المناضلة "أم جبر وشاح" والحقيقة الغائبة

23.06.2020 12:54 PM

كتب: علي اليافاوي

بعد انقشاع الضباب، ومضي أيام على حادثة مخيم البريج، التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وما حام حولها من إشاعات وأقاويل، حول الاعتداء على أم جبر وشاح، من قبل أجهزة الأمن التابعة لحركة حماس، بدأت الحقيقة تتضح.

وتبيّن أن مزاعم الاعتداء على أم جبر وشاح، الخميس الماضي، كانت في جزء منها وليدة كتابات سُطّرتْ على منصات الواقع الافتراضي، وانفعال مردّه حرص الناس أولاً على أن لا تمُس والدة الأسرى بأذى، على يد أي من كان، وألّا تتعرض لإهانة... انفعال مردّه مرتبط بالذاكرة النضالية للفلسطينيين، التي تمثل أم جبر إحدى رموزها، فلم يتصوّروا أن يتم الاعتداء على نموذج نضالي، مثل الحاجة أم جبر، والدة الأسرى الفلسطينيين والعرب منهم الشهيد سمير القنطار وآخرين، فتفاعلوا مع الخبر، وتناقلوه قبل أن يتحققوا من صحته.

ولكن سوء النية كان حاضراً، ومدعوم بانقسام فلسطيني، حوّل المتعصبين له إلى متصيّدين للأخطاء ومضخمين لها، فيما كانت الضحية هي الحقيقة، التي غابت وسط الحشد المتصيّد، وضحاياهم من الذين دفعتهم العاطفة للدفاع عن والدة الأسرى من دون تحقق. مع ضرورة عدم تجاهل خطأ أمن حماس في غزة، عندما استحضرت قواتها لتنفذ عملية هدم للتعديات، ما شكّل استفزازاً لعائلة وشاح وأهالي مخيم البريج، الذين تصدوا لعملية الهدم، مطالبين البدء بإزالة تعديات أخرى لمقربين من حماس لم تجرِ إزالتها.

الأمر الذي أكده الأسير المحرر جبر وشاح وشقيقه بسام وشاح، لـ"الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان"، وأفادا بعدم الاعتداء على والدتهما، ولكنهما استهجنا طريقة تعامل أمن حماس مع المتجمهرين، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف الأمن والمواطنين، تبعه قيام الشرطة بتوقيف عدد من الأشخاص، بينهم الصحفيين توفيق أبو جراد، ومراسل إذاعة "صوت الشعب" في غزة الصحفي محمود اللوح، الذي تدخلت الهيئة وتواصلت مع داخلية حماس وتم الإفراج عنه بعد ثلاث ساعات من احتجازه لدى المباحث.

وكشفت الهيئة أن أفراداً من أمن حماس حضروا إلى بيته، وأن احتجازه تم دون إبراز مذكرة قبض صادرة عن النيابة العامة.

اتضاح الصورة، ولو متأخراً، نتيجة تأخر رواية أبناء الحاجة أم جبر، وكمية الضخ التحريضي، وعدم ثقة المتابعين برواية داخلية غزة، أدى لغياب الحقيقة، واتهامات بدأت تُرمى في كافة الاتجاهات بحسب أهواء المحرّضين، الذين زاودوا على الدور العقلاني والموضوعي للجبهة الشعبية، التي لم تتورّط في تأكيد الإشاعة، وتروّت في توجيه الاتهام للأمن بالاعتداء على المناضلة أم جبر وشاح، ما قلل من جنوح ردة الفعل الجماهيرية في لحظات الذروة والاستقطاب.

فالاحتقان وبقاء الانقسام أدى لوجود بيئة فلسطينية خصبة للتحريض والتضليل، ولكن طريقة تعامل القوى الأمنية الحمساوية في غزة، بهذه الطريقة، أدى هو الآخر لإيجاد الأرضية لتلك السلبيات. لأن الفلسطيني يظل حساساً تجاه عمليات الهدم بشكل عام، لأنها تذكرّه بانتهاكات الاحتلال وجرّافته، التي لا تغيب عن نشرات الأخبار. فداخلية حماس بالغت بالحشد الأمني، ووفق ما أفاد شهود عيان للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "فقد توجهت قوة من الشرطة برفقتها جرافة إلى مخيم البريج بلوك 3، ثم توقفّت عملية الهدم، لطلب إصدار شروحات لتفسير بعض الغموض الواردة في قرار الحكم"!

وفي يوم الحادثة، الخميس، توجهت قوة أخرى من الأمن الحمساوي ومعها جرافة إلى نفس المكان المذكور، فتصدى للقوة أفراد من عائلة وشاح يساندهم أهالي المخيم، بالوقوف والجلوس أرضاً أمام  قوات الأمن، فحدثت مشاحنات وتدافع بينهم وبين أفراد الأمن، في محاولة للتصدي لعملية هدم الغرفة.

ووقعت إصابات في صفوف الطرفين، وبحسب تقرير الهيئة المستقلة؛ بعد إلقاء الحجارة تجاه الأمن، وقيام أمن حماس باستخدام العصي وإطلاق النار بالهواء لتفريق المعتصمين. وهذا الخلل هو الذي أدى لحالة الاحتقان وأشاع الضباب حول الحادثة، وغطى على الحقيقة.

ولكن تقرير الهيئة كشف حقائق أخرى غائبة، لم تُشر إليها وسائل الإعلام، مثل إصابة مدير مركز أمني بحجر في الرأس، وأصيب أيضاً أحد عناصر الأمن بجرح قطعي في اليد بأداة حادة تلقى على إثرها العلاج في المستشفى.

ولكن الهيئة دعت حماس إلى عدم التعامل بردود الأفعال وضبط النفس والتحقق من مدى ملاءمة الظروف والوقت لتنفيذ "الحكم القضائي" كما ذكرت في تقريرها، كما أكدت "ضرورة احترام الأجهزة الأمنية حرية العمل الصحافي، وعدم احتجاز أي صحفي على خلفية عمله الصحافي".

فعدم صحة الادعاء بتعرّض المناضلة أم جبر لاعتداء، والذي كشفته الهيئة المستقلة مشكورة في تقرير لها، بتوضيحها لحقائق كانت غائبة، لا يبرر موقف داخلية حماس، التي تعاملت بأسلوب الاقتحام، وتفريق المعتصمين بالقوة، ما أفقدها ثقة الجماهير، الذين عقدوا مقارنات بين الحدث وأحداث أخرى عانى منها الفلسطينيون تحت الاحتلال. قد تكون المقارنة غير محببة، وغير واقعية، ولكن ما حدث في قضيّة المناضلة أم جبر، يستدعي الاستفادة منه؛ بطريقة تعامل أمن حماس مع المتجمهرين، وفي تعامل الصحافة وانجرارها وراء وسائل التواصل ونقل الأحداث من دون مصدر.

وبناءً على ما سبق من سرد للوقائع، طالبت الهيئة، في نهاية تقريرها "بتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث وتقييم ما تم من تدخلات وأخذ العبر بما يحقق سلامة أفراد الأمن والمواطنين في أحداث مشابهة، واتخاذ المقتضى القانوني في حال تم تجاوز القانون أو التعليمات".

 

 

تصميم وتطوير