سبعُ سنابل و منفى
وطن: كتب طارق عسراوي
من على هذه الربوة في رام الله، حيثُ لا تُطلُّ أمنياتنا على بحرٍ حملنا موجه في حقائبنا، و في ظل رايةٍ تخفِقُ بالحنين لملح يافا كلّما فلتت نسمةٌ من يد الجدار.
وقفتُ في حضرة قبره، أيُّ القصائد أقرأُ في رحيله، و أي قصيدةٍ تُراهُ يشتاق ؟
فوجدتني أقرأُ :
" بإسم الفدائي الذي خلقَ،
من جزمةٍ أفقا
باسم الفدائي الذي يرحل
من وقتهم لندائه الأول
الأوّل ، الأول .. " .
ما من كلام يليقُ في ذكرى رحيل محمود السابعة، إنها سبع عجاف أصابت الشعر و مأتم لا ينتهي للمفردات !
لبعض القصائد تعويذة تصيبُ روحَ شاعرها لوحده، فتلقي بظلالها على قدره المؤجّل ، و بعضها تُمدُ يدها لتحيط بقدر شعب بأكمله، و لأنّ محمود كان مزجا من الضميرين " أنا و نحن " أصابنا بتعويذة قصيدته جميعا، و لم تنجُ أقدارنا من رؤياه ، و مسّت روحي في حضرته تعويذة مديح الظل العالي !
كيف يمضي نهار يجمع الذكرى السابعة لوفاته و الذكرى السبعين لإلقاء القنبلة على مدينة ناكازاكي اليابانيّة في العام ١٩٤٥ و بعد ثلاثة أيام من هيروشيما بمعزلٍ عن مديح الظل العالي و عن قوله :
" أمريكا على الأسوار
تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية ،
يا هيروشيما العاشق العربي
أمريكا هي الطاعون
و الطاعون أمريكا "
فهل هي مجرد صدفة أم أنه ينبئنا بقادم مجهول ؟
اليوم، لا نفتقدُ شاعرا فحسب، بل نفتقدُ بصّارَ خطوتنا القادمة و غدنا الغامضُ ، نحن الذين ما عادت البلاد فخارا لتنكسر على أصابعنا بل بتنا ننكسر معها، المثقلون بضباب أيامنا حين حدنا عن النصيحة، فلا مشينا واضحين لمائدة التفاوض، و لا سحبنا ظلّنا ..!
على مقربة من أيلول، حيثُ جفّت ينابيعُ المجاز، أرى خريفنا يصيبُ آخر أشجارنا الخضراء، فكرتنا اليتيمة، معجزة الفلسطيني في إجتراحِ صورة وحدته و حريته.
و في حضرة هذا الغياب المر، ينتصرُ الرماديُّ على بياض صورتنا، و لم تستطع فراشة تلهو قرب الضريحِ بفائض الزهر و الألوان رفع وطأة النوء الثقيلة عن المفردات..
" ما أكبر الفكرة ..
وما أصغر الدولة "
ماذا سيقرأ لنا محمود، لو أنهُ فينا اليوم ؟ هل كان سيكملُ لنا فلسفة " نيتشيه " في حُبّ الإرض وما تعلّمه من زرادشت ؟
أم سيدير وجهه للبحر و يلقي التحيّة على ماجد :
" صباح الخيرِ يا ماجدْ
صباح الخير والأبيضْ
قم اشربْ قهوتي، وانهضْ
فإن جنازتي وصلتْ، ...
..، لتكتب سورة العائدْ "
تدقُ عناوين القصائد إحتمالات الإجابة و التخمين،
قُم فينا كعنقاءٍ، فما زالت الكلمات تنتظر عاشقها، ليتلو مدائح المنفى بباب البيت، ويتلو ما تيسر من غدٍ ماضٍ ..
فمَنْ يفسّر المعنى بغير الماء ، غيرك ؟
ومن يعيد صهيل الحصان الى البلاد، فنحنُ مشتاقون مثُلك للبروة و البحر ، و كيف لنا أن نَذكر دونَك قلاعا، بعدَ رحيل الجنود ..!
نعم، ما زلتَ حياً في مكانٍ ما ، تحثُ فينا قصائد الحب و الحنين، نحن الذين تعلمنا كيف نربي الأمل ، وإن كُنّا عاطلين عن العمل ..
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء