نريد بعض الأوكسجين يا إسرائيل

29.12.2015 10:26 AM

كتب: حمدي فراج

 هذه المقالة (المعادلة) الأخيرة التي اكتبها في هذا العام 2015، والذي كان عاماً متجلياً في البؤس الدولي والعربي والفلسطيني، حتى بدأ العالم وكأنه مكاناً سيئاً للعيش فيه، وكانت اكثر جوانبه بؤساً واضطراباً، تضارب المفاهيم وتصادمها وتصارعها، حى بات من الصعب معرفة الصواب من الخطأ، واجتراح الخير من الشر.

لقد تجلى ذلك في آخر ايام السنة  مقتل رمزين عربين، الاول سمير القنطار، والثاني زهران علوش، ووجدنا كيف كان الاختلاف العميق والبعيد حولهما، ما بين الشهادة والخلود حتى الانحطاط و العمالة ، وبالطبع تم تجنيد الدين والفتاوى حول مصيرهما من قبل الطرفين ، وتم اعتمادهما في الجنة والنار معا من قبل الاطراف المتصارعة والمتضاربة ، رغم معرفتنا كلنا ان الدين واحد و الرب واحد وجنته التي وعد بها المتقين والمجاهدين واحدة.

  في الايام الاخيرة فلسطينيا ، ذهبنا لتوديع شهيد طفل ما زال على مقاعد الدراسة ، وافق والده على تسلم جثمانه بعد اكثر من شهر على استشهاده ، بدعوى تنفيذه عملية طعن في مفرق غوش عصيون ما بين بيت لحم والخليل ، كانت الشروط ذاتها ، غاية في القسوة والصعوبة ، توقيع تعهد بالدفن الليلي بمشاركة محدودة من افراد العائلة ، وعدم تشريحه جنائيا ودفع غرامة عالية وهدم المنزل في حالة الاخلال بالشروط . لكن عودة الجثمان لذويه ، كان الاكثر صعوبة عليهم من اي شيء آخر.

  لقد وصل الامر باسرائيل وحكومتها ان تضع يدها على الاكسجين الذي نتنفس . وهو امر لطالما هددت باتخاذه سابقا ،  لقد قطعوا المياه عدة مرات وكذلك الكهرباء ، ولكنا لم نكن نصدق انها ستقطع الاوكسجين . حتى جاء العام الاخير 2015 ، فقتلوا واحرقوا ثم رقصوا فيما اطلقوا عليه "حفل الدم" ، سياسيا واقتصاديا وامنيا واستيطانيا ودينيا  واجتماعيا ، وحتى رياضيا . فانفجر الشعب الفلسطيني قبل ثلاثة اشهر لكي يطالب ببعض من حقوقه التي اهدرتها اتفاقية السلام وجولة المفاوضات التي امتدت لعشرين سنة.

هل من المعقول ان تقتلوا ابني ثم تشترطوا على كيف أدفنه ؟ هل هذا هو الشيء الوحيد الذي أبقيتموه لي بعدما قمتم بقتله واعدامه بدون ادنى حد من المحاكمة والتقاضي حتى لو كانت محكمة عسكرية غير عادلة.

حضرت جماهير غفيرة ، وانتظرت حتى العاشرة ليلا ، في جو صقيعي بارد ، كانت تريد ان تحفظ لهذا الفتى مأمون الخطيب  مشواره الاخير الى عصيون ، كانت تريد ان تحتج على هذه الاجراءات الاشتراطية الفاشية في تعاملها مع الاجساد ، كانت تريد ان تقول لاسرائيل وحكومتها اننا نحن هنا  سدنة الارض والاجساد صيفا وشتاء، نهارا وليلا . كأنها ارادت ان تقول لها في مطلع العام الجديد : نريد بعض الاوكسجين لكي نستطيع ان نتنفس لنواصل الحياة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير