رام الله.. كيف لها أن تؤذيك وهي تبدو بتلك الروعة؟
وطن - كتبت:رحمة حجة: منزل مصنوع من كرتون، مع بعض الإضافات الثقيلة من وسائد وشاشة تلفاز وآلة صنع القهوة الأميركية وأغطية وصور تبدو لعائلة تسكن المنزل، هو أول ما يُطالعك في جولة سريعة داخل معرض فني في مقر الأكاديمية الدولية للفنون في مدينة البيرة.
وما إن تقترب من التلفاز، حتى تسمع ما تتحدث به امرأة عبر فيديو مسجّل، إذ تقرأ لائحة طعام، بنبرة ساخرة، دون أن تفقد هدوءها في القراءة.
هذه المرأة هي الفنانة لما تكروري، تخرّجت حديثًا من الأكاديمية، وحازت على منحة للالتحاق ببرنامج ماجستير في الفن البصري في إحدى الجامعات الأميركية.
سعادة معلّبة
وأطلقت تكروري على معرضها اسم "كيف يمكن لها أن تؤذيك وهي تبدو بتلك الروعة؟"، وتصف فيه النظام الاقتصادي في مدينة رام الله، من خلال التركيز على تفاصيل الحياة اليومية وموجة النيوليبرالية التي تجتاح المدينة شأنها شأن غيرها من مدن العالم، إلا أن الفرق يتمثل بوجودها تحت الاحتلال.
وتقول تكروري إن فكرة المعرض الذي يُصنف فنيًا كعمل تركيبي، جاءت من وحي حياتها في المدينة منذ عام 1997، حيث شهدت خلال هذه السنوات عددًا من التحولات الاقتصادية والثقافية فيها، تحديدًا بعد عام 2005 (نهاية الانتفاضة الثانية).
وتوضح تكروري لـ"الحياة الجديدة": "رغم وجود الاحتلال، يشعر القاطن في رام الله بحالة من الاستقرار، بينما هو مجرد واجهة لمشاكل ووضع سياسي واقتصادي أعقد بكثير مما يبدو عليه".
وتتابع: "المقاهي والمطاعم وإعلانات القروض السكنية طويلة المدى وقروض السيارات، تشي بنمط حياة سائد هويته الرفاهية والحداثة غير المنطقية، وكل ذلك يشكل ضاغطًا على الشباب بأن ما يُروّج له هو انعكاس للحياة المثالية ويجب السير نحوه حتى بلوغ السعادة".
وترى تكروري أن هذه المرحلة برزت بعد "فشل المشروع السياسي التحرري المنادي بالاستقلال" على حد تعبيرها، مضيفةً "تَحوّل الحلم الجماعي بالاستقلال إلى حلم فردي باقتناء سيارة وامتلاك شقة ثم عائلة سعيدة".
وهذا العمل الفني لتكروري، واحد من أعمال قليلة برزت مؤخرًا في نقد المدينة، التي تعتبر المركز السياسي والاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، حتى أن الكثيرين يعتبرونها "عاصمة مؤقتة" إلى حين "عودة" القدس. ومن هذه الأعمال: رواية "رام الله الشقراء" لعبّاد يحيى، وكتاب "حلم رام الله" للفرنسي بانجمين بارت، اللذان أحدثا الكثير من الجدل وحازا على اهتمام إعلامي محلي كبير حال صدورهما ووقوعهما بين أيدي القرّاء.
ثقافة "المِنيو"
ووفق تكروري، يعكس تلاقي الكرتون مع أدوات حقيقية في عملها الفني "نوعًا من التناقض البصري".
وعن قائمة الطعام "المنيو" تقول تكروري لـ"الحياة الجديدة": "أُترجم من الإنجليزية إلى العربية، بمقاربة كوميدية سوداوية، لمدة 11 دقيقة، لكن الترجمة غير كافية لتوضيح أنواع المأكولات والمشروبات، بالتالي لا يكفي أن تُلم بلُغة المنيو أو بقليل منها، إنما يجب أن تنتمي لطبقة معينة، كي تفهم دون أن تتسبب بالإحراج لنفسك".
وهذه الطبقة "متخَيّلة كأنها موجودة في غيمة، تعززها الإعلانات ونمط الحياة في رام الله، كما أن الكثيرين يطمحون أن يكونوا جزءًا منها"، حسبما تقول تكروري، التي تواصل حديثها: "طبقة تتعامل مع المنيو وتتصرف بطريقة لائقة في الفضاء العام وتملك بيتًا في مشاريع الإسكان الجديدة وسيارة حديثة كما تعمل في الـNGOs".
وتضيف تكروري: "في المطبخ يوجد دليل مصور وقاموس اسمه (كل شي تمام). فحين تصبح من هذه الطبقة، يجب أن تتعرف على فلافل ومجدرة ومسخن لكن غير تلك التي نعرفها".
يُشار إلى أن بعض المطاعم في رام الله غيّرت طريقة تحضير هذه الوجبات الشعبية، وفق ما عرضَت تكروري في دليلها، إذ استُبدل زيت "المجدرة" بـ"النبيذ" وأضيف الفلافل إلى "الجمبري"، بينما تحول "المسخن" إلى شكل الـ"بيتزا" الإيطالية.
"هل أنتِ ضد الانفتاح على الثقافات والحداثة؟"، تقول تكروري: "لا. أحاول فقط التوقف وخلق حالة من الوعي الذاتي والجماعي بأسئلة، أين نحن؟ هل هذه هي السعادة؟ ما مسؤوليتي في الحلم الجماعي؟ هل تبقّى أصلًا حلم جماعي؟ أين نحن ذاهبون؟".
والجدير ذكره، أن تكروري تخرجت بشهادة أولى في الأحياء، لكنها اكتشفت لدى تخرجها حبها لـ"الغرافيك" لتدرس عشرة شهور أخرى فن "تصميم الغرافيك"، وبعدها اتجهت لتطوير مشروعها الفني من خلال دراسة الفنون البصرية في الأكاديمية، ليصبح الفن محور حياتها. وتطمح في فن تصل رسائله لأكبر شريحة من الناس، لا فنًا نخبويًا.
نقلا عن "الحياة الجديدة"