فلتتحول مقاطعة منتجات الاحتلال الى ثقافة جماهيرية ولتتوسع رقعتها

04.04.2016 11:35 PM

كتب محمد أبو لبدة

الشعوب التي عانت من الاحتلال سواء العسكري المباشر او غير المباشر استخدمت في نضالها من اجل التحرر والاستقلال عدة اساليب نضالية من بينها اسلوب المقاطعة للاحتلال على كافة الصعد وخاصة على الصعيد الاقتصادي لكي تحول هذا الاحتلال الى مشروع خاسر يضطر الاحتلال في حينه الى الرحيل وإرغامه على انهاء احتلاله لتنال هذه الشعوب حريتها واستقلالها.

ولنا في التاريخ عدة امثلة على ذلك من ابرزها الهند التي نالت استقلالها باستخدامها هذا الشكل او الاسلوب من النضال الى جانب الاساليب الاخرى حيث ارغمت المستعمر البريطاني على الرحيل وإنهاء احتلاله مرغماً ومجبراً بعدما تحول مشروعه الاحتلالي الى مشروع خاسر، خاصة وان الدول المستعمرة هدفها نهب خيرات البلدان والشعوب التي يتم احتلالها، وشعبنا الفلسطيني الذي يناضل منذ اكثر من مئة عام من اجل نيل حريته واستقلاله سواء من الاستعمار البريطاني الذي احتل البلاد تحت ستار ما يسمى الانتداب او ضد الاحتلال الاسرائيلي الاستيطاني الاقتلاعي العنصري.

وقد استخدم شعبنا عدة اشكال من النضال في سبيل نيل حريته وحقوقه الوطنية الثابتة، من بينها اسلوب المقاطعة، سواء للاحتلال البريطاني او لليهود الذين جاءوا الى فلسطين للاستيطان واقتلاع شعبنا والحلول مكانه استناداً الى وعد بلفور المشؤوم الذي مضى عليه حوالي مئة عام.

فقد استخدم شعبنا هذا الاسلوب عام ١٩٢٠م عندما دعي الى مقاطعة اليهود مقاطعة تامة اقتصادية وتجارية وتحريم بيع الاراضي والعقارات لهم، كما استخدم في اضراب عام ٣٦ الذي استمر ستة شهور.

وكانت اوسع واكبر حملة للمقاطعة الاسرائيلية خلال الانتفاضة الأولى والتي استمرت حوالي ثلاث سنوات، واشتملت ايضاً على العصيان المدني والتي تم تجربتها وانطلقت من بيت ساحور التي اعلن مواطنوها العصيان المدني.

والمقاطعة للاحتلال الاسرائيلي تأخذ عدة مجالات، فهناك المقاطعة الاقتصادية والمالية والثقافية والعلمية .. الخ، ولكن ما يهمنا على الصعيد المحلي هو المقاطعة الاقتصادية التي تتناول مقاطعة المنتجات الاسرائيلية التي لها بديل وطني، ومقاطعة كافة المنتجات التي يتم انتاجها في المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الأرض الفلسطينية في منطقة القدس وباقي ارجاء الضفة الغربية، لأن سلطات الاحتلال، جعلت من السوق الفلسطينية ثاني او ثالث سوق في العالم لاستهلاك وبيع منتجاتها سواء التي تنتجها في داخل الخط الأخضر او في المستوطنات، اي جعلت شعبنا مستهلكاً لمنتجاتها لتجني المزيد من الارباح، خاصة وانها تستغل وتستولي ليس فقط على الأرض، بل ايضاً على باطنها وما تحتويه من مياه وثروات أخرى.

وقد انطلقت حملة المقاطعة الفلسطينية الحالية للاحتلال على الصعيد الاقتصادي عام ٢٠٠٥م عقب حكم المحكمة الدولية في لاهاي القاضي بأن المستوطنات الاسرائيلية غير شرعية وتخرق البند ٤٩ من ميثاق جنيف، الذي يحظر على دولة محتلة ان توطن سكانها في المناطق التي تحتلها، حيث وقع أكثر من ١٧٠ مؤسسة واتحاد ومنظمة فلسطينية في فلسطين والشتات نداء تاريخياً يدعو الى مقاطعة مدنية وشعبية للاحتلال الاسرائيلي.

وبدأت هذه المقاطعة تنمو وتتطور تدريجيا، غير انها كانت تصل الى مستوى كبير في اعقاب كل عدوان تقوم به سلطات الاحتلال على قطاع غزة، وبعدها تبدأ بالخفوت، الا انها في هذه الايام اخذت تتصاعد، خاصة مع تحقيق عدة منجزات على الصعيد الدولي، حيث قرار الاتحاد الأوروبي وسم منتجات المستوطنات بعلامة تدل على انها من انتاج المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية المقامة على الارض الفلسطينية المحتلة.

ورغم هذا التصاعد في حملة المقاطعة للمنتجات الاسرائيلية خاصة منتجات المستوطنات، الا انها لم تصل بعد الى مرحلة ايقاع خسائر كبيرة في الاقتصاد الاسرائيلي تجعل من احتلاله للأرض الفلسطينية مشروعاً خاسراً يضطره الى الرحيل.

وأدى هذا التصاعد في حملة المقاطعة الى ايقاع خسائر في الاقتصاد الاسرائيلي، يقدر سنوياً بحوالي ٣ مليارات دولار ان لم يكن أكثر من ذلك بكثير، خاصة بعدما بدأت العديد من الشركات سحب استثماراتها في المصانع والمزارع الاسرائيلية في المستوطنات، مما اضطر بعض المصانع المقامة على الارض الفلسطينية المحتلة الى الانتقال لداخل الخط الأخضر.

كما ان قيام بعض البنوك الأوروبية بسحب استثماراتها في البنوك الاسرائيلية التي لها فروع في المستوطنات وتتعامل مع هذه المستوطنات اكثر بشكل لا يستهان به على الاقتصاد الاسرائيلي لدرجة جعلت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة ترصد مئة مليون دولار لمقاومة المقاطعة الاسرائيلية على المستوى الدولي، في اعقاب مقاطعة عدة جامعات غربية لجامعات ومعاهد اسرائيلية مقامة في المستوطنات او الجامعات والمعاهد التي لها علاقة بالمستوطنات، الامر الذي اثر ولا يزال على هذه المعاهد والجامعات الاكاديمية من حيث الابحاث والدراسات.

وفي المقابل فإن المقاطعة الفلسطينية لمنتجات المستوطنات وبعض المنتجات الاسرائيلية الأخرى، ادت الى الاعتماد على المنتج المحلي الأمر الذي زاد من انتاجية المصانع المحلية، كما ادى ذلك الى تشغيل المزيد من العمال في هذه المصانع نظراً لزيادة الطلب على منتجاتها وهو ما حد الى حد ما من ارتفاع نسبة البطالة في الضفة الغربية، وان كانت هذه النسبة قليلة في مقابل تسريح مئات العمال في المصانع الاسرائيلية جراء هذه المقاطعة التي أدت الى انخفاض انتاجيتها.

وحتى تكون المقاطعة ذات جدوى وتسرع في انهيار الاحتلال وجعل مشروعه الاستيطاني والاحتلال خاسراً، فإنه يجب ان تكون المقاطعة شاملة اي تشمل جميع فئات المجتمع الفلسطيني ولا تقتصر على فئة معينة من الناس او المواطنين.

كما يجب على منظمات المجتمع المدني ان تقوم بمهمة قيادة هذه المقاطعة، لأن السلطة الفلسطينية مكبلة باتفاقات مع الجانب الاسرائيلي من الصعب عليها قيادة هذه المقاطعة لأن سلطات الاحتلال ستفرض عليها عقوبات من أبرزها عدم تسليمها عائدات الضرائب والمقاصة وما الى ذلك من امور اخرى، الا انه يتوجب عليها دعم المقاطعة بكافة اشكالها، ويقع ايضاً على عاتق القوى والفصائل الوطنية والاسلامية توعية المواطنين على أهمية هذه المقاطعة باعتبارها شكلاً من اشكال النضال تصب في مجرى المسيرة النضالية لشعبنا من أجل نيل حريته واستقلاله الناجزين.

وعلى القطاع الخاص الذي يملك المصانع سواء الغذائية او غيرها العمل على تحسين منتجاتها، خاصة وأن المنتجات الاسرائيلية تبقى منافسة لها من حيث الجودة والاسعار الأقل، وعلى هذا القطاع العمل على تخفيض الاسعار لكي يتسنى للمواطنين شراء منتجاته بدلاً من المنتجات الاسرائيلية، بحيث لا يكون المواطن الفلسطيني هو فقط من يدفع ثمن المقاطعة على حساب قوت ابنائه.

وفي هذا السياق فإنه تقع مسؤولية على المدارس والجامعات من حيث توعية الطلبة على أهمية المقاطعة للاحتلال بحيث تصبح المقاطعة ثقافة جماهيرية، وعندها تصبح ذات فعالية اكبر ومردودها النضالي أقوى.

فسلطات الاحتلال جن جنونها من المقاطعة الحالية التي هي في بداياتها ولم تتحول الى مقاطعة شاملة سواء على الصعيد المحلي او الخارجي، وقبل ايام عقدت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية مؤتمراً لمواجهة هذه المقاطعة على الصعيدين الداخلي والخارجية حضره سفراء عدد من الدول بينهم السفير الاميركي وكذلك سفير الاتحاد الأوروبي، وحذر المؤتمر من اتساع رقعة المقاطعة وانعكاساتها على اسرائيل من كافة النواحي الاقتصادية والمالية والاكاديمية والعلمية والاجتماعية والدبلوماسية .. الخ.

فليعمل الجميع على توسيع رقعة المقاطعة داخلياً وخارجياً وصولاً الى المقاطعة الشاملة، لارغام اسرائيل مع اشكال النضال الأخرى الى انهاء احتلالها وتحويل هذا الاحتلال الى مشروع خاسر بكافة المقاييس، كما حصل مع جنوب افريقيا العنصرية التي ارغمت جراء المقاطعة العالمية على تسليم السلطة للأكثرية من ابناء الشعب الافريقي، وليعمل الجميع على تحويل المقاطعة الى ثقافة جماهيرية، وليس الى مواسم وعندما تزداد شراسة الممارسات الاسرائيلية وانتهاكات الاحتلال البشعة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير