اضربوا الراعي تتشتت الكلاب !! من ينقذ الموءودة؟؟

17.02.2015 10:43 AM

كتب: نارام سرجون

كثير من الكلام يبقى شاهقا ومرتفعا لاتغمره الرمال والأتربة كما بقيت قلعة حلب على ذلك المرتفع الناهض .. بعض الكلام لايزال يدهشنا منذ مئات السنين كما تدهشنا الأهرامات التي تشبه صندوق بريد الزمن الفرعوني الى كل الأزمنة .. كل كلمة خالدة تبقى مثل القلعة ولايهدمها الزمن .. لكننا نمر بها كل يوم دون انتباه كما نمر بالآثار والأضرحة والقصور والتكايا والقلاع ..

وفي مدن آثار الكلام هناك عبارة مثل القلعة نمر بها منذ مئات السنين تقول: واذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت؟؟ عبارة قرآنية نمر بها كل يوم ونعتقد أنه تمثل حدثا جاهليا انتهى .. ولكن الموءودة التي تدفن في هذا الزمان هي التي سلمناها بأنفسنا الى من وأدها .. ويصح فيها أن يكون الكلام موجها لنا: واذا الموءودة سئلت.. بأي ذنب قتلت؟؟ .. ففي زمن قريش كانت الموءودة أنثى من لحم ودم .. وفي زمننا فان الموءودة هي الأمة .. وهي الثقافة التي تدفن حية وتموت بأيدي ابنائها ..

لايمكن أن تقف أمة ببلاهة وهي ترى أنها تدفن حية كما تقف أمة العرب .. هناك ديانة تدفن ونبي يذبح وكتابه يموت غرقا بالدم .. والأمة البلهاء لاتقدر ان تقول انها لاتريد أن تموت .. بل تنظر ببلاهة في العيون وهي تنزل الى قبرها وتفتح فمها كالخرساء ثم تبتسم وهي ترى التراب يهال عليها .. فهي في الغرب صارت أمّة مكروهة منبوذة "تتداعى اليها كل الأكلة" .. فأكملت داعش قوس الكراهية باستعداء الشعوب الصفراء فذبحت برئيين مدنيين يابانيين .. داعش تنهض وتنشر أبذأ مافي الحيوانية على انه هو الدين .. وجبهة النصرة تقاتل نيابة عن الصهاينة وتحمي حماهم في الجولان وتثأر لهم من المسلمين .. وبيت مقدس لايحارب في بيت المقدس بل في صحراء التيه .. ويذبح المهاجرين الفقراء المصريين الذين يبحثون عن لقمة عيشهم في أرض الله .. فيما أرض الحجاز محشوة بفتاوى النكاح والتكفير وارضاع الكبير .. وحرق الأسير .. ولاتوجد هناك فتوى واحدة للرحمة ..

وفوق كل هذه المصائب تخرج ثلة من صبيان الأمة كغربان الثورة السورية لتبحث في جذور العنف الاسلامي وتعزو كل شيء (للاستبداد) وتخص به استبداد النظام السوري فقط الذي طال فولدت منه الثورات التكفيرية في العالم .. وأحد هذه الغربان لايمل من اعادة انتاج المصطلح نفسه وتكراره والصاق كل مثالب الوجود بالاستبداد بشكل صار ممجوجا بسبب عجزه الواضح عن تفسير أي شيء بعيدا عن الاستبداد .. لم تعد هذه الرؤوس في الأمة قادرة حتى على انتاج مصطلحات جديدة لأنها رؤوس فارغة وتخلو من أهم مكون وهو الثقافة الانسانية الواسعة ..

الأمة التي تبحث عن حل لمشكلة وجودها الحضاري وتنتج هذا الكم المفجع من الهزائم العسكرية والعلمية والمعرفية والحضارية والأخلاقية والفلسفية وتتصرف وكأنها تدفن حية .. لايمكن أن تعزو كل المشكلة الى الاستبداد ولايبدو من الحكمة أنها لا ترى الا جذرا واحدا لمشاكلها هو الديكتاتورية دون أن تلوم نفسها ونخبها وفشلها كأمة وثقافة في تشخيص المشكلة ..

ان ايقاف مشروع وأد الأمة لايكون الا بمشروعين كبيرين:

- المشروع الأول المتمثل بايقاف الموجة الدينية التكفيرية بالقوة الخشنة أو الناعمة:

وهذه لايمكن ايقافها بتقليم المخالب وقطع الأذرع مثل البغدادي وأتباعه أو الجولاني وأنصاره .. بل بالضرب على الجسد والرأس .. ورأس المشروع التكفيري هو تركيا واسرائيل اللتين تنفذان مشروعا مشتركا للسيطرة على الشرق باشراف الناتو وحمايته .. تركيا العثمانية تستعمل الاخوان المسلمين كالمخالب الحادة في أجسام المجتمعات العربية دون استثاء .. ولكن للمخالب مخالبا .. فالاخوان المسلمون لهم مخالب حادة تقطع بها ضحاياها وهذه المخالب هي داعش وجبهة النصرة والقاعدة .. ومن يراجع الأدبيات الفقهية للاخوان لايجد انها تختلف عن بدهيات داعش وجبهة النصرة والقاعدة والخلاف هو فقط في الأولويات الجهادية ولكن العقل واحد والدموية واحدة .. ولايبدو أن محاولة ايقاف الموجة الدينية سيكتب لها النجاح السريع الا باتباع قاعدة اضرب الراعي "تتشتت الأغنام" .. وهي القاعدة التي حاول الربيع العربي تطبيقها في كل الجمهوريات العربية التي قام بها الربيع المشؤوم .. اي اضرب رأس الدولة وحكومتها وجيشها (بحجة الحرية) فتصبح الشعوب كالأغنام الضائعة التي تفترسها قطعان الذئاب وتنشب فيها مخالب تركيا واسرائيل .. وقطيع التكفيريين له راع برأسين .. رأس في تركيا ورأس في اسرائيل .. وبيت ماله في قطر والخليج المحتل .. ومخالبه الاخوان .. ولكن روحه التي تسكن جسده هي الوهابية السعودية .. ومن يريد تشتيت قطيع التكفيريين في داعش وجبهة النصرة فليضرب رأس الراعي وجسده من استانبول وتل أبيب .. فتتشتت قطعان الكلاب المسعورة .. من العراق الى ليبيا ..

ومايحدث في مصر ماهو الا مقدمة .. فالكلاب تحيط بمصر .. ومن يعرف نوايا الراعي يعرف أن مصر كانت ستطلق عليها الكلاب سواء مع مرسي أو مع السيسي .. لأن الراعي الكبير في تل أبيب لايريد في المنطقة دولا بل قطعان أغنام مشتته .. بحيث لايظهر ناصر جديد ولا صدام حسين ولاحافظ الأسد في أهم ثلاث قطع عربية .. هي كل الشرق .. وكل من يعتقد أن السيسي في مصر قادر على أن يستمر في خيار النأي بالنفس والاقتراب من السعودية اتقاء لشرها فانه واهم لأن المراد هو تقطيع مصر وتقطيع جسد جيشها بين سيناء وليبيا الى ان تسقط تحت مخالب قطعان كلاب الراعي .. لأن مزارع الكلاب منتشرة بالمال الوهابي في كل بقاع الدنيا من باكستان حتى لندن .. وماعلى السيسي الا أن يبحث عمن يضرب معه رأس الراعي في استانبول أو تل أبيب .. بالقوة الخشنة أو الناعمة ليؤلمه فتتشتت الكلاب عن مصر .. وعن كل الشرق ..

- المشروع الثاني وهو فكري بضرب روح القطيع الوهابية واستئصال شأفتها من الجسد الاسلامي:

وذلك باعادة انتاج المضاد الحيوي والعدو الطبيعي لروح التكفير المتمنثل في الوهابية .. أي اعادة انتاج الفكر والنخب بعيدا عن روح الوهابية .. فليس الاستبداد هو من يخلق التطرف والبشاعة والعنف بل غياب الفكر والمعرفة والابداع والشعور بالطاقة الخلاقة التي لايحدها حد ولايوقفها نظام ولاديكتاتور .. فأوروبة اقامت عصر النهضة في ظل أبشع حكم ظلامي ملكي مقدس واستبدادي ظلامي .. ولم يقل الناهضون فيها ان علينا انتظار سقوط الملكية والملوك .. وان علينا انتظار الناتو ليحررنا .. لكن تحرير الثقافة هو الذي حرر السياسة والمجتمع والدين ..حتى سقطت محاكم التفتيش التي كانت تمثل داعش أوروبة وتكفيرها المقدس ..

كيف سيتم ضرب روح التكفير وماذا نعني باعادة صناعة الثقافة ونخب الثقافة التي لم تقدر أن تدافع عن الأمة الموءودة؟؟

سيقول بعض من يقرأ هذا الجزء من المقال بأنه مليء بالعنصرية والاستعلاء وبأنه تحريض على مكون من المكونات السكانية في المنطقة العربية وربما يقول فيه الكثيرون أشياء لاتخطر على بال .. ولكن بالطبع لن يحرجني هذا الاتهام لأن الاتهام وسام في زمن اللئام وزمن الوأد والذبح .. ولن يحمر وجهي من التوتر وأتلعثم في مواجهة الأسئلة كما يتلعثم البريء .. ولن أتجنب التحديق في عيون الغاضبين أو المحققين في غرفة التحقيق .. وسأمضي غير مكترث بالغبار والرمال .. ولو حملت صليبي على ظهري في درب الآلام .. لأنني أعرف أنني أعيد للحرف حريته .. وأنزل المصلوب عن الصليب ..وأخرج الموءودة من تحت الرمال وأنفضها عن عينيها وشفتيها واذنيها ..

انني أريد ان أطرح سؤالا منطقيا ربما تكون الاجابة عنه طريقا لمعرفة الخلل الذي وصلنا اليه في المرحلة الحالية في الشرق حيث تحطمت الثقافة الوطنية في المنطقة العربية عندما تحطمت روح الثقافة .. وانقلبت المصطلحات وتزعزعت مسامير الوطنية وهجمت الاديان على الاديان والطوائف على الطوائف ونهض هبل بعد غياب دام خمسة عشر قرنا.. وبدا أن العقول التي في الرؤوس ليست الا حشوات ديناميت .. وتبين أن الله هو الصاعق الذي فجّرنا ..

هل الهجوم الاعلامي وحده كان كافيا لاختراق المجتمع العربي أم أن هناك هشاشة في البنية الثقافية والمعرفية وثغرة حضارية واسعة لم تقدر أن توقف هجوم غرف الاعلام السوداء؟؟ .. الثقافة في المجتمعات هي جدار الصد وهي الدرع .. والاعلام هو الرمح الذي يريد اختراق الدرع .. وعندما يبنى الجدار من طين والدرع من ورق فستثقبه المخالب الاعلامية ..

الظاهرة ليست سهلة على الدراسة والتفكيك والتحليل وهي لاشك معقدة وستكون موضوعا للنقاش والبحث والتفسير لزمن طويل .. ولكن هناك حقيقة أن الثقافة والفكر يصنعان ثروة لأمة لكن الثروة لاتصنع ثقافة لأمة .. فالثروة التي لاتصنعها عبقرية حضارة وثقافة لاتقدر على صنع حضارة أو عبقرية أو ثقافة .. وفي العالم العربي حدث انزياح غير طبيعي في الثروة والثقافة وهو انزياح صناعي تسببت به خرائط سياسية واقتصادية ..فحدث خواء ثقافي ومعرفي وأخلاقي نجمت عنه داعش والنصرة والقاعدة ..

فمراكز الاشعاع الفكري والحضاري وكل المتغيرات تركزت في ثلاث مناطق هي الشام والعراق ومصر لكن الثروات في الخليج تم حجبها عن هذه المناطق بحدود مقدسة تحميها الدول الكبرى .. ومع ذلك فان الأقاليم الثلاثة المشعة المذكورة تمكنت من المتابعة في عملية قيادة الأمة ثقافيا وفكريا وحضاريا وتابعت عملية الانتاج الابداعي والثقافي والتحرر المعرفي مع بدايات القرن العشرين عندما تخلصت من الظلامية العثمانية واستغلت فرصة تاريخية في اشغال الاستعمار بالحرب مع النازية والشيوعية .. ولذلك نجد أن كل شعراء وكتاب وعباقرة الفن العربي والشرقي في القرن العشرين تدفقوا من عواصم الشمال كالسيل الجارف .. ففي الشعر ظهر الجواهري ونزار قباني والسياب والملائكة وجبران خليل جبران وحافظ ابراهيم وبلند الحيدري ومظفر النواب وأحمد شوقي وأدونيس وكثيرون جدا غيرهم .. وفي الادب ظهر طه حسين وشوقي ضيف وعباس محمود العقاد وغيرعم كثيرون .. وفي الفن الروائي والقصة حنا مينة واحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهم اعداد لاتحصى .. وظهر مفكرون ومؤرخون من طراز فراس السواح وكمال الصليبي واحمد داود وسهيل زكار .. فيما نهض الفن والموسيقا والمسرح وكل الابداع الحسي الموسيقي واللوني وظهرت النهضة الفنية في مصر وسورية ولبنان مع نهوض السينما والدراما .. وفي المغتربات أثبت أبناء هذه المنطقة بين الأنهار الثلاثة دجلة والفرات ونهر النيل قدرتهم على التفاعل مع منتجات الحضارة .. في شتى انواع العلوم ..

وفي هذا الجو المفعم بالحيوية الحضارية والعقل الخلاق ظهرت الأفكار السياسية الجريئة والقادة الكبار والعقائد والايديولوجيات الرائدة لأنطون سعادة وزكي الارسوزي وجمال عبد الناصر .. وبرز الشيوعيون العرب والقوميون البعثيون والحزب القومي السوري والحركة القومية المصرية وناصر والاسد وحسن نصر الله ..ولم ينتج الخليج سياسيا سوى الحركة الوهابية .. وحركة الشريف حسين .. وكلاهما ثبت بالدليل القاطع أنهما منتجان استخبارتيان بريطانيان ولبريطانيا حصة الأسد في هاتين الحركتين ..

مقارنة ونتيجة:

ولكن بالتزامن المقارن فشلت منطقة وكتلة الخليج رغم الثروات الهائلة في انتاج اي نوع من العبقرية الانسانية والحضارية رغم الفرصة الذهبية المتمثلة بالمال الوفير والاحتكاك الحضاري مع الجوار في الشمال ومع الغرب الذي قدم الى الصحراء بحثا عن النفط .. وهذه المنطقة الخليجية لاتزال في صمت حضاري وثقافي وابداعي يشبه صمت القبور .. فلايوجد ظاهرة ادبية واحدة في كل هذا الخليج الواسع الثري .. لاكاتب واحد ولاروائي واحد ولاقاص مبدع ولاموسيقي ولافنان ولارسام ولامخترع ولاقائد سياسي ولاعسكري .. قحط في النشاط الفكري الانساني ومحل ثقافي ومعرفي وحضاري .. وخواء ورمل بلا حدود .. ولو أبحرنا بعيدا في التاريخ العمراني فلايوجد اثر واحد في كل الجزيرة العربية سوى الكعبة وهي بالمفهوم العام ليست انتاجا ثقافيا ولاايقونة فنية بل رمزا لاهوتيا مقدسا لاتجوز معاملته على انه ابداع بشري لأنها بيت الله ووحي الله .. فيما تترامى آثار المنارات والحدائق المعلقة ومعجزات العمران والتماثيل والنحت العظيم في بابل القديمة وآشور واوغاريت والاهرامات وابي الهول والمعابد المصرية .. واذا اردنا ثقافيا ان نقول بأن الاسلام والقرآن هو نتاج ثقافي لتلك المنطقة فان ذلك يدخلنا في نقاش بيزنطي لأن اعتبار الاسلام رسالة سماوية لايعني أن تلك المنطقة لها اي فضل في اخراجها .. واذا اعتبرناه حركة ثورية وثقافية بغض النظر عن قداستها ولاهوتيتها والاسهام الالهي فيها فاننا نحيل ذلك الى الدارسين والباحثين الذين سيبحثون عن الجذور الدينية والفكرية للاسلام وهي جذور قدمت من بلاد الشام ومصر بدليل أن قصص الأنبياء الشهيرة وشرائعهم ابراهيم وعيسى وموسى وهارون الذين اسسوا للأديان السماوية السابقة تقول انهم كانوا في الشمال بين الفرات والنيل ..ولذلك تصر اسرائيل على ادعائها بملكية الأرض بين الفرات والنيل لأنها أرض التفاعل البشري والحضاري والتاريخي للمنطقة ..

واذا أردنا تقسيم القرن العشرين ثقافيا وفكريا بعد الحرب العالمية الثانية التي جاءت بالدولة الصهيونية الى المنطقة والتي تلاها الاستقلال في العالم العربي فاننا نلاحظ أن قوى الشمال العربي (بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة) هي منحت الجسد العربي الروح وهي التي قادت الوعي والثقافة في المنطقة برغم كل رواسب المرحلة العثمانية الظلامية المتخلفة الى أن بدأت مرحلة النفط الذي ظهرت أهميته بعد حرب تشرين - اكتوبر 73 .. اي استمرت هذه المرحلة قرابة 30 سنة هزم فيها العرب عسكريا في 67 .. لكن هزيمتهم كانت سطحية ومؤقتة وتشبه صدمة الهزيمة مع نابوليون في مصر عندما اكتشفوا تخلفهم العثماني فوصل اليهم العالم الجديد قبل ان يصلوا اليه .. وكانت هزيمة حزيران قاسية لكنها لم تمس العمق والجوهر العربي .. اي كان الجلد مثخنا بالجراح ولم تصل الأنصال الى القلب والاعماق ..

ومن هنا بدأت المرحلة الانتقالية لتحول القيادة من الشمال الى الجنوب العربي ودامت حتى عام 1988 وانتهت مع نهاية حرب الخليج حيث بدأت المرحلة الخليجية حيث انتهت القيادة الثقافية الى الجنوب العربي فعليا .. والتي حلت تدريجيا محل قوى الشمال الذي خرجت منه مصر فكريا وثقافيا وسياسيا بكامب ديفيد .. وخرجت بغداد منذ دخلت الحرب العراقية الايرانية التي قادها البعث العراقي ظاهريا ولكن الحقيقة هي أنها كانت الحرب الاولى التي قادها الجنوب العربي كليا وثقافيا .. ومنها بدأت عملية السيطرة على الشمال التي توجت بسقوط العراق في نهاية هذه الحروب .. واستمرت قيادة الجنوب العربي للقرار العربي حتى الربيع العربي الذي حطم خمس جمهوريات عربية .. وهذه المرحلة استمرت حتى عام 2011 (قرابة 30 سنة) حيث انفجر المجتمع العربي انفجارا هائلا ..

وهنا يبدأ السؤال عن التحول الذي تولته الثروة الخليجية في عملية ثقب الثقافة العربية بشراء الثقافة العربية وتمييعها وتهجينها بثقافة ليس فيها الا الرمل .. فمنذ ثلاثة عقود وبالذات بعد حرب الكويت بدأت عملية السطو والاستيلاء على الثقافة وربطها بالسلاسل عبر شراء الثقافة والمثقفين بالجوائز والندوات ولجان التحكيم وعبر السطو على مايمكن تسميته مطبعة يوحنا غوتنبرغ العربية (كل المطبوعات) .. فكانت هناك جوائز خليجية مثل العويس والجنادرية وغيرها بدل ان تكون هناك الجائزة الأرفع باسم المتنبي أو الجاحظ ..أو ابن رشد .. أو ابن سينا ..

الاصدارات الثقافية والاعلامية العربية من صحافة وكتب ومؤلفات تولتها مؤسسات خليجية وصار من لاتطبع له مطبعة الخليج لايمكنه نقل افكاره بسبب احتكار المال الذي صار يشتري كل شيء العقل والضمير والمزاج ونبرة الشعر .. وكل حركة فنية وثقافية يتدخل فيها المال الخليجي فيتوقف ابداعها .. وبدأ هذا المال بالزج بثقافته الهشة الجوفاء في العقل العربي مستغلا حالة الحصار المالي التي اطبقت على الثقافة العربية .. فهناك حصار مفروض على انتاج الثقافة التي تحولت بالتدريج الى سلعة تباع وتشرى .. فكل صحفي لايكتب في السياق الثقافي الخليجي يستبعد وتذبل كتاباته ..وكل عمل فني لاتكون فيه اصبع خليجي يصاب بالاغتراب .. وصار المال يمسك بالعملية الاعلامية التي تتحكم بالشعار الثقافي والفكري .. وصار كل مثقف يجب ان يحج الى عاصمة خليجية ويدلي بقوله وثنائه عليها وكل فنان يجب أن يغني باللهجة الخليحية .. وصار بعض وزراء الثقافة العرب مطارزية عند شيوخ الخليج ومستشارين في أكبر اهانة وجرح غائر للثقافة والابداع .. ولكنه يقول صراحة .. ان الثقافة العربية في الأسر ..وتقف في القفص وقفة معاذ الكساسبة تنتظر الحرق أو الوأد ..

لذلك فان تحرير الثقافة من قفص الأسر الخليجي عملية شديدة الأهمية للبدء باعادة انتاج الوعي والمعرفة والوطن وبناء الانسان الذي تحول بعضه الى كلاب ضالة تنهش بلا رحمة من العراق الى ليبيا ..

لذلك .. لاتبحثوا عندما تصل أنصال الخناجر الى صدوركم عمن يمسك بالخناجر لأنكم تعرفونهم .. بل فتشوا عمن صنع لكم الدروع الضعيفة .. والسؤال هو هل كنا نتمتع بالحصانة والمناعة الكافية ونرتدي دروعنا الحديدية من الأفكار والتربية والاخلاقيات والمسلمات والقيم العليا عندما داهمنا هذا الربيع المتوحش؟؟

ولاتنسوا أن رأس الراعي في تل أبيب وجسده في استانبول .. ومخالبه في الاسلاميين .. وبيت ماله في قطر .. وروحه في السعودية .. وكل الباقي قطعان من الكلاب المسعورة .. كلاب يرعاها راعي الكلاب .. واضربوا رأس الراعي أو جسده تتشتت الكلاب ..

وأنفضوا الرمل عن الموءودة وعن عيونها وأذنها وشفتيها .. قبل أن تموت .. وقبل أن تلتهمها الكلاب .. فلا تبقى في الشرق الا أغنية الراعي المجرم فقط .. راعي الكلاب .. ونباح كلابه ..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير