلول نبدأُ بتنظيمِ مساراتٍ في سفوحِ الجبال الشرقية والوديانِ المطلة على مدينة أريحا التي تشمل العديدَ من الوديان ذاتِ التضاريس الجميلة والتي يصلُ طولُ بعضِها لحوالي 18 كم من تعرجاتٍ ومناظرَ خلابة في  الأودية والجبال، وفي بداية شهِر آذارَ ننتقلُ إلى السفوح الغربية في رام الله، بالإضافةِ إلى مساراتٍ أخرى في منطقةِ جنين أو محافظة بيتَ لحم.

ويتابع جبر حديثَه بالقول: " نلاحظ أن هناك إقبالاً متزايداً من مجموعاتٍ شبابية مختلفة لتسيير مساراتٍ بيئيةٍ مختلفة، وفي بعضِ الأحيان نلتقي بمجموعاتٍ أخرى من مناطقَ مختلفة. وبالنسبةِ لنا فمن خلال المسارات نقضي وقتاً ممتعاً في الطبيعة بعيداً عن ضغوطاتِ العمل والحياة في المدينة، كما تعودُ علينا بفائدةٍ على المستوى الصحي باستنشاق الهواءِ الطبيعي والنقي.

ويشدد جبر على أهميةِ  الحفاظِ على النظافة خلال المسارات فيقول: "نحن كمجموعةٍ نلتزمُ بسلوكياتِ الحفاظِ على البيئة والامتناع عن إلقاءِ مخلفاِتنا من كؤوس وأكياسٍ بلاستيكية، فنقومُ بجمعِها في أكياسٍ خاصة أثناء الاستراحة والمشيِ في المناطقِ المخصصة للسير وعدم إساءةِ استخدامِ مصادرِ المياه أو تلويثِها بمخلفاتٍ مثل البلاستيك أو قطفِ النباتاتِ البرية بطريقةٍ غيرِ سليمة".

وتتمتع فلسطين بموقعٍ جغرافي متميز باعتبارِها تقع بين القاراتِ الثلاث (أوروبا، وآسيا، وإفريقيا)، وهي منطقةُ  جذبٍ سياحيٍ ديني، وتاريخي، وتراثي، وثقافي وطبيعي، ويتواجد بها أقدمُ مدنٍ بالعالم عبر التاريخ كمدينةِ أريحا، وفيها مهدُ الحضاراتِ والأديان والثقافاتِ الإنسانية على حدٍ سواء، إضافةً إلى تنوعِ التضاريس الطبيعية من مناطقَ جبلية، وساحلية، وسهلية، وصحراوية، وغورية؛ جعلتْها تتمتع بمواردَ طبيعيةٍ كثيرةِ ومحمياتٍ خلابة، ومخلوقاتٍ نادرة حباها الخالقُ بهذه اللوحةِ الحيويةِ الرائعة.

وأدّى هذا التنوعُ البيئيُ والمناخي في فلسطين إلى وجود عشرات المسارات السياحية التي تنتشرُ في مختلفِ المناطق، وقد ازدادَ الإقبالُ في السنواتِ الأخيرة على سياحةِ مسارات المشي، لأسبابٍ عدة لعلَّ أهمُها:
1. انتشارُ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي وسهولةُ الترويجِ للمسارات ونشرُ الإعلاناتِ والصور.
2. زيادةُ وعيِ المجموعاتِ الشبابيةِ بأهميةِ المحافظة على الأرض في وجهِ التوسعِ الاستعماري الإسرائيلي.
3. إضافةً إلى الأسبابِ الترفيهية وللتعرفِ على المناطقِ والأرياف.
4. والبعضُ بات يعتمدُ على المسارات كنمطٍ اقتصاديٍ مربح.

أهميةُ وأهدافُ المساراتِ والتِجوالاتِ الشبابيةِ الفلسطينية

تعتبر مساراتُ المشيِ في الطبيعة فعلاً ثقافياً ومغامرة واكتشافاً للطبيعة والهُوية، وهي فعلٌ فرديٌ وجماعيٌ يجب أن يشاركَ فيه السياسيون والمثقفون والأكاديميون، وألّا يكون موسمياً، ومن الضروري تعزيزُ ثقافةِ المساراتِ البيئيةِ بالقراءةِ والاطلاعِ على التقاليدِ والأساطيرِ والثقافاتِ الفلسطينيةِ المحلية ببرنامجٍ فلسطيني بحتٍ يركزُ على الحياةِ والواقعِ الفلسطيني بكلِ تجلياتِه.
وتكمن أهميةُ وأهدافُ المساراتِ والتِجوالاتِ الشبابيةِ الفلسطينية في:

1- تسليطُ الضوءِ على التراثِ القديم للمناطقِ التي تمرُ بها المساراتُ الشبابيةُ والمحافظةُ عليها من خلال الترميم، ليتعرفَ عليها السائحُ والزائرُ المحليُ أولا، ويقدرَ قيمتَها وقيمةَ السياحةَ البديلة.
2- خلقُ تنميةٍ اقتصاديةٍ ريفيةٍ مستدامة من خلال بيوتِ الضيافة وتسويقِ المنتجاتِ الريفية.
3- إشاعةُ التفاهمِ والاحترام من خلال خلقِ صداقاتٍ بين أناسٍ من ثقافاتٍ مختلفة.
4- خلقُ جيلٍ شبابيٍ واعٍ يساعدُ في تحسينِ البيئةِ الفلسطينية.
5- تعزيزُ وتثبيتُ الروايةِ الفلسطينية في المساراتِ البيئية وعدمُ النقلِ عن المستشرقين أو غيرِهم.
6- نشرُ الوعيِ البيئي بين أفرادِ المجتمع وتغييرِ سلوكياتِ المجتمع لصالح السياحةِ البيئيةِ وتثقيفِهم وحثِهم على الحفاظ على المواقعِ الأثريةِ والمقاماتِ الدينية.
7- تأسيسُ نوادٍ بيئيةٍ شبابيةٍ للنهوضِ بالفكرِ البيئي، من خلال تنظيمِ رحلاتٍ في المساراتِ البيئية للتعرف على جماليةِ مناطقِنا البيئية والريفيةِ وتعزيزِالوعيِ البيئي للحفاظِ على البيئةِ وتشجيعِ التنميةِ الريفية.
8- تسهيلُ وتنشيطُ السياحةِ الريفيةِ إضافةً إلى تثبيتِ الوجودِ الفلسطيني في المنطقة في ظلِ التوسعِ الاستيطاني.
9- تعميقُ ارتباطِ الإنسانِ الفلسطيني بالأرض، واطلاعُه على التنوعِ الثقافي والإرثِ الحضاري في بلادِنا، وتشجيعُ السياحةِ الريفية من خلالِ نشرِ تقاريرَ عن القرى والأريافِ التي يتمُ زيارتُها، وإبرازُها إعلامياً ونشرُ صورٍ عنها، فالشبابُ الفلسطينيُ مازال يجهلُ وجودَ الكثيرِ من المناطقِ الريفية التي تزخرُ بأماكنَ تاريخيةٍ وأثريةٍ ومواقعَ طبيعية.
10- الحفاظُ على البيئة من خلال الحفاظِ على التنوعِ الحيوي في براري ومحميات وغابات فلسطين.
11- توعيةُ المجتمعِ المحلي بأهميةِ المقاماتِ الصوفية والدينية والأديِرَة والآثارِ الرومانية والخِرَب البيزنطية ومَعاصِرِ العنبِ القديمة والطبيعة الخلّابة في فلسطين وتوظيفِها في خدمةِ السياحةِ البيئية.
12- التِجوالُ والاستمتاعُ بالطبيعةِ الفلسطينية والمواقعِ التاريخية والأثرية والتعرف على القرى والبلدات، خاصةً المناطقِ المميزة والمهمَّشة.
13- تخفيفُ الضغطِ النفسي وكسرُ الروتين القاتل الناتج عن أعباءِ الحياة ومشاغلِها عبر مساراتِ المشي والتجوالات على الأقدام.
14- تنميةُ الأجيالِ الناشئة عبر تحسين مهاراتِ التواصل، وتطوير قدرةِ الشباب على التصويرِ واستكشافِ مناطقَ  جديدةٍ على الأرضِ الفلسطينية.
15- تعزيزُ قيمةِ العملِ التطوعي في نفوسِ الشباب.
16- الإسهامُ في نشرِ الوعيِ وتطويرِ الحركةِ الفوتوغرافية من خلال نشرِ ثقافةِ الصورة وتشجيعِ الهواة والمبتدئين على الاهتمام بالأبعادِ الجمالية للصورة وإتقانِ معاييرِها الصحيحة.

يقولُ رأفت جميل (أبو جميل) المديرُ التنفيذي لجمعيةِ الروزنا "إنَّ موضوعَ المساراتِ البيئية أصبح في تطورٍ ملحوظ خاصةً بالسنواتِ الأخيرة، سواء العفوية أو المنظَمَة، ولكّننا نحاول وضعَ أُسس ومعاييرَ  لهذه المسارات بالشراكة مع المؤسساتِ الرسمية ذاتِ الاختصاص أو مع مؤسساتٍ أهلية  أو مبادراتٍ فردية".

ويضيفُ أبو جميل:" إن جمعيةِ الروزنا عملت على تعزيز مفهومِ السياحة المجتمعية  كمظلةٍ للسياحةِ البيئية وذلك من خلال المشاركة مع مؤسساتِ المجتمعِ المحلي بهدفِ الاستدامة والديمومة،كما قامت الجمعيةُ بالتنسيق مع هيئاتِ الحكمِ المحلي على مستوى محافظاتٍ وبلداتٍ وقرى بهدفِ التعرف على مكوناتِ كلّ منطقة ومقوماتِها ودمجِها بالبرامجِ السياحية البيئية المجتمعية، سواءٌ كانت جمعياتٍ نسوية، أو مراكزَ شبابية، أو بيوتَ عائلاتٍ أو حتى مواهبَ فردية لاستقبال المجموعاتِ السياحية في بيوتها".

ويتابع: "قمنا في البداية بوضعِ موادَ تعليميةٍ لتدريبِها لأدلّاء سياحيين محليين بالشراكة مع جامعة بيتَ لحم (معهد الشراكة المجتمعي ) بواقع 140 ساعة، وتمَّ تدريبُ متدربين ومتدرباتٍ من مختلفِ محافظات الوطن، وهم الآن  يقودون  مجموعاتٍ محلية وأجنبية من خلال برنامج زيارات مقاصدَ سياحيةٍ أو من خلالِ المسير أو الإقامة".

وبهدف تعزيز دورِ المرأة الفلسطينية وتشجيعِها لعرضِ المنتجاتِ التراثية يقولُ أبو جميل: " إن جمعيةَ الروزنا  نفّذت عدةَ دورات استهدفت قطاعَ المرأة لتعليمهن على تصنيع المنتجِ الحِرَفي  والغذائي وتقديمِه للسائح أثناءَ زيارتِه لتلك المنطقة أو غيرِها،  وإعطائِهن الفرصةَ لتسويق هذا المنتج من خلال معارضَ وبازاراتٍ تنظمُها الجمعية ".

نشاطات السياحة البيئية في فلسطين
هناك عدةُ نشاطاتٍ استكشافية تندرجُ تحت السياحةِ البيئية وترتبطُ  بالمساراتِ الشبابية في فلسطين إضافةً إلى بعضِ الأنشطةِ الأخرى التي يمكنُ تحويلُها إلى أنشطةٍ بيئيةٍ رغمَ أنها لا تندرج تحت هذا التصنيف، ويمكن اعتبارُ النشاطاتِ التالية تعبيراً صريحاً عن

السياحةِ البيئية :
1- تسلقُ الجبال: ففي العالم اليوم آلافُ متسلقي الجبال المحترفين بالإضافة إلى مئاتِ آلافِ الهواة الذين جرّبوا خوضَ هذه المغامرة الشيّقة لاعتلاءِ إحدى القممِ الأشهر في العالم، ونذكرُ هنا فريقَ متسلقي فلسطين الذين خاضوا هذه التَجرِبَة (الصورة المرفقة في محمية عين فارة).
2- الرحلاتُ داخلَ المحميات: التي تعد رئةَ فلسطين، وتشملُ هذه الزيارات التمتعَ بالمناظرِ الطبيعيةِ الخلّابة ومراقبةَ الأنواعِ الفريدة من الكائناتِ الحية في تلك المحميات.
3- رحلاتُ مراقبةِ الحياةِ البرية: من طيورٍ ونباتاتٍ وحيواناتٍ مهددة بالانقراض، وتُنظمُ هذه الرحلات في الغالب، جمعياتُ الحياةِ البرية المتخصصة بحمايةِ الأنواعِ المهددة بالانقراض وزيادةِ الوعيِ البيئي بأهميةِ كلِّ نوعٍ من أنواعِ الكائناتِ الحية .
4- زيارةُ المواقعِ الأثرية والتراثية والدينية، مثل: المقاماتِ الإسلامية وأماكنِ التصوف والأديرَة البيزنطية والقلاعِ والحصونِ الرومانية والصليبية والقصورِ العثمانية.
5- المشيُ والغوصُ في جداولِ المياه المتدفقة حيثُ المتعةُ التي لا تقاوَم والسيرُ من أماكن ينابيعِ الأنهار والعيونِ والجداول مثل:  نهرِ العوجا وعين الفوار وعين فارة وعين سامية ووادي القِلط الشهير في أريحا.
6- إقامةُ المعسكـرات والرحلاتِ الصحراوية: كرحلاتِ السفاري والصحراء في بريةِ الخليل وبيت لحم والقدس وإطلالاتِ البحر الميت التي تهدفُ إلى الخروجِ إلى الطبيعة دون قيودٍ حضاريةٍ، وإقامةِ الحفلات القائمة على وسائلَ بدائيةٍ لتقديمِ تجرِبةِ صفاءٍ ذهني وروحي للشباب .
7- رحلاتُ تأملِ وتصويرِ الطبيعة: وذلك باستكشافِ كلِ ما فيها، من وديان وجبال، إذ تقومُ الجمعياتُ البيئية والمجموعاتُ الشبابية بتنظيمِ رحلاتٍ لهواةِ التصوير وذلك لمنحِهم فرصةً للاقترابِ من الطبيعة وتقديمِ أفضلِ الصورِ لها.
8- المشاركةُ في الفعالياتِ الدولية البيئية: أو تلك الفعالياتِ المحلية الخاصة ببلدٍ معين والتي تهدفُ إلى تسليطِ الضوء على بعض القضايا البيئية مثل المشاركة في يومِ الأرضِ العالمي أو يومِ البيئةِ العالمي أو في ساعةِ الأرض، أو في أيِ مسيرةٍ بيئيةٍ تهدفُ إلى مواجهةِ خطرٍ معين يحيقُ بنوعٍ من الأنواع أو بإحدى الغابات أو المحمياتِ الطبيعية أو غيرِها .

وكلُ تلك النشاطات ما هي إلا أمثلة على تنوعٍ المجالاتِ التي يمكنُ للشبابِ من خلالِها قضاءُ وقتٍ ممتعٍ والمساهمةُ بحمايةِ البيئة، ولم تعد جهودُ حمايةِ البيئة مقتصِرة على المناطقِ الطبيعية التي لم تصل إليها عجلةُ التطور الحضاري الإنساني، لكنّها تشملُ أيضاً المساهمةَ في الحدِّ من تلوثِ المناطق الملوَثة حالياً والعملِ على تخفيفه، وكلُ ذلك جعل من السياحةِ البيئيةِ واحدةً من أكثرِ أنواعِ السياحةٍ نمواً خلالَ السنواتِ الأخيرة .

والمتصفح لمواقعِ التواصل "الفيسبوك" هذه الأيام في فلسطين، لابدَّ أن يلاحظ حجمَ الانتشارِ الواسع لإعلاناتٍ عن مساراتٍ سياحيةٍ تنظمُها مجموعاتٌ شبابيةٌ أطلقت على نفسِها مسمياتٍ مختلفة، ومن هذه المجموعات  على سبيل المثال لا الحصر: تجوال سفر، إمشي واتعرف على بلدك، مسار، فرسان الأرض، رحال، الحق في الحركة، درب الزيتون، مسارات فلسطينية، تجوال وترحال، الملتقى الفلسطيني للتصوير والاستكشاف، مجموعة محميات، العيلة الفلسطينية احنا مشينا من بلد،  وجمعية الروزنا، عشاق الأرض، خطوات، ومشوار وغيرها من المجموعات والجمعياتِ التي  تَنْشَط في تنظيمِ المساراتِ السياحية .

وتضمُ هذه المجموعات عشراتِ الشبّان والفتيات، معظمُهم طلبة مدارس وجامعات، ومنهم موظفون وأساتذة، من شرائحَ مجتمعيةٍ مختلفة بمشاركة مختصين من الشباب في البيئةِ والحياةِ البرية. وعادةً ما يرافقُ هذه المسارات دليلٌ للمساراتِ السياحية، ومدرّبُ إسعافٍ أوليٍ برّي، ومدرّبُ قادةِ جبال، وينطلقون مرةً في الشهر على الأقل لاستكشافِ جمالِ الطبيعة والتعرفِ على مناطقَ جديدةٍ في فلسطين، وعادةً ما يتمُ اختيارُ أيامِ العطل والإجازات ليتسنى للمؤسساتِ والمدارس والجامعات مرافقتَهم في رحلةِ المسار، وهذا النوعُ من السياحةِ ليس له موسمٌ معين، ولكنَّ الفلسطينيين يفضلونَه مع بدايةِ فصلِ الربيع، حيثُ الطقسُ المعتدل والطبيعةُ الخلّابة، عندما تنمو الزهور والأعشاب.

يأتي المشاركون من مختلف مناطقِ الضفةِ الغربية والقدس والأراضي المحتلة، مما يخلِقُ نسيجاً اجتماعياً بين أهلِ هذه المناطق التي فكّكها وجود الاحتلال، إضافةً إلى تعزيزِ الوجودِ الفلسطيني في المناطقِ المحاطة بالمستوطنات.

وتتنوع برامجُ المسارات من فريقٍ إلى آخر ومن منطقةٍ إلى أخرى، لكنْ بشكلٍ عام هناك جدولٌ  متعارفٌ عليه عادةً يبدأ بمسارِ المشي، يتخللُ المسارَ جلسةٌ مع أهلِ المنطقة، ثم تناولُ وجباتِ الطعام الجماعية، وترديدُ الأغاني والأهازيجِ الفلسطينية، إضافة إلى فقرةٍ تراثيةٍ مصحوبةٍ بأغانٍ فلسطينية، ومن طقوسِ المسار طبخةُ المقلوبة الفلسطينية، وقلاية البندورة، وأكلةُ المفتول والمسخَّن وإعدادُ مشروبِ الشاي على الحطب، فدائماً ما يقومُ الشبّان المشاركون  بجمعِ الحطب وإشعالِ النار وصنعِ الشاي في أجواء من السعادة والسرور، ويسارعون لالتقاطِ الصورِ لأشجارِ الزيتون المعمِرة والطبيعة الخلّابة .

المعلمة والمصورة المحترفة ابتسام سليمان تتحدث عن تجرِبتِها في المساراتِ البيئية التي تشاركُ فيها كلَّ أسبوعٍ: " كلّما تجولتُ على هذه الأرض زادَ انتمائي وحبي لها، أستنشقٌ هواها واستكشفُ خباياها، بجباِلها وسهولِها وباديتِها والتعرف على زهورِها وتفاصيلِها المدهشة، وعدا عن كوني معلمة فإنني أحاول أن أنقلَ وطني بعيوني وبقلبي لطلبتي، فكنتُ أروي لهم بأولِ حِصَةٍ بعد كلِ تِجوالٍ تفاصيلَ المسار، وكنتُ أرى الدهشةَ بعيونِهم وكأنهم يتساءلون: هل حقاً هذا الجمال وهذا السحر بوطننا؟ كذلك احتضنتُ فلسطينَ بعدستي  ونقلتُها عبر صفحتي الخاصة والعامة (فلسطين بعيونٍ فلسطينية) إلى الفلسطيني في كل أنحاء العالم، وكنتُ أتلقّى رسائلَ من بعضهم، وعندما أقرؤُها كانت دموعي تسيلُ حزناً على من لم يرَوا وطنَهم".

وتضيفُ  ابتسام: "الجميلُ في هذه المسارات البيئية، أنها تطرحُ في ذهنِك سؤالاً محورِيًا: هل تعرف وطَنك حقا؟! ولكنك تكتشف أّنك لا تعرفُ منهُ إلا القليلَ القليل، لكنَّ عمليةَ إعادةِ استكشاف كلِ مكانٍ في فلسطين سواءٌ بجبالِها ووديانِها ومحمياتِها وأشجارِها البرية المتنوعة كالبطم والعرعر والسرّيس والغار والبلوط والسنديان والكثير من النباتاتِ العطرية والطبية وأزهارِها الرائعة بتفاصيلها تصيبُكَ بدهشة السؤال مرةً أخرى: هل حقاً هذه البقعةُ الجغرافية الصغيرة يوجدُ بها هذا الكمُ الهائلُ من التنوع الحيوي؟ فتعود للابتسام وتتذكر كلماتِ الشاعر محمود درويش حين قال: "على هذه الأرض ما يستحقُ الحياة".

وتمنح سياحةُ المسارات الزائرَ المزيدَ من المعرفة الثقافية الفلسطينية كالعادات والتقاليد والتراثِ الثقافي الفلسطيني، حيث تنتشرُ في بعض المسارات خيامٌ للسكنِ تُقدَّم فيها المأكولاتُ الشعبية، وكما يتمُ إشراكُ عنصرِ النساء في المنطقةِ الريفية لإعدادِ وجبةِ غذاءٍ فلسطينية تراثية.

وفي النهاية يُنفّذ فريقُ التجوال الشبابي عملاً تطوعيًّا "عونة" في البلدة قبل المغادرة مثل، زراعةِ أشجارٍ في الأراضي، بناءِ بيوتٍ من الطين، وبناءِ السلاسل ، تنظيفِ عيون ماء البلدة وشوارعِها،  مساعدةِ المزارعين في قطفِ الزيتون وخاصةً في القرى المهمَّشة والمهددَة بالاستيطان أو تلك القريبة من المستوطناتِ الصهيونية أو حسَب حاجة أهلِ البلدِ المستضيف.

الدكتور عماد دوَّاس المحاضِر في جامعةِ النجاحِ الوطنية والذي يعشقُ تصويرَ الحياةِ البرية ويشاركُ في مساراتٍ بيئيةٍ عديدة يقول: " انضممتُ في العام 2016 لمجموعةِ الملتقى الفلسطيني للتصويرِ والاستكشاف حيث يعمل الملتقى على تنظيمِ رحلاتٍ استكشافية لجميع أنحاءِ فلسطين وكذلك مسابقاتِ تصويرٍ أثناءَ وبعدَ رحلاتِ الاستكشاف، حيث ساهم الملتقى في تطوير فكرة تصوير الطبيعة وزيادة عدد المصورين في فلسطين، كما نظم الملتقى ثلاثةَ معارِضِ صورٍ شارك فيها عشراتُ المصورين وتمت برعايةٍ رسميةٍ من وزارة السياحة وسلطة جودةِ البيئة.

ويتابع دكتور دوّاس متحدّثاً عن إسهاماتِه في  تعزيز مفهومِ السياحة البيئية فيقول: " أعتقد أنَّ ما أقومُ به من تصويرٍ ونشرٍ للصور على مواقعِ التواصل الاجتماعي المختلفة لعِبَ دوراً في نشرِ المعرفة بين أصدقائي ومتابعي على وسائلِ التواصل، وإلى حدٍ ما زرعتُ فيهم الوعيَ بمكوناتِ الطبيعة الفلسطينية، وألمسُ ذلك من خلال التفاعل مع المحتوى الذي أقدمُه، وقد قام عددٌ من الإعلاميين المحليين والعرب بالتواصل معي وتسجيلِ لقاءاتٍ إذاعيةٍ وحلقاتٍ تلفزيونيةٍ حول البيئةِ والطبيعةِ والحياةِ البرية في فلسطين وما تواجهُه من مشاكلَ وتحديات".

وعن أكثرِ الأماكن التي يزورُها الدكتور دوّاس يقول:"بحكمِ أنني من طوباس يتركزُ تواجدي في مناطقَ غنيةٍ بالحياةِ البرية في شمالِ الضفةِ الغربية مثل: مرج ابن عامر، مرج صانور، الأغوار الشمالية، وادِ قانا ومنطقةِ الجفتلك والأغوارِ الوسطى. كما أقومُ بزياراتٍ محدودة لمنطقةِ البحرِ الميت ووادي القلط ومنطقة بريةِ القدس وعربِ الرشايدة. ويعدُ موسما الهجرةِ الخريفيةِ والربيعية من أهمِ مواسمِ التصوير في فلسطين نظراً لتواجدِ أعدادٍ كبيرةٍ من الطيورِ المهاجِرة والزائرة".

أماكن المسارات والتجوالات الشبابية
هناك بعضُ التجارِب الفردية والمؤسساتية في رسمِ وتحديدِ معالم المسارات البيئية في فلسطين لتسهلَ رحلةَ ومسيرَالشباب في فلسطين، حيث قام الفلسطينيّ محمّد أبو هشهش بإعدادِ دليلٍ مكتوبٍ حول المساراتِ البيئيّة في فلسطين تحت اسم "دليلُ المسارات المجرّب" ، وتضمّن معلوماتٍ موثّقة عن 114 مساراً، وهي مساراتٌ تتراوح في صعوبتِها وأخرى سهلة يُسمحُ بمشاركةِ كلِ الفئات فيها، في خطوةٍ تعدُ الأولى من نوعِها، في ظلّ انتشار السياحةِ البيئيّة بشكلٍ كبير في المناطقِ الطبيعيّةِ والتاريخيّة. ويعمل محمّد أبو هشهش (37 عاماً) منذ سنواتٍ دليلاً بيئيّاً وتاريخيّاً لعددٍ من هذه المسارات في الضفةِ الغربية، وهو ما جعله قادراً على إعدادِ هذا الدليل والذي من المقرّر الانتهاءُ منه قريباً .

كما أصدرَ موقعُ محميات فلسطين كتاباً بعنوان (فلسطين لوحةٌ فسيفسائية ملوَنة- دليلُ المسارات السياحية) جاء هذا الكتاب  في فصلين اثنين، يتحدثُ الأول عن فلسطين الطبيعة والأرض والإنسان. أما الثاني فيفرِدُ شرحاً عن 33 مساراً سياحياً تمرُ بالمحمياتِ المختلفة، وهي مناطقُ ذاتُ صفاتٍ طبيعيةٍ خاصة ومميزة، وبعضُها مساراتٌ صوفية، وأخرى عبر الأنويةِ التاريخية لقرى وأحياء في البلداتِ القديمة لنابلس والخليل والقدس، ويأتـي تأليـفُ ونشـرُ هـذا الكتـاب، فـي ظـلِ انتشـار العديـد مـن المجموعـاتِ الشـبابية الناشـطة فـي مجـال سـياحةِ  المســارات وانتشارِ العديد غيــرِ المنظَّمــة، ليكــونَ بمثابــةِ الدليــلِ الإرشادي لمســيّري المســارات، وبهدفِ تنظيمها بالشكلِ الصحيح مـن خـلالِ نظـرةٍ شـموليةٍ للتعريـف بالتـراثِ الطبيعـي، والثقافـي وإثراء المعرفةِ التاريخية والثقافية والطبيعية لدى المتجوّلين وربطِها بالتجمعاتِ السكنية القريبة منها.

وفيما يلي بعضُ المساراتِ البيئية  نذكرُ منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر:
مسار إبراهيم الخليل: يتتبعُ هذا المسار خطى النبي إبراهيم الخليل عليه السلام والذي مشاه منذُ أربعةِ آلاف سنة، وكانت أرضُ كنعانَ جزءًا من هذا المسار الذي انطلق من العراق إلى فلسطين، مرورًا بتركيا وسوريا والأردن ومصر والحجاز. ويهدِفُ المسار إلى اكتشاف الطبيعة، والاستمتاعِ بمجالِها الحيوي، والتعرفِ على الثقافةِ المحلية من خلال السير على خطى إبراهيم الخليل -عليه السلام- من قرية إلى أخرى، ويمكن توزيعُ المسار حسَب المحافظاتِ الفلسطينية على النحوِ التالي: مسارُ إبراهيم الخليل في محافظةِ جنين، محافظة نابلس، محافظة رام الله والبيرَة، محافظة أريحا والأغوار، محافظة بيتَ لحم، وانتهاءً بمحافظة الخليل.

مسارُ وادي قانا: ينطلقُ المسارُ من وسطِ بلدة ديرستيا حيثُ يتجولُ السائحُ في أرجاءِ البلدة القديمة التي تعودُ للعصرِ البيزنطي ومساحتُها 503 دونماً، ثم يتجهُ نحو مسارِ قانا برحلةٍ تستغرقُ قرابةَ ستِ ساعات.  ويبعُدُ وادي قانا عن الجهةِ الشمالية الغربية لبلدةِ ديرستيا حوالي 7 كم، ويُطلقُ عليه اسم "قانا" نسبةً إلى رجلٍ كنعانيٍ جاء مع عائلتِه وماشيتِه وخيولِه إلى الوادي.

مسارُ الخرق – المسعودية: ينطلقُ هذا المسار من خرق بلعا وهو نقطةُ التقاءِ ثلاثِ محافظات، وهي، نابلس، وجنين، وطولكرم. وهذا الخرق أو "النفق" حُفر في الفترةِ العثمانية بطولِ يصلُ إلى 400 متر.  وكان هذا البناء جزءًا من مشروعِ سكةِ الحديد في بدايةِ القرنِ العشرين، وهوعبارة عن خرق تمرُ فيه سكةُ الحديد، وعلى جانبيه يميناً وشمالاً، يوجدُ (وسعات) يمكنُ أن يتوقف بداخلِها أيُ شخص، إذا ما فاجأه القطارُ المارُ عبر النفق.  ويلتقي مسارُ الخرق مع منطقةِ المسعودية الواقعة بين( قريتي سبسطية وبُرقة).  وقد أصبح الخرق معْلمًا فنيًا أثريًا جذابًا، يتجلى فيه جمالُ البناء وروعة المنظر، وقد استخدَمت تركيا هذا المشروعُ في تسيير قوافلِ الحج ونقلِ البضائع والمسافرين.

ويعود تاريخُ منطقةِ المسعودية إلى عام 1908م؛ حيث تبرعت عائلةُ "آل مسعود" بقطعةِ أرضٍ تبلغُ مساحتُها 38 دونمًا إلى شركةِ الحجاز للسكك الحديدية؛ لإقامة محطةِ قطارٍ هناك، وهذا ما تمَّ بالفعل عام 1912م، وباتت المنطقةُ محطةً رئيسيةً للسككِ الحديدية الحجازية التي تربِطُ مدينةَ حيفا والأردن وبلاد الحجاز. وقد تحولت المنطقةُ بعد حربِ عام 1967م إلى ثكَنةٍ عسكرية لجيشِ الاحتلال لفترةٍ دامت 5 سنواتٍ لاحتلالِ السكةِ الحديدية وإخفاءِ معالمِ المنطقة، وما زالت المنطقةُ تقع تحت السيطرةِ الاحتلال الإسرائيلي.

مساراتٌ بيئيةٌ في سبسطية: بلدةُ سبسطية تتميزُ بتنوعِ المساراتِ السياحية التي يقصدُها الزائرون، ومنها ما يمرُ خلالَ البلدةِ القديمة. ويبدأُ المسار السياحيُ الرئيسي من الحافّةِ الشرقية للبلدةِ القديمة، حيث تمَّ اقتراحُ موقفٍ للحافلات والمركبات في منطقةٍ قريبة من نقطةِ انطلاقِ هذا المسار من داخلِ البلدةِ القديمة، عبر ممرٍ ضيقٍ يجذبُ الزوَّارَ إلى قلبِ البلدةِ القديمة، ويستطيعُ الزائرُ رؤيةَ ما نتج عن الترميم خلال المسار.  وعند الوصولِ إلى الساحةِ العامّة الرومانية، تبدأُ مساراتٌ أخرى داخل المواقعِ الأثرية التاريخية في البلدة، تعودُ إلى فتراتٍ من العصرِ الحجري والبيزنطي والروماني. وينتهي المسارُ في البوابةِ الغربية من جدارِ المدينةِ الرومانية. وتتصلُ المساراتُ السياحية عند نهايتِها بمسارٍ جديدٍ للمشيِ الطويل ومسارٍ للدراجات، يتجهان إلى محيطِ بلدةِ سبسطية.

مسار بتير- بيت جالا:  يبلغُ طولُ المسار 5 كيلو مترات، ويستغرقُ نحو 4 ساعات، ينطلقُ من شرقِ قريةِ بتير، وصولًا إلى منطقةِ المخرور في بَيت جالا، التي تشتهرُ بطبيعتِها الخلّابة، وإرثِها الطبيعي، وبمدرجاتِها المائية والزراعية الأثرية، وصولاً إلى سكةِ الحديد وتزخرُ بالتنوعِ الحيوي، لاحتوائِها على العديدِ من النباتات والحيواناتِ البرية، والآثارِ الرومانية، والمقابر، والقلاع، والكهوف، التي تعتبرُ من الكنوزِ الأثرية والتاريخية.

مسار وادي الطواحين: يهبطُ هذا المسار من قريةِ جمّالا إلى وادي جنتا، مرورًا بعدد من الينابيع الخلابة.  ويمكن للمار بهذا المسار الاستمتاعُ بمنظرِ طاحونة حبوبٍ قديمة كانت تعملُ بمياهِ النبع.

مسارُ محميةِ النبي غيث: يبدأُ من وسطِ قريةِ دير عمّار، وصولًا إلى مقامِ النبي غيث، الواقع على قمةِ الجبل الذي يحملُ اسمَه. يتوسط المقامَ أشجارُ الصنوبر الحرجية التي تزيِّنُ قمتَه مشكِّلَة لوحةً طبيعية.  ويطلُ المقامُ على ينابيع جنتا، ويمكنُ لمحبي رياضةِ المشي الهبوطَ للوادي في رحلةٍ ممتعة.

مسارُ ينابيع الأسيرة: يقعُ يسارِ الصاعد إلى قرية بيتللو؛ حيثُ يوجدُ مقامٌ إسلاميٌ قديمٌ سُمي بهذا الاسم؛ لأن امرأةً سُجنت فيه (حسب الرواية الشعبية). ويوجدُ حول المقامِ عددٌ من الينابيعِ الجميلة.

مسارُ النبي عنبر وينابيعِه: يبدأُ المسارُ من قريةِ دير عمار إلى مقامِ النبي عنبر، وهو مقامٌ إسلاميٌ قديمٌ فيه محرابان، يقعُ بمحاذاةِ مدينةٍ أثرية، ويمكن الدخولُ إلى سراديبِها.  وتحيطُ بالمقامِ أشجارُ بلوطٍ معمّرة.  وتمتدُ الرحلةُ إلى إحدى عشرةَ عينِ ماءٍ نقية، مصبّاتُها غايةٌ في الجمال.

مسار وادي الزرقا–جنتا:الذي يمتدُ من عين مكر السود مروراً بخربةِ الغزال إلى مدخل وادي الزرقاء المتفرع من مدخل بيتللو الشمالي. وتقع محميةُ الهاشمية في الجبلِ الشمالي المحاذي للمسار ويمتدُ كيلومترين ليصلَ إلى وادي جنتا ويزخرُ المسارُ بعشراتِ الينابيع والأحراش والأماكنِ الأثرية، ومسارِ النبي عنبر وفيه العديدُ من الآثارِ والينابيع ومسارِ النبي غيث ومسارِ الطواحين ومسارِ الأسيرة "

مسارُالرشايدة: وهو مسارٌ يبدأُ من منطقة عرب الرشايدة جنوبَ شرق بَيت لحم ويمتدُ عبر الجبال الصحراوية إلى مطلِ البحرِ الميت، وهو مسارٌ سهلٌ عائلي، مسافتُه نحو 9 كم.

مسارُ وادي الدرجة: يعتبر من أجملِ المسارات، ويبدأُ من منطقةِ جنوب شرق بَيتَ لحم وحتى البحرِ الميت، وهو من أصعبِ المسارات وأكثرِها خطورةً لما يحوي من صعودٍ وهبوطٍ في أوديةٍ وصخورٍ صعبة، وسباحةٍ داخلَ المياه، وتسلقٍ بالحبال، وتصلُ مسافةُ هذا المسار إلى 8 كم.

مسارُمحمية أم التوت وشقائقِ النعمان: الذي يبدأ بالقربِ من الجامعةِ العربية الأمريكية مروراً بمحميةِ أم التوت ومن ثم باتجاهِ غابةِ  أم النصر التي  تضمُ الأشجارَ الحرجية  والأماكنَ الأثرية، وحتى سهلِ مرجِ ابن عامر.

مسارُ برقين-عرابة: يبدأ هذا المسار من قريةِ برقين في محافظةِ جنين، ويمرُ بكنيسة برقين رابعِ أقدم كنيسة في العالم، مروراً بسهل مرج ابن عامر، وسهل صانور، وانتهاءً ببلدة عرابة، وهو مسارٌ متوسطُ الصعوبة على مسافةِ 15 كم، وهو جزءٌ من المسارِ الشهير "مسار إبراهيم الخليل".

مسارُ وادي القلط: وهو مسارٌ طويل، إلّا أن أجملَ مقطعٍ فيه يبدأُ من السفوحِ الشرقية لجبالِ القدس، وتحديداً عند عينِ الفوار مروراً في ثنايا الوادي، نزولاً برفقةِ المياه الجارية والطبيعةِ الخلابة والكهوفِ الأثرية في أعالي الجبال المجاوِرة حتى دير القلط الأثري، وهو مسارٌ متوسطٌ إلى صعب، ومسافتُه تصلُ إلى 18 كم.

مسارُ سوسنة فقوعة : يبدأُ هذا المسار من قريةِ جلبون في محافظةِ جنين، ويمرُ بأشجارِ الصبرِ المشهور، وحتى قريةِ فقوعة التي تضمُ السوسنة الشهيرة، والتي أصبحت الزهرةَ الوطنيةَ لفلسطين، وهو مسارٌ سهلٌ على مسافةِ 5 كم .

المعيقات والتحديات التي تواجهُ قطاعَ السياحةِ البيئية في الضفة والقطاع:
تشكل المساحاتُ البيضاء (المناطق المسماة ج) في المخططاتِ الهيكلية المُعدَّة للتجمعاتِ الفلسطينية مناطقَ انتهاءِ سيادةِ نظامِ التخطيطِ الفلسطيني، وحدَّاً لصلاحياتِ المخطِطين؛ لأنها تخضعُ للسيطرةِ الكامِلة لسلطاتِ الاحتلال الإسرائيلي.
هذه المساحاتُ البيضاء التي لا تحملُ معنىً أووظيفةً سوى عكسِ السيادة الجيوسياسية -كما تنصُ عليها الاتفاقياتُ الدولية-، تشكلُ فجوةً في تواصلِ الأراضي الفلسطينية المحتلة خرائطياً، وسدّا ذِهنياً يحصرُ طريقةَ تعاطي المخططين مع هذه المناطق، لافتقارِهم في بعضِ الأحيان لأدواتٍ تمكنُهم من فَهمِ العوائقِ الجيوسياسية وكيفيةِ انعكاسِها على أرضِ الواقع.

ويبقى السؤالُ ماثلاً للأذهان: ما الذي يمكن أن تقدمُه الخبراتُ والتجارِب العملية لمن يحتالُ على هذهِ العوائق أو يجتازُها على أرضِ الواقع، سواءٌ من خلال ممارسات السكن، أو الممارسات الاقتصادية، أو تجارِب المتجولين ومجموعاتِ استشكاف فلسطين؟
وبالرغمِ من أنَّ بروتوكولَ باريس الاقتصادي الذي أُبرم بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في العام 1994، تضمَّن فصلاً خاصاً عن السياحة، إلا أنَّ الاحتلالَ الإسرائيلي واصل وضعَ المعيقات، ولم يلتزم بتنفيذِ الاتفاقاتِ الخاصة بالسياحة، وهو ما شكَّل عقبةً رئيسيةً أمام تنشيطِ الحركةِ السياحية الفلسطينية.

تجدرُ الإشارة هنا إلى أنَّ هناك العديدَ من المعيقاتِ التي تواجهُ قطاعَ السياحة في فلسطين، وكثيرة هي العوامل التي ساهمت في انخفاضِ النشاطِ السياحي في فلسطين مقارنةً بباقي الدول، وذلك بسبب الاحتلالِ الاسرائيلي وإجراءاتِه التعسفية والمتعلِقة بمصادرةِ الأراضي، والجدارِ العازل، وعدمِ السماح باستغلالِ المناطقِ الفلسطينية "ج" سياحياً، والتحكم في النشاطِ السياحي داخلَ المدنِ الفلسطينية:

أولاً: معيقاتٌ يضعُها الاحتلالُ الإسرائيلي:
1. الحروبُ التي فرضها جشع ُدولةِ الاحتلال لخلقِ حقائقَ مستحدثة على الأرض في الأعوام 1948، و1956، و1967، و1973، و1982؛ والانتفاضة الأولى في العام 1987، وانتفاضة الأقصى،الأمر الذي شكّل عوائقَ حالت دون ازدهارِ هذه الصناعة، بل خلَّفت العديدَ من الآثارِ المدمَّرة والتي حدّت من قدومِ السياح إلى المنطقةِ عامة وفلسطين خاصة.
2. منذُ عام 1967، تعرّضت السياحة الفلسطينية إلى انتكاسة، وذلك باستيلاء قوات الاحتلالِ الإسرائيلي على المقدّرات السياحية الفلسطينية، وعملت على تبديلِ القوانين والنظمِ الأردنية والمصرية بأوامرَ عسكريةٍ لا تخدمُ سوى مصالحِها؛ ما أدى إلى ضمورِ القطاعِ السياحي وضعفِ الاستثمار فيه.
3. سيطرت سلطاتُ الاحتلال على الحدودِ والمعابر مع الدولِ المجاوِرة، وتحكّمت بشكلٍ مباشرٍ في عمليةِ الدخول والخروج من وإلى الأراضي الفلسطينية؛ الأمرَ الذي حالَ دون التدفقِ الحرّ للحركةِ السياحية نحو الأراضي الفلسطينية.
4. سرقت سلطاتُ الاحتلال الكثيرَ من الآثار والكنوزِ الفلسطينية، ونقلَتها إلى المناطقِ الفلسطينية المحتلة عام 1948.
5. عزَلت مدينةُ القدس، وحاصرت الشركاتِ الفلسطينية العامِلة في مجال السياحةِ فيها، من خلالِ سلسلةٍ من القراراتِ التي تحول دون قدرتِها على الصمودِ أمام الشركاتِ الإسرائيلية التي منحت كلَّ التسهيلات.
6. سعى الاحتلالُ الإسرائيلي دون إمكانيةِ استغلالِ الفلسطينيين لمقدّراتِهم السياحية، خاصةً في مدينةِ القدس وفي المناطقِ الخاضعة للسيطرةِ الأمنية الإسرائيلية.
7. دمّر الاحتلالُ الإسرائيلي العديدَ من الأماكنِ الأثرية الدينية والتاريخية.
8. بنت إسرائيل العديدَ من المستوطنات، وشقّت جدارَ الضم والتهجير، والطرقَ الالتفافية الاستيطانية، ما أدّى إلى تدميرِ العديد من المواقع والأماكنِ الأثرية والطبيعية.
9. نشرت الحواجزَ والبوّابات، وأغلقت وحاصرت المدن، وحالت دون التنقلِ الحر داخلَ الأراضي الفلسطينية. فالحواجزُ العسكرية الإسرائيلية المُقامة بين المحافظات، وعلى مداخلِ الريف، تقيدُ الحركةَ السياحية، ولا تشجعُ على القيامِ بمشاريعَ استثماريةٍ لها علاقة بالسياحةِ الريفية.
10. فرضت الشركاتُ السياحية الإسرائيلية شروطًا على المجموعاتِ السياحية القادمة من مختلف بقاعِ العالم لزيارةِ الأراضي المقدسة، ومن ضمنِها الإقامة في فنادقَ إسرائيلية؛ ما ألحقَ خسائرَ فادحةً بقطاعِ الخدماتِ السياحية في فلسطين.
11. سيطرةُ الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، وخاصةً المناطقِ المصنّفة حسب "اتفاق أوسلو"(ج)؛ ما يعيقُ الاستثمارَ في القطاعِ السياحي بشكلٍ عام، والريفي بشكلٍ خاص.
12. كما أن مخاطرَ الاستيطان وقرصنةَ الاحتلال على غالبيةِ المناطقِ المتميزة التي يمكنُ الاستمتاعُ بجمالِها تشكّلُ تحدياً يقفُ أمام هذه التِجوالات والمساراتِ الشبابية، إضافةً إلى انتشارِ المستوطنات، وإرهابِ المستوطنين الذي يقيدُ الحركةَ السياحية.
13. الدعايةُ الإسرائيليةُ المضادة للسياحةِ الفلسطينية، والتي تقومُ على تسريبِ معلوماتٍ مُضلَلَة للسياح منذ دخولِهم نقاطَ العبورِ الإسرائيلية، من خلالِ تخويفِهم وتحذيرِهم من دخولِ الأراضي الفلسطينة.

ثانياً: المعيقـــاتُ الذاتية التي تتعلق بالفلسطينيين:
1. ضعفُ الاستثمارِ السياحي المحلي والأجنبي في المنشآت السياحية والخدماتِ الداعمة لها، ما يؤثر على جودةِ المُنتجِ السياحي.
2. ضعفُ البنى التحتية في المناطقِ الغنية بالأماكنِ السياحية، ما يؤدي إلى قِصر إقامةِ السائح في الأراضي الفلسطينية.
3. عدمُ القدرة على منافسةِ الشركات السياحية الإسرائيلية.
4. النقصُ في القدرات والخبراتِ السياحية المؤهِلة.
5. ضعفُ التسويقِ الخارجي للسياحةِ الفلسطينية.
6. غيابُ الوعي بأهميةِ السياحة عند المستثمرين والمواطنين.
7. غيابُ الوعيِ المجتمعي بأهميةِ السياحةِ البيئية اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وجهلُ المواطنِ الفلسطيني بالكثير من المواقعِ السياحية، وخاصةً البيئيةَ منها.
8. محدوديةُ الدعمِ المؤسساتي للمشاريعِ المتعلِقة بالسياحةِ البيئة.
9. غيابُ البنيةِ التحتية في الأماكنِ السياحيةِ البيئية، وخاصةً في الجوانبِ الخدَماتية، كما أنَّ المساراتِ البيئية تعاني وبشدَّة من قلةِ المرافِق العامة.
10. عدمُ وجودِ الخبرةِ الكافية لدى بعضِ فرقِ التِجوال الجديدة، وافتقارُ معظمِ الفرق الشبابية للمعدَّاتِ الطبية ومستلزماتِ الإسعاف والطوارئ، ونقصُ عددِ المرشدين الذين يمتلكون المهارةَ الكافية .
والنتيجةُ أنَّ مساهمةَ القطاعِ السياحي الفلسطيني لم تتجاوز في الناتجِ الإجمالي أكثرَ من 4% في الوقتِ الذي تتجاوز مساهمةُ هذا القطاع أضعافَ هذه النسبة في العديدِ من الدولِ المجاورِة، إضافةً إلى ضعفِ القدرةِ التشغيلية لقطاعِ السياحة، فلا تزيدُ مساهمتُه في التوظيف الكلي عن 2%، وبهذا تتدنى إنتاجيةُ القطاعِ السياحي إذا ما قورنَ بقطاعاتٍ اقتصادية أخرى. والمطلوبُ أنْ تتعاون الجهاتُ المسئولة كلٌ من موقعِه للبَدءِ بعملِ خطةٍ وطنيةٍ لتشجيعِ السياحةِ البيئية، وإشراكُ المجتمع المحلي في هذه العملية يعدُ أولويةً وقاعدةً رئيسيةً لضمانِ النجاح لأيِ خططٍ مستقبلية، ولا معنى لعملياتِ التخطيط التي تكونُ في المكاتب إذا كانت بمعزلٍ عن المجتمعِ المحلي، الذي يشكّلُ الحاضنةَ الأولى لكلِ عملٍ ناجح؛ وذلك حتى لا تكونَ المناطقُ الريفية عالةً على الاقتصادِ الوطني وإنّما رافدًا رئيساً من روافدِ الاقتصاد.

توصياتٌ لتطويرِ السياحةِ البيئية في فلسطين :
إنَّ صناعةَ السياحة في فلسطين يمكن أن تزدهرَ في ظلِّ كنْسِ الإحتلال والتحرر من قيودِه وإقامةِ الدولةِ الفلسطينية السيادية المستقلة، وما يرافقُ ويتبعُ ذلك من رفعٍ للقيودِ على السفر والحركةِ والتنقل، وتطويرِ البنيةِ التحتية السياحية، ونشرِ الأمنِ والطمأنينة:
 الاستمرارُ في تشكيلِ مجموعاتٍ شبابيةٍ فاعلة تعشقُ البيئة وتعملُ من أجلِ الحفاظِ عليها.
  العملُ على تطويرِ عناصرِ الجذبِ السياحي سواء المصادرِ الطبيعية أو المصادرِ الثقافية والتاريخية والأثرية.
 توفيرُ الخدمات للسياح الوافدين للمنطقة مثلَ فنادق ومطاعمَ ودورِ ضيافة، إضافةً إلى تعزيزِ مراكزِ بيعِ الحرفِ اليدوية.
 تطويرُ البنيةِ التحتية ووسائلِ المواصلات لتسهيلِ تنقلِ السياح، وتوفيرِ مراكزَ معلوماتٍ ووكالاتٍ سياحية.
 تطويرُ المواردِ البشرية من خلالِ تدريبِ الموظفين القائمين على المجالاتِ السياحية إضافةً إلى إعطائِهم دوراتٍ في اللغاتِ الأجنبية لتسهيلِ عمليةِ التواصل مع السياح.
 إعادةُ استعمالِ المباني الأثرية القديمة من خلال ترميمِها واستخدامِها كمطاعمَ أو متاحفَ أو معارضَ أو دورِ ضيافة وغيرِها من المرافقِ السياحيةِ الضرورية، وتسويقِ المأكولاتِ الشعبية في هذه المعارض، وإقامةِ مهرجاناتِ التسوق والمعارضِ السنوية.
 إحياءُ المناسباتِ الوطنية، والمهرجاناتُ الثقافية والفلكلورُ والدبكةُ الشعبيةُ في مواسمِ الحصاد للمحاصيل وقطفِ الزيتون.
 تحفيزُ القطاعِ الخاص لزيادةِ مساهمتِه في الاستثمارِ السياحي في المرافق السياحية وإعادةِ تأهيلِ وترميمِ العديد من مواقعِ الثراءِ السياحي.
 توفيرُ تمويلٍ لمشاريعِ الاستثمارِ السياحي البيئي، وتقديمُ الإعفاءاتِ الضريبية لتحفيزِ المشاريعِ السياحية البيئية.
 تطويرُ التسويقِ السياحي الخارجي من خلالِ المشاركة في المعارضِ السياحيةِ الدولية والتعاقدِ مع الشركاتِ السياحية الكبرى، وذلك لجعلِ القرى الفلسطينية وجهةً أساسيةً للسياح، وبالتالي زيادةُ العائدِ الاقتصادي من خلالِ إطالةِ إقامةِ السياح في المناطقِ الفلسطينية.
 تأهيلُ وزيادةُ عددِ الكوادرِ السياحية من خلال تخصيصِ مجالاتٍ أكثرَ للتدريبِ والتعليمِ على إدارةِ السياحة.
 يجب وضعُ معاييرَ محددةٍ لتنظيمِ وتخطيطِ المساراتِ البيئية في فلسطين،  التي لا زالت مبعثرة وغير منظمة،  والعملُ  على وضعِ دليل شامل للمسارات الطبيعية،  بحيث يُشترط في المسار أن يحتوي على مقوماتِ الجذبِ السياحي، وأن يكونَ قريباً من التجمعاتِ السكنية بما يخدمُ مفهومَ التنميةِ المستدامة، وأن يقومَ على إشراكِ المجتمعِ المحلي في إدارةِ السياحةِ الداخلية، وأن يتوفرَ في المسار التنوعُ البيئي.
 إقامةُ مهرجاناتٍ ثقافيةٍ وموسيقيةٍ محليةٍ ودولية في مختلفِ المناطق الفلسطينية، من خلال ربطِ السياحةِ بالهُويةِ الثقافية الفلسطينية، كمهرجاناتِ التينِ والمشمش والفقوس والباذنجان وغيرِها من المهرجانات.
 توسيعُ النشاطاتِ السياحية لتضمَ مختلفَ أنواعِ السياحةِ الدينية والبيئية والترفيهية والعلاجية، حيث تحتوي فلسطينُ على مواقعَ أثريةٍ وطبيعيةٍ ودينية.
 تحديثُ الأنظمة واللوائح والتشريعات، وفرضُ الرقابة على القطاعاتِ السياحية، والغرامات على من يخالفُ ويلحقُ الضررَ بالمواقعِ السياحيةِ والطبيعية.

 

خاص بافاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير