نُصدّق "المصالحة" هذه المرّة، ليس لأنها حدثتْ، بل لأننا محكومون بالأمل!

02.07.2020 07:24 PM

كتب: رئيس التحرير

مرّ يوم أمس، 1 يوليو، الموعد المعلن لبدء مخططات الضم، مروراً رمزياً من قبل الفصائل، واكتفت القوى الفلسطينية بخطوات رمزية، بإطلاق تهديدات وتصريحات ضد الضم، لكنهم لم يدفعوا الجماهير إلى الحدود وإلى مواجهات مباشرة مع الاحتلال...

واليوم (2 يوليو)، دخل طرفا الانقسام في خطوة للمصالحة، بعقد مؤتمر مرئي بين بيروت ورام الله، تحدث خلاله كلاً من أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، وأعلانا خلاله عن الاتفاق بين الحركتين على العمل سوية ومعاً من أجل مواجهة صفقة القرن ومخطط الضم ميدانيا وسياسيا. الطرفان تحدثا عن أن الانقسام بات من الماضي، وأكدا على الانسجام مع بعضهما بنسبة (100%)، حتى أن العاروري قال إنه اقترح أن يصاغ بيان موحد يلقيه الرجوب أمام وسائل الإعلام، للتأكيد على صدق النوايا والموقف الموحد بين الطرفين في المواجهة مع الاحتلال. أما الرجوب فقال للشعب "ثقوا بنا، وهالمرة صدقونا".

بعد 13 عاماً، يريد الفلسطيني فعلاً أن يصدّق ويثق، بأن هذا المؤتمر لن يكون رمزياً، مثل ردّة الفعل يوم أمس على إعلان الضم، أو عند إعلان القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، وأن يتم تطبيق كل ما ورد فيه على أرض الواقع، خاصة ما بشّر به الرجوب "اليوم نريد أن نخرج بصوت واحد وتحت علمٍ واحد".

والمعيار الحقيقي على الوحدة، أن يتم تطبيقها واقعاً، سواء تم الضم في زمن ترامب، أو أُلغي بسبب الموقف الدولي منه، حتى لا يكون المؤتمر مجرّد ردة فعل على مخططات الضم، لأن ما تمر به الأراضي الفلسطينية هو ضم بالقطعة، تنفذّه دولة الاحتلال يومياً من دون إعلان أو تهديدات.

فالخروج من مرحلة الانقسام، يكون أولاً بالخلاص منه، وتفكيك أسبابه، التي أهمها، أنه مطلب إسرائيلي بحت، تم دعمه باعتراف نتنياهو شخصياً العام الماضي: "نرسل الأموال لغزة للحفاظ على الانقسام بين فتح وحماس". وإذا ما بنينا اعتراف نتنياهو، على الإجراءات التي تنفذها إسرائيل لتعزيزه، نعلم أنه كنزها الاستراتيجي.

الفهم بأنّ الانقسام مطلب إسرائيلي بحت لتصفية القضية، يجب أن تكون نقطة البداية لإفشال هذا الهدف، لا بالتعامل مع إنهائه كورقة تكتيكيّة، ولا لتوصيل "رسائل" معيّنة للعدو لإحباط الضم، لأن الانقسام سبق الضم، وعملية الضم وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، والإحباط الشعبي من العملية السياسية بأكملها، كله نتيجة لذلك الانقسام، وليس العكس.

فتوظيف المصالحة بشكل رمزي لأهداف سياسية، يذكرّنا بالعديد من المحاولات الفاشلة لإنهائه، من اتفاق مكّة، إلى اتفاق الشاطىء والقاهرة، صدّقناها كلها، قبل أن نصطدم بالواقع... كأننا محكومون بالمؤبد على جريمة ظلّ الشعب ضحيتها الوحيدة.

ولأن الكلام هو المرحلة الأسهل بعد أي انقسام تجاوز عقد من الزمن، الجارتان العدوتان كوريا الشمالة والجنوبية، تحدثتا طويلاً عن الوحدة، مع فارق تشبيه حالتنا بدولة نووية وأخرى متقدمة، وفي نهاية الأمر، تم الشهر الماضي نسف مركز الاتصال على حدود البلدين، بتفجير وصفته وسائل إعلام كورية شمالية "بـ"الرائع"، بعد أن أصبحت اللغة عبئاً.

الحديث عن المصالحة بمؤتمر رمزي بين طرفين، قبل تفكيك أسباب الانقسام ونتائجه، وما صنعه من انقسام طبقي ولوبيات مصالح تستفيد منه، وثقافته التي باتت راسخة، يذكرنا بتقسيم باكستان، إلى غربية وشرقية، قبل أن تقوم الأخيرة بتغيير اسمها عام 1972 إلى ببنغلاديش، في انقسام نضجت أسبابه وعوامله، وصارت جزءاً من هوية كل بلد، ولهما اليوم سيادة مستقلّة، واليوم، يلتقي وزيرا خارجية البلدين كأي وزيري خارجية في العالم، وأصبح الحديث عن إعادة الوحدة، بمثابة التعدّي عن استقلال كل بلد فيهما!

ونحن اليوم، نسلك أقرب الطرق لمثل هكذا استقلال، مع الاعتذار لباكستان ولبنغلاديش، لأنهما دولتان ذات سيادة، إنما طريقنا نحن فأقرب إلى إمارة حماس ستان، ودولة فتح ستان، يرفرف فوقهما علم الاحتلال، ورصاصاتنا الأخيرة، هي مجرد حديث عن الوحدة وإنهاء الانقسام، وحديث جانبي عن إنهاء الاحتلال لن يأخذه العالم على محمل الجد.

فالاكتفاء بالحديث عن المصالحة، يعني أننا سنصدّقه هذه المرّة، ليس لأن المصالحة حدثت بالفعل، بل لأننا محكومون بالأمل!

 

تصميم وتطوير