لماذا تفقد حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية زخمها؟ -بقلم:د.عقل أبو قرع

13.09.2014 09:23 AM

بعد اقل من شهر منذ  بدء حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، بقوة وبزخم وبأندفاع، والتي كما نعرف بدأت في خضم العدوان على قطاع غزة، اصبح تصاعد هذه الحملات يتباطأ، واصبح بريقها أو زخم التأييد والدعم والامتداد لها يخبو نوعا ما، هذا بالرغم من الدعوات المتتالية ومن جهات عدة لمواصلة هذه الحملات، ورغم الاقتناع بأن عملية مقاطعة المنتجات الاسرائيلية لها فوائد، سواء اكان ذلك على الصعيد الاقتصادي أوالاخلاقي أوالسياسي أوحتى النفسي، الا ان الامل الذي كان مرجوا، بأن تخلو رفوف المحلات التجارية أو البسطات أو اماكن الباعة من بضائع اسرائيلية، والتي يوجد لها بديل محلي أو وطني لم يتحقق.

وكذلك الامل بأن تمتد هذه الحملات لتشمل مجالات اخرى بالاضافة إلى المواد الغذائية لم يأخذ الحجم المطلوب، ويبدو ان حملات المقاطعة هذه، وان لم يتم وبشكل سريع دراسة الاسباب والعوامل التي تعيقها أو تلك التي تحد من نجاحها، سوف تتحول مع الزمن إلى مجرد حملات كانت قد بدأت كرد فعل عاطفي سريع على العدوان على غزة، ولكن وبعد فترة، انتهى اجلها، أو خبا وميضها، كما حدث مع حملات أو دعوات سابقة، لها علاقة بالمستهلك وبالمنتج الوطني أو المحلي وبالمواد الفاسدة وببضائع المستوطنات وما إلى ذلك، وبالطبع  وحسب اعتقادي فأن هناك اسباب عديدة، تقف وراء ذلك، منها.

أولا، عدم وجود مرجعية أو اطار وطني شامل يقف ورائها، ينسق الخطوات، ويدرس الظروف والبدائل، ويحدد المعيقات والمشاكل، ويعمل على وضع الاسس الموضوعية لضمان استمرارها، أو امتدادها وبحذر إلى قطاعات اخرى، وهذا الاطار كان من المفترض ان يعمل على ارضية الفوائد أو الايجابيات التي يمكن ان تؤدي اليها مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، سواء على صعيد الفرد، اي المستهلك الفلسطيني، أو التاجر أو االقطاع الخاص أو القطاع العام، أو حتى على صعيد الاقتصاد بشكل عام، من انتاج وتشغيل وبطالة وتصدير وما إلى ذلك؟

وثانيا، المستهلك أو المواطن الفلسطيني، والذي هو اللبنة الاساسية لنجاح هذه الحملات، كما هو كان وسوف يكون حجر الاساس لنجاح  حملات اخرى، في الماضي أو في المستقبل، هذا المواطن، يبدو انة لم يتم التواصل معة وبشكل فعال، سواء من اجل توعيتة أو اقناعة بأهمية وبفوائد هذه الحملات، ولم يتم التبيان لة بأهمية المقاطعة من النواحي المختلفة، أو حتى ارشادة للبدائل المتوفرة،  تلك البدائل التي هو في حاجة اليها، اي البدائل التي يتم تصنيعها محليا، سواء اكانت  هذه البدائل منتجات غذائية أو دوائية أو مستحضرات تجميل أو مواد بناء وانشاءات أو خضار أو فواكة وما إلى ذلك، ويبدو ان اقبال الناس على المقاطعة في بدايتها، كان كرد فعل عاطفي على ما كات يحدث في قطاع غزة؟

وثالثا، هناك التاجر أو المستورد من الجانب الاسرائيلي، الذين لم يتم التواصل معهم أو الوصول اليهم، سواء من خلال مبادري أو منسقي أو ناشطي الحملات أو من خلال ممثليهم، وبالتالي واسوة بالمستهلك، لم يتم ارشادهم أو التبيان للتجار والمستوردين بأهمية حملات المقاطعة، وكذلك اعلامهم بوجود البدائل التي تتمتع بالجودة والسلامة والسعر المناسب، والذي يمكنهم من احضارها وعرضها في محلاتهم ومن ثم بيعها إلى المستهلك أو الزبون، الذي اعتاد على يتعامل معهم، واذا حدث وان قمت بزيارة إلى محلات تجارية في احدى المدن الفلسطينية هذه الايام، فأنك سوف تجد بضائع اسرائيلية من انواع مختلفة، واذا سألت التجار أو الموردين عن ذلك‘ فسوف تكون الاجابة بعدم وجود بدائل، أو بضعف الجودة، أو بأستمرارية طلب المستهلك للبضائع الاسرائيلية، أو حتى بعدم اقتناع التاجر بجدوى أو فعالية أو اهمية حملات المقاطعة؟

ورابعا، هناك المنتج الوطني، أو المنتج البديل للمنتج الاسرائيلي، والذي ولكي ينجح  كبديل، ومن ثم يبقى أو يستديم كبديل للمنتج الاسرائيلي، من المفترض ان يكون ذلك على اسس صحيحة، واهمها التركيز على الجودة أو النوعية، اي كفاءة وفائدة المنتج اسوة بالمنتجات الاسرائيلية أو المنتجات المستوردة الاخرى، وبالاضافة إلى الجودة أو النوعية، التركيز كذلك على سلامة أو على امان أو على عدم خطورة  المنتج الوطني ، ولتحقيق ذلك كان من المفترض العمل المتواصل من قبل الجهات المعنية، لترسيخ هاتان الصفتان للمنتج الوطني، اي الجودة والسلامة، في اذهان المستهلك الفلسطيني، والتاجر الفلسطيني والمنتج وصاحب القرار، مع بدء ومع مواصلة حملات المقاطعة، وهذا يبدو انة لم يحدث حتى الان؟

وخامسا، هناك المؤسسات أو الجهات أو الدوائر الرسمية، اي دوائر القطاع العام، أو دوائر السلطة، والتي هي من ضمن القطاعات الحيوية لنجاح حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، تلك الجهات التي من المفترض ان تساند أو ان تدعم وتواكب قرار المقاطعة، ومن ثم  توفر لة الغطاء السياسي والقانوني والعملياتي، وتلك الجهات هي التي تراقب وتفتش وتوفر الالية اللازمة للمتابعة، وهي الجهات التي تمنح التراخيص وتراقب المعابر وتتأكد من الالتزام بالمواصفات والشروط، ويبدو ان هذه الجهات لم تدخل بقوة وكما هو مطلوب، أو لم تكن بالصورة المأمول بها مع بداية وخلال حملات المقاطعة؟

وسادسا، هناك مؤسسات أو اتحادات أو اطر أو تجمعات القطاع الخاص بتنوعاتة، وبكافة امتدادتة، القطاع الخاص الفلسطيني الذي يحوي، الذي يستورد ويوزع ويبيع المنتجات الاسرائيلية، سواء اكانت منتجات غذائية أو ادوية أو مواد بناء وانشاءات أو حتى فيما يتعلق بالخدمات والتكنولوجيا وما إلى ذلك، وهو كذلك القطاع، الذي يتم التعويل علية بأن ينتج أو بأن يستطيع ان يوفر البدائل الوطنية وبالجودة وبالامان اللازمين وبالسرعة والفعالية المطلوبتان، في حال اختفاء المنتجات الاسرائيلية من الاسواق الفلسطينية، ويبدو ان هذا القطاع، أو بالاحرى الجزء الاكبر منة، لم يأخذ أو يخطط لان يأخذ دورة المطلوب من اجل نجاح حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية؟

وسابعا، هناك الحاجة إلى حماية المستهلك من خلال تحسين جودة المنتجات البديلة في الاطار القانوني أو التشريعي، والذي يتطلب وجود مواصفات فلسطينية، يتم تطبيقها والالتزام بها، مواصفات تلبي متطلبات وحاجات المستهلك الفلسطيني، وكذلك تحدد مقومات الجودة للمنتج، وتضمن بأن يتمتع بالسلامة والامان، سواء اكانت مواصفات تحدد وبوضوح نوعية وتراكيز مكونات المنتج، أو تحدد الية انتاج المنتج، أوتصف طريقة ايصالة بالجودة والسلامة إلى المستهلك أو إلى التاجر، وتلك التي تصف الية الفحوصات وتوثيقها والية المتابعة والتفتيش والية أو اجراءات الردع وتطبيق القوانين في حال عدم الالتزام، وما إلى ذلك من تفاصيل، وربما هناك بعض مواصفات بهذا الصدد، ولكن حملات التطبيق أو الالتزام بها، والتي كان من المفترض ان ترافق حملات تحسين جودة المنتج الوطني، يبدو انها لم تتم أو لم تأخذ الزخم المطلوب؟ 

وثامنا هناك الاسعار، أو التلاعب بالاسعار، وبدون رفابة أو اخذ الاعتبار لوجود رقابة، سواء من حيث رفعها، أو ربما تخفيضها واغراق السوق بمنتجات اسرائيلية باسعار رخيصة لابعاد المستهلك عن المنتجات الوطنية، كما يبدو انة حدث خلال اغراق السوق الفلسطيني بالخضار والفواكة الاسرائيلية، والادعاء انة لا يوجد بديل أو كمية كافية من الانتاج الوطني المشابة،  وكان من المفترض ان تعمل الجهات الرسمية والشعبية وبحزم في هذا الصدد لكي لا تتكرر أو تتوسع عملية اغراق الاسواق وبمنتجات مختلفة، وكان من المفترض ان يتم التعامل بشدة مع من يتحايل على حملات المقاطعة من خلال هذه الوسائل؟

وتاسعا، هناك الاطار السياسي العام، الديناميكي والمتحرك بسرعة وبشدة في بلادنا، أو الحساس لتحركات مختلفة من حولنا، والذي كان من المتوقع، انة قد يفيد أو قد يقيد نجاح حملات المقاطعة، سواء اكان ذلك اتفاقيات سياسية مكبلة أو احداث سياسية أو اقتصادية أو حتى ظروف اخرى لا نستطيع التحكم بها، والتي قد تؤدي إلى انتكاسات أو نجاح في حملات المقاطعة، وكل هذا كان من المفترض على حملات المقاطعة ان تأخذ ذلك  بعين الاعتبار، وبالتالي تضع استراتيجية بعيدة المدى، تتعامل مع هذه الظروف، أو التغيرات أو الواقع، ولكن يبدو ان ذلك لم يحدث؟  

وعاشرا، هناك وسائل الاعلام وبأنواعها المختلفة، والتي هي ضرورية لاستمرار ولنجاح حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، كما كان دورها هام خلال حملات مختلفة في الماضي، وكذلك من اجل ترسيخ ثقافة حماية المستهلك وفي بناء خطوط التواصل معة، سواء من خلال عملية صياغة أو تحرير الانباء التي تصلة حول سير عملية المقاطعة، أو حول اكتشاف واتلاف المواد الفاسدة من اغذية وادوية، أو التلاعب بالاسعار، أو وجود البدائل،  أو تلك المعلومات التي يحصل عليها بشكل مباشر، وهذا يشمل الصحف المحلية والاذاعات والتلفزيون، والاهم العديد من المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعية، ولكن يبدو ان وسائل الاعلام اكتفت بسرد الاحداث أو نشر بعض المقالات، ولم يحدث مثلا ان قامت احدى الصحف الفلسطينية بتخصيص صفحة أو صفحات تسرد نقاش، يبين فوائد ومعيقات واهمية حملات المقاطعة، أو حتر ترشد الناس إلى وجود بدائل أو منتجات وطنية يمكن ان تحل محل المنتجات الاسرائيلية؟ 

وبالتالي، ومن اجل ايقاف تباطأ أو حتى اندثار حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، من المفترض ان تعمل كافة الاطراف ذات العلاقة، سواء اكانت جهات رسمية أو مؤسسات شعبية، إلى تشكيل اطار يحوي خبراء ومختصين وناشطين، يعمل على وضع اسس موضوعية، تكفل الاستمرار والاستدامة والتوسع في حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، وبأن تشمل هذه الاسس توفير البدائل، والتركيز على جودة المنتجات المحلية، ومراقبة الاسعار، واعطاء الافضلية للمنتج الوطني، واجراء الفحوصات المخبرية، والتركيز على مواصفات وطنية تحمي المنتج المحلي، وكذلك تفعيل التواصل مع المستهلك ومع التاجر ومع المورد أو المستورد،  فيما يتعلق بنوعية واهمية حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير