هكذا نجت "تفاحة" من مجزرة الدوايمة قبل 70 عاماً

30.10.2018 09:00 PM

رام الله- طن للأنباء- رولا حسنين: بالكاد حاولنا إقناعها بالتحدث أمام الكاميرا عن ماضي مؤلم كانت شاهدة عليه وناجية من تفاصيل الموت الذي حملته، قالت لنا بصوت الثمانينية المتعب، "هربت من الموت، كان عمري وقتها عشر سنين".

تفاحة العامري التي تبلغ من العمر 80 عاماً، لاجئة من قرية الدوايمة وإحدى الناجين من مذبحة نفذها الاحتلال الاسرائيلي بحق سكانها عام النكبة 1948، وفي التاسع والعشرين من كل عام، يستذكر لاجئو قرية الدوايمة المجزرة.

وطن التقت بالثمانينية تفاحة، والتي عبرت عن حزنها على تفاصيل لم تستطع بوحها إلا في السنوات القليلة الماضية، كي لا تظل حبيسة قلبها المتعب، وليظل للمجزرة حضورها التاريخي في عقول أحفادها وآخرين ينتمون للقرية يشتتهم اللجوء في فلسطين وخارجها.

تقول العامري والتي فقدت كل عائلتها في المجزرة وكانت الناجة الوحيدة بينهم "أبوي كان عنده غنم، اهل القرية عرفوا انه في دبابات في طريقهن النا، فكروهن جيش عراقي جايين يساندونا، وفي كل يوم جمعة كانت الناس تعمل سوق في قريتنا يجو عليه من قرى اخرى زي الفلوجية واللد وغزة، يوم المجزرة كان يوم جمعة، على وقت صلاة الظهر ارتكب جيش الاحتلال المجزرة، استشهد فيها اهل الدوايمة واهل القرى الي كانوا جايين يبيعوا او يشتروا من السوق".

تفاحة لـ وطن : هكذا هربت من الموت

وتضيف: الناس لما شافت القتل، صارت تحمل بعض اغراضها وتهرب، كثير نسوان حملن مخدات فكرنهن اولادهن الصغار، ورجال كانوا يحملوا فرش واواعي وحب قمح وعدس ويهربوا، بس الاحتلال جمع الناس وطخوهم واحد واحد، عدد كبير استشهد والي عاش كان جريح.

وبضحكة خجلة توات خلف تجاعيد وجهها الذي يروي عنها كل الحكايات، تقول تفاحة "أنا لما شفت المنظر، هربت، كان عمري عشر سنين، هربت أنا وبنت من عمري، ظلينا نركض والجيش يطخ علينا، بس قدرنا نهرب، لحتى لقينا شب من القرية، حملنا وظل يركض فينا لوصلنا لمغارة، دخلناها كان فيها عائلات من الدوايمة قدرت تهرب، وفي الليل بلشنا نمشي بعيد عن القرية والموت.

ولكن سرعان ما استحضرت الحزن، عندما تذكرت عائلتها التي استشهدت في المجزرة، لم يبقَ منها إلا تفاحة التي نجت من الموت بأعجوبة، حتى شقيقها الرضيع ابن الأشهر الثلاثة فقط، اسشتهد، ليصل عدد العائلات الذين قضوا شهداء من عائلة العامري الكبيرة، نحو أربعة عشر عائلة.

كالأمانة التي تحاول تفاحة أن تضع عنها حملها بل فوات الأوان، تعمد للحديث الى أحفادها الذين بلغ عددهم خمسة عشر حفيداً عن مجريات المجزرة التي لا يكاد يذكرها الكثير، ولم تبلغ الجهود الكافية لتوثيقها، لتظل حاضرة في وجدانهم.

محمد حفيد تفاحة لـ وطن : سنعود الى الدوايمة ولن نتنازل عنها

وطن التقت بمحمد حرب ابن الاثني عشر عاماً، وهو حفيد تفاحة لابنها، والذي أكد خلال مقابلته على أمنيته العودة الى الدوايمة، وأن جدته ما تلبث أن تخبرهم بالمجزرة التي حصدت ارواح المئات من سكان قريتهم المحتلة منذ عام النكبة، وأن مرور سبعين عاماً عليها لا يعني ضياعها أو إسقاط حقهم في العوة إليها، إنما كل عام يكبر أملهم في العودة والتحرير.

عداربة لـ وطن : أكتوبر شهر المذابح والدوايمة أبشعها

وللولوج في تفاصيل المجزرة التي ارتكبها الاحتلال ضد قرية الدوايمة، تحدثت وطن مع الباحث في التاريخ الفلسطيني أحمد عداربة وهو أحد لاجئي قرية الدوايمة ايضاً، والذي عمل جاهداً على توثيق الرواية الفلسطيني الشفوية لمهجري القرية والناجين من المجزرة، لتوثيقها في التاريخ الفلسطيني.

وقال عداربة: إن شهر أكتوبر- تشرين أول يمكن اطلاق عليه "شهر المذابح" التي ارتكبها جيش الاحتلال عام النكبة، حيث وثقت خمسة مذبحة نفذها جيش الاحتلال، كان أبشعها مجزرة الدوايمة، وذلك لعدة اسباب، حيث ارتكب الاحتلال أبشع وسائل القتل والتنكيل ضد سكانها.

ووفقاً لما بحثه عداربة، يشير الى أن العديد من الأطفال جرى قتلهم وتكسير جماجمهم بالعصي، كما وتم اغتصاب نساء من القرية، عدا عن اعدام الكبار في السجن باطلاق النار عليهم، وكذلك تنفيذ الاحتلال مجزرة في مسجد القرية أيضاً، والمسجد وفقاً للقانون الدولي مكان عبادة يجب تحييده في أي حرب، كما وأشار الى أن الاحتلال أجبر عدد من نساء القرية على القيام بخدمتهم لفترة زمنية ثم جرى قتلهنّ، عدا عن قيام الاحتلال باحتجاز 3 فتيات قاصرات من فتيات القرية، وعندما حاولن الهرب جرى اطلاق النار عليهن وقتلهن، وكذلك نسف بيوت على رؤوس محتميين فيها من مسنين ونساء وأطفال، فيما وثقت أيضاً عمليات اعدام لمسنين عبر ذبحهم، وكذلك شبان جرى القائهم في بئر بالقرية.

وحول أعداد الشهداء الذين ارتقوا في المجزرة، أشار الى أن العدد لا يمكن تحديده، حيث أن هناك شهداء كانوا قادمين من خارج القرية يوم المذبحة، يصب جمعهم.

ولما يطابق قول تفاحة أعلاه، فإن عداربة يؤكد أن المذبحة التي ارتكبها الاحتلال في سوق القرية حصدت نحو 110 شهيداً.

وأضاف عداربة: إن مفوض هيئة الأمم المتحدة زار القرية في أعقاب المجزرة، وقال أن رائحة الدخان تخرج من المسجد وروائح كريهة كانت ناتجة عن تراكم جثث المواطنين الذي تم قتلهم في المسجد، وكذلك فإن أحد الجنود وجه برسالة الى حكومة دولته آنذاك قال فيها: شاهدت الجنود وهم يغتصبون النساء ويقتلون الأطفال.

ورداً على سؤال وطن، حول وجهة الناجين من المذبحة، فإن عدداً منهم استقروا في أريحا مخيمي عقبة جبر والسلطان، وهي أكبر تجمعات للدوايمة بعد النكبة، وكذلك الى مخيم الجلزون، وكذلك الى الشتات.

وشكر عداربة الاسكتلنديين أصدقاء الشعب الفلسطيني الذين أقاموا نصباً تذكارياً في أهم حدائق أدمبرة في الذكرى السبعين للمجزرة، وأضاف أنه من المحزن جداً أن العرب لا يتحدثون عن أية مجزرة تعرض لها الشعب الفلسطيني، وطالبهم بالكشف عن ما لديهم من وثائق تؤكد استشهاد عشرات الفلسطينيين في مذبحة الدوايمة.

تصميم وتطوير