"أنا مصري مع الانتفاضة" د..أحمد جميل عزم

03.09.2014 09:24 AM

كانت الثورات التي شهدتها دول عربية مثل تونس ومصر، فرصة لتغيير جماهيري كبير، ووضع أجندات حراك جديد. ويمكن القول الآن بعد سنوات، وفي زمن تعثر الثورات، وحدوث ثورات مضادة أو ثورات جديدة، والانزلاق إلى الحروب الأهلية، إنّ فلسطين كانت هي الغائب الحاضر في هذه الثورات. لكن النتيجة الأهم التي يمكن الخروج بها أنّ فلسطين لا تصبح جزءا من أجندة الحراك اليومي الشعبي إلا بفعل فلسطيني، وبمبادرة فلسطينية. ويحتاج الفلسطينيون إلى تذكّر هذه الحقيقة الآن بعد حرب غزة، سواءً في مسعاهم لتطوير التضامن العربي، أو لفهم محدودية التضامن العربي في الحرب الأخيرة.

كانت فلسطين الحاضر الغائب، بمعنى أنّها غابت ضمن أجندات المطالب اليومية. إذ يروي باحث وشاهد عيان مصري، أنّ خطيبا تحدث أثناء ثورة "25 يناير" (2011)، وصرخ "الشعب يريد إسقاط إسرائيل"، فرد عليه الشباب بهتاف "الشعب يريد إسقاط النظام"؛ رافضين حرفَ أجندة الحشد الجماهيري في ميدان التحرير.

في الوقت ذاته، هناك شبه اتفاق على أنّ انتفاضة الأقصى العام 2000 والتضامن معها، كانا في دولة مثل مصر بداية "عودة السياسة"؛ بمعنى أنّ الجيل الجديد الذي قاد ثورة "25 يناير"، بدأ في جزء منه، خطى التسييس وتعلم الاحتجاج والحشد الجماهيريين من بوابة التضامن مع تلك الانتفاضة. في الأثناء، حاول رجال سياسة في دول مثل سورية وليبيا استخدام القضية الفلسطينية في سياق منع الثورات في أراضيهم. فوجدنا في سورية استخداما مزدوجا؛ فالنظام والرئيس بشار الأسد يعتبران الثورة جزءا من مؤامرة خارجية صهيونية، أما ابن خاله رجل الأعمال القوي والنافذ رامي مخلوف، فيهدد في لقائه الشهير مع "نيويورك تايمز" بأنه من دون استقرار في سورية لا يوجد استقرار في إسرائيل، ما يعني ضمناً أنّ استقراراً في سورية يساعد الاستقرار في إسرائيل. وفي ليبيا، هدد معمر القذافي بأن صعود تنظيم "القاعدة" في بلاده سيؤدي إلى حرائق تصل إسرائيل، بمعنى أنه إذا منعت الحرائق عنده فذلك في مصلحة الإسرائيليين. وعندما وصل الإسلاميون إلى الحكم، وجدنا الرئيس محمد مرسي في مصر يرسل رسائل ود للرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز، ووجدنا القيادي الإخواني عصام العريان وقادة حزب النور السلفي يتحدثون مراراً عن احترام معاهدة السلام مع الإسرائيليين. كما أنّ راشد الغنوشي، قائد حركة النهضة في تونس (فرع الإخوان المسلمين هناك)، تحدث علنا في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي قائلا: "القضية الفلسطينية الإسرائيلية هي شأن فلسطيني بالدرجة الأولى، وشأن من يمثل الشعب الفلسطيني، سواء أكانت السلطة الفلسطينية أو أي ممثل آخر. وإذا قرر الشعب الفلسطيني التوصل لاتفاق مع الإسرائيليين، فلن تعود قضية أساسية للبلدان المسلمة الأخرى".

مثل هذا الخطاب واضح في الفصل بين فلسطين والأولويات الوطنية لكل دولة.

عندما حاول شبان حشد مليونيات في مصر للتضامن مع الفلسطينيين بعد ثورة "25 يناير"، حدث أمرٌ لفت الأنظار؛ وهو أنّ التظاهرات لم يخرج فيها سوى مئات. ولكن ما يستوقفني في صور تلك التظاهرات الصغيرة، على أهميتها واستحقاق أصحابها الاحترام، لافتة تقول: "أنا مصري مع الانتفاضة". ويجب أن أشير أنّي انتبهت لهذه اللافتة، واستحضرتها إلى سطح الذاكرة، وعدت أبحث عنها، رغم رؤيتي لها منذ زمن، بعد أن أخبرتني ناشطة فلسطينية تصادف وجودها في مصر إبّان حرب غزة الأخيرة -ما دفعها للمشاركة مع شبان مصريين حاولوا تنظيم حملات تضامن مع غزة- أخبرتني وهي تبتسم أنّ الشبان يواظبون على القول أثناء حديثهم، وبتلقائية "إنهم مع الانتفاضة"، ويرفضون التخلي عنها، رغم أن ما يجري "حرب" أو "عدوان" وليس انتفاضة.

لقد أصبحت فلسطين والانتفاضة في وجدان هؤلاء الشبان شيئا واحدا. وأهمّية ومعنى هذا أنّ الفعل الذاتي الفلسطيني، الذي يوجد فيه قدر من التنظيم الذاتي والجماهيرية، والذي يؤازره خطاب رسمي وفصائلي واضح إعلاميا، هو الذي يمكن أن يحرك الشارع العربي ويصنع فرقاً داخله، ومن دون وحدة فلسطينية داخلية وعمل شامل للقوى والتجمعات الفلسطينية، تصعُب رؤية نضج في حالة التضامن العربي مع فلسطين، أو رؤية فلسطين تتقدم على أجندة العمل والاهتمام العربيين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير