توليد الكهرباء من النفايات في غزة بين الحلم والحقيقة

11.03.2017 09:49 AM

غزة- وطن- تقرير: ماجدة البلبيسي

انفرجت أساريرها، وغمرت ملامحها السعادة، حينما تناهى لسمع ( أم فارس) مشاريع لتوليد الطاقة من النفايات الصلبة، والتي من شأنها أن تخفف من أزمة الكهرباء، وتطيل الساعات المتواصلة، بحيث تمكّنها من توزيع المهام المنزلية دون ضغط وتعب.
تقول:" أزمة الكهرباء أحالت حياتي إلى جحيم، خاصة وأن وضعي الاقتصادي لا يسمح باقتناء مولد كهرباء، ولا توجد لدّات كبديل لها، هذا أثّر على بصري وبصر أبنائي، الذين اصبحوا بحاجة لنظارات طبية، نتيجة دراستهم وعمل واجباتهم المدرسية في معظم الاحيان على الشموع أو ضوء الكشّاف".

انطلقت فكرة توليد الكهرباء من النفايات الصلبة منذ ستة أشهر من المواطن وليد القدوة الحامل لدرجة الدكتوراه في علم النفس، كخطوة للتخفيف من أزمة الكهرباء التي يعاني منها قطاع غزة منذ سنوات عدة، وبمثابة حلم مشروع في ظل بقعة اشتدت بها الازمات التي استوجبت التفكير خارج الصندوق بإيجاد حلول بديلة وذات ديمومة.

القدوة وفي حديث لمجلة "آفاق"  يُبرر هذه الفكرة التي لاقت القُبول والدعم من قبل شركة ألمانية، تدعى (بلاي فينزتيرم) لتطوير معامل معالجة وتوليد الطاقة بأفضل شروط حماية البيئة.

يقول:" تواصلت مع هذه الشركة منذ عدة أشهر بعد ان أكدوا لي أن لديهم المقدرة على تدشين محطة توليد الطاقة الكهربائية باستخدام النفايات الصلبة بقوة (80 ) ميجاواط، والدليل على جديتهم انهم طلبوا مني مواصفات محطة صغيرة الحجم تنتج 2.5% ميجا واط".

المحطة لها مواصفات حيث من المتُوقع أن تعالج يومياً (48) ميجاواط كهرباء بالساعة، وتحتاج في العمل إلى (25) كليو واط /ساعة والى (16) لتر مازوت/ الساعة أيضا، عدا عن أن طول الماكينة (20 متراً) وعرضها (5 امتار) وارتفاعها (2.5) متراً، وتزن مع المولد والفلاتر( 40 طناً)، وتحتاج لـ (8) عمّال في كل وردية عمل، وعمرها 25 عاما.

كما تبلغ طاقة إنتاج مولد الكهرباء (2500 ) كيلو واط /ساعة أي أكثر من20,000 ميجاواط في العام.
ويشير القدوة أن الشركة لديها مرونة وجميع الامكانيات لإيصال كل مستلزمات تدشين المحطة، وهي أقل تكلفة ممكنة للغاز والزيوت اثناء التشغيل، وتتميز بضوضاء خفيفة، ونواتج غاز عادم اقل من (50%) من المسموح دولياً، كما تتضمن معالجة محلية للمخلفات، ولا تحتاج للنقل لمسافات بعيدة، وتولد طاقة كهربائية وحرارية لاستخدامها أثناء العمل، كما ستوفر إضاءة للمناطق المجاورة.
وطرح القدوة هذه الفكرة على القطاع الخاص ورحبوا بدعمها، بشرط تقديم كافة التسهيلات لهم، موضحًا أن المشروع هو خاص، ولكن من شأنه أن يعطى خدمة للمواطن بأسعار رمزية وطوال الساعة.

المشروع وفق التقديرات الأولية يحتاج لتكلفة مالية من (10-15 ) ألف دولار، ونجاح الفكرة سيمكّن من إقامة محطة توليد في كل محافظة من محافظات القطاع، ومن شأن هذه المحطة أن تقضي على ثقافة عدم سداد قيمة فاتورة الكهرباء في القطاع، لأنها تتبع لنظام الخصخصة.

ويأمل القدوة أن تلقى هذه الفكرة الدعم والموافقة من قبل المجلس التشريعي، بعد ان وضعها في أروقته لتسهيل عمل المحطة وادخال كل ما يلزم من معدات، ومن جانب آخر التخفيف من ازمة الكهرباء وليس ايجاد حل جذري لها، وفي ذات الوقت التخلص بشكل آمن واقتصادي من النفايات الصلبة.

مدير عام الصحة البيئية المهندس عبد الرحيم أبو القمبز أوضح أن قطاع غزة ينتج حوالي 1700 طن يوميا من النفايات منهم (1000) من محافظتي غزة والشمال، والباقي من محافظات الجنوب، منوهاً أن هناك فريق من الباحثين والخبراء الدوليين، يقوم بعمل دراسة شاملة لمكبات النفايات وكمياتها والطرق المثلى للاستفادة والتخلص منها، وهذه الدراسة قصيرة الأجل وتمتد بين أعوام (2012-2018) لإعادة تأهيل المكبات القائمة.

وجرى إعادة تأهيل المكب الرئيس والأكبر في منطقة حجر الديك جنوب شرق مدينة غزة من قبل خبراء من الدول المانحة وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي، الوكالة الفرنسية للتنمية، وآخرين، وأوصت الدراسة باستخدام طريقة الطمر الصحي كونها الأقل تكلفة، في المنطقة والاستفادة بقدر الإمكان من فرز النفايات.

ليس له جدوى

أما فيما يتعلق بجمع الغاز الحيوي من النفايات أصرت بلدية غزة وفق قول أبو القمبز على إيجاد آلية لجمع الغاز والاستفادة منه، إلا أن الخبراء كان لهم رأيٌ آخر، وهو أن كمية الغاز الناتج عن المكبات القديمة ليس له جدوى كبيرة، في ظل الحاجة الى تأهيل المكبات القائمة على المدى البعيد.

ويشير أبو القمبز في ذات السياق، انه من ضمن التوصيات التي خرجت بها الدراسة، هي أن يتم جمع الغاز الحيوي والاستفادة منه بعد تنقيته مباشرة أو عملية حرقه بأنظمة محددة لتحويله لطاقة كهربائية.
وحول موقف البلدية من الأفكار المطروحة لإيجاد حلول بديلة وصديقة للبيئة من قبل باحثين ومفكرين، أشار إلى أن البلدية تُرحّب وتُشجع الأبحاث والدراسات على المستويين المحلي والدولي، مبدياً جاهزية البلدية لمناقشة أية أفكار تستند على دراسات علمية وذات جدوى اقتصادية في مجال الاستفادة من النفايات العضوية".

الخبير في الطاقة المهندس عوني نعيم، اعتبر أن هذه الأفكار سبق وأن طُرحت في قطاع غزة قبل خمسة عشر عاماً، وبعد الدراسة تبين أن العرض غير مجدٍ، وقبل خمس سنوات تقدم ( موظف في بلدية غزة ) لسلطة الطاقة بمشروع حرق النفايات لتوليد الطاقة وبدعم تركي، وقد تم اعطاؤه الكتب المطلوبة في حينه لاستكمال الإجراءات، ولكن فكرته لم تلقَ المساندة والتعاون من قبل البلديات فذهبت أدراج الرياح.

غير كافية

وفيما يتعلق بالفكرة المطروحة من قبل الدكتور القدوة، فلا يمكن بحسب نعيم، الاعتماد عليها كلياً، فالفكرة بحاجة لبيانات مفصلة بشكل أكبر من ذلك، كما أن حجم النفايات المذكور غير كافٍ لإنتاج الطاقة لتغطية العجز في الموجود. لذا لا بد من دراسة الموضوع وكتابة تقرير حوله بشكل علمي وأرقام حقيقية.

ويوضّح نعيم أن جميع مصادر الطاقة غير التقليدية مثل طاقة الغاز الحيوي أو حرق النفايات تكون داعمة مخففة من الأزمة ولم ولن تكون حلاً لها. ومن واقع خبرته في هذا المجال، فإن الأمر يعتمد على عدة عوامل منها حجم المحطة، نوعية النفايات، العمر الافتراضي للمحطة وتكلفة إنتاج وحدة الطاقة.

المهندس محمد حسين من مركز بحوث ودراسات الارض والإنسان يرى هذه الأفكار المطروحة على الساحة منذ فترة طويلة، قد عززت من الوعي حيالها في الفترة الحالية نتيجة أزمة الطاقة التي تواجه القطاع تحديداً، ما دفع المؤسسات والباحثين للبحث عن طرق تخفف من الأزمة، وبذات الوقت صديقة للبيئة وذات جدوى اقتصادية.

اجراءات حساسة

وأوضح حسين أن هذه الافكار مطروحة على طاولة البحث والدراسات في المركز، حيث يجرى حالياً التداول بشأنها مع مؤسسة (أريج للدراسات التطبيقية) في الضفة الغربية، لافتاً أن انتاج الكهرباء من النفايات الصلبة يتطلب اجراءات حساسة ومهمة، خاصة وأن عملية حرق النفايات الصلبة لها تقنيات للحفاظ على البيئة، وهذا يتطلب تطوير الأجهزة المستخدمة في عملية انتاج الطاقة وفق المعمول به عالمياً.

ويضيف حسين في ذات الشأن أن المطلوب هو الاستخدام الأمثل للطاقة وادارة جيدة للنفايات الصلبة، خاصة وأن هناك توقعات بزيادة حجم النفايات المرتبطة بالزيادة الطبيعة للسكان، ولكن هذه القضية تُجابه بعدة تحديات منها عدم تطبيق قانون البيئة رقم (7) لعام (1999)، بشأن التعامل مع النفايات، وعدم كفاءة النظام الحالي، في ظل محدودية الدراسات والأبحاث، وعدم ادراك الجمهور بحساسية هذا الموضوع.

رؤية واضحة

وأوضح حسين أن التوجهات العالمية أصبحت ترتكز على الاستفادة الاقتصادية من النفايات الصلبة، وتخفيف الاثار المترتبة من وجودها، وأن تطبيق مثل هذه الافكار ممكنة في حالة توفر التمويل، ووجود رؤية واضحة بين الجهات الحكومية والبلديات لوضع نظام لإدارة النفايات الصلبة في القطاع، يعتمد على نموذج (R3) الذي يتضمن تقليل وترشيد النفايات المنزلية وتلك الخاصة بالمصانع، وإعادة الاستخدام ونظام التدوير، ووجود مدونة سلوك بيئي يوقع عليها جميع العاملين في الحرف المنتجة للنفايات.

واختتم حسين حديثه بقوله:" حان الوقت للتفكير بالمشاريع الاستراتيجية الحيوية ومغادرة مربع المشاريع الاغاثية التي لم تؤتِ ثمارها، وأن إنتاج الطاقة عبر النفايات يحتاج الى تضافر جهود ووحدة قرار وانهاء الحصار وفصل النفايات من مصدرها، كل ذلك من شأنه أن يفتح آفاق جديدة نحو الابداع وتبني أفكار صديقة للبيئة".

الدكتور على برهوم رئيس مجلس ادارة النفايات الصلبة في محافظات الجنوب قال :"إننا ندعم ونرحب بأي فكرة، أو مشروع من شأنه أن يُخفف من مشكلة النفايات الصلبة ويكون صديقاً للبيئة بشرط أن تتوفر الشروط الفنية، ووجود مستثمرين ومانحين وذوي خبرة بهذا الشأن".

جاهزية البنية التحتية

وأكد برهوم جاهزية البنية التحتية للمكب المقام حاليا في منطقة الفخاري على مساحة (235) دونماً ضمن مشروع إدارة النفايات الصلبة في محافظات جنوب القطاع، الممول من مجموعة البنك الدولي، الاتحاد الاوروبي، الوكالة الفرنسية للتنمية والسلطة الفلسطينية.

وقال: "أن المكب يبعد عن الخط الأخضر 500 متراً ويراعي الشروط البيئية، ويستوعب (700) طن يومياً من (17) بلدية في المحافظات الوسطى والجنوبية، أي نصف كمية نفايات القطاع، ومن المتوقع وخلال عام (2040) أن يستوعب نفايات القطاع كافة.
وأوضح د. برهوم أن المرحلة الأولى من المشروع تشمل الخلايا والبنى التحتية من انظمة جمع العصارة، إلى جانب المباني الإدارية وورش الصيانة التي راعت أنسب المواصفات الهندسية والبيئية، التي تخدم أهداف المشروع في تحسين الخدمات المقدمة في مجال ادارة النفايات الصلبة وتوفير أنظمة اكثر كفاءة، ومناسبة على الصعيدين البيئي والاجتماعي.

وعن الآثار المترتبة من وجود محطات توليد كهرباء جديدة على الصحة العامة، أبدت الدكتورة أمل صرصور الباحثة واستشارية صحة البيئة دعمها لتلك الأفكار كونها من الحلول الهامة جدا والتي يجب التركيز عليها في قطاع غزة، بهدف تقليل حجم النفايات الناتجة وحماية البيئة من التلوث بسبب تراكم هذه النفايات، او سوء ادراتها وآلية التخلص الآمن منها.

اتباع التدابير

ولكن في ذات الوقت نصحت صرصور بإتباع التدابير والإجراءات اللازمة لضمان تحويل النفايات الى طاقة بطرق صديقة للبيئة؛ فنتيجة انبعاث الغازات السامة والمسرطنة الناتجة عن عملية حرق النفايات، او تطاير الرماد الناتج عن عملية الحرق والذي من شأنه أن يحدث ضررًا بالبيئة مثل تلوث الهواء والتربة، وبالتالي يؤثر على صحة المواطنين.

وتسوّق د.صرصور أمثلة على ذلك منها اعتبار درجة حرارة الاحتراق مهمة من ناحية التحكم في انبعاث الروائح وبعض الغازات الملوثة، ويمكن تقليل انبعاث الغازات شديدة الخطورة على الصحة، مثل الديكسونات و الفورانات والمواد العضوية المتطايرة عبر التحكم بدرجة الحرارة والظروف المناسبة لتوليد الطاقة ولضمان حماية البيئة، بحيث لا تزيد درجة الحرارة المثلى للحرق عن (1000) درجة مئوية.

وتحذّر صرصور من الأمراض المتوقع الإصابة بها جراء انبعاث واستنشاق الغازات، منها امراض الجهاز التنفسي بشكل عام والربو، وقد تؤدي الى الاصابة بالسرطانات نتيجة تطاير الغازات السامة أثناء الحرق خاصة من المواد البلاستيكية، لذا ينصح بأن تكون محطات التوليد بعيدة عن المناطق السكنية وضمان وجود معايير الصحة والسلامة المهنية والبيئية، للحد من انبعاث هذه الملوثات للهواء.
وبين التأييد والرفض للفكرة تبقى الحاجة أم الاختراع، ولا ننسى أن كُبرى المشاريع الإستراتيجية بدأت بأحلام وأفكار صغيرة .

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير