إفريقيا.. هوية عبد الناصر التي أضاعها السادات
وطن: تعمقت مصر في إفريقيا خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبدت ريادتها واضحة للقارة السمراء كافة، حتى قال جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكي للرئيس إيزنهاور: لن تستطيع الولايات المتحدة تحقيق أهدافها في إفريقيا إلَّا باغتيال عبد الناصر أو إقصائه.
ورغم أن مصر دخلت إفريقيا مع عبد الناصر وتزعمت القارة، إلَّا أنه مع رحيل ناصر وتولي أنور السادات الحكم، تكفل الأخير بإخراجها من القارة، وانسلاخ القاهرة من عمقها الاستراتيجي، الأمر الذي منح الكيان الصهيوني فرصة قوية ليحل مكان مصر ويسيطر على الدول المركزية في القارة.
الاستراتيجية
تركزت سياسات السادات خلال فترة حكمه على استراتيجية مصر أولًا، مما دفعه لعدة قرارات منها أنه لن يتعلم في مصر إلَّا مَن يدفع، بعكس ما كان يفعل الرئيس عبد الناصر تمامًا الذي فتح أبواب مصر للطلبة الأفارقة بدون أي مصاريف، لذا لم يكن غريبًا قول زعيم جنوب إفريقيا الراحل نيلسون مانديلا عندما حصلت مصر على صفر المونديال عام 2014: «لو كان عبد الناصر على قيد الحياة لانسحبت جنوب إفريقيا من أمام مصر، لكنها لم تعد مصر جمال عبد الناصر».
لم تكن مصر خلال عهد ناصر تستطيع أن تعيش بعيدًا عن الصراع الدائر بين 200 مليون إفريقي وخمسة ملايين من البيض، ولم تكن تستطيع أن تعيش بعيدًا عن محاولات عزل المنطقة العربية من إفريقيا، وكان أكبر استثمار حققته ثورة يوليو في القارة السمراء عبر تعليم الأفارقة الذين كانوا يأتون إلينا سيرًا على الأقدام وتعطيهم مصر الفيزا وتضمهم إلى الكلية الحربية التي تخرج فيها ضباط أفارقة قادوا حركات التحرر فيما بعد.
ومع حصول غانا وليبيريا على الاستقلال، عقد عبد الناصر أول مؤتمر للدول الإفريقية المستقلة بحضور مصر والمغرب وتونس والسودان، وكانت مصر ترسل إليهما السلاح باعتباره حقًّا أقرته منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة لدعم حركات التحرر الوطني، التي كان مركزها الأساسي في القاهرة، كما فتحت لهم الإذاعات التي تبث بـ25 لغة.
يختلف إطار النظرة العامة التي رأى بها السادات سياسة مصر الخارجية خاصة حيال القارة الإفريقية، عن تلك التي تبناها عبد الناصر، فبينما جعل الأخير سياسات مصر واهتماماتها مركزة على القضايا العربية والإفريقية، بينما كانت رؤية السادات أن الاهتمامات المصرية تعلو على العربية والإفريقية، وأن خلافاتها مع بعض الدول لن تحد من حركة السياسة الخارجية المصرية تجاه النزاع مع إسرائيل.
ورغم أن سياسة السادات تطورت داخليًّا وخارجيًّا بشكل اختلف جذريًّا عن سياسات عبد الناصر، إلَّا أن كلًّا منهما بدأ عهده وهو يواجه مشكلة سيادة مصر على أراضيها، فمثلما كان اهتمام ناصر وحلمه تحرير مصر من الاحتلال البريطاني، كانت القضية الرئيسة التي واجهت السادات تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، ومثلما دعم إنهاء الاحتلال البريطاني لمصر شرعية النظام وعبد الناصر بوجه خاص، جاء شن السادات لحرب أكتوبر وتحريره جزءًا من سيناء، ليمنحه الشرعية الحقيقية ويزوده بالثقة لتوجيه السياسة الخارجية المصرية نحو منطلقات جديدة
بداية القطيعة مع إثيوبيا
توتر العلاقات المصرية الإثيوبية بدأ منذ عهد الرئيس أنور السادات، الذي لم يزر أديس أبابا طوال فترة حكمه، وتردت الأوضاع بعد توقيع معاهدة الدفاع المشترك مع السودان، التي دعمت حركة تحرير إريتريا، وكانت هذه بداية الصدام الذي انتهى بالقطيعة.
ورفض السادات مقابلة الوفد الإثيوبي الذي زار مصر في عام 1976، وكان صدامًا قويًّا في العلاقات المصرية الإثيوبية، لتبدأ مشكلات المياه في الظهور بعد إعلان السادات مشروع تحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان في سيناء، مع إمكانية إمداد إسرائيل، لتعلن إثيوبيا أن هذا المشروع ضد مصالحها، وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الإفريقية في ذلك الوقت تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل.
وانقطعت العلاقات بين الكنيستين المصرية والإثيوبية بعد إعلان الأخيرة الانفصال، بعد إصرارها على رسامة بطريرك لها، ورفضت الكنيسة المصرية ذلك لوجود بطريرك لهم في السجن، ولم تأخذ حكومة إثيوبيا برأي البابا شنودة، وقررت رسامة بطريرك جديد؛ مما أدى إلى حدوث قطيعة بين الكنيستين، واستمرت هذه القطيعة حتى يوليو 2007.