خالد .. حكاية حب ووطن لم يقتلها السجن

07.05.2017 06:06 PM

رام الله - وطن- وفاء عاروري: قالت: كنت في رحلة حين صادفته لأول مرة، ظل يحاول الحديث إلي وأنا أرفض، فما كان منه الا ان لحق بي إلى بيت العائلة، وطلب الحديث معي على الهاتف لأمر ضروري بعد ان زودني برقم هاتفه، أخبرت والدتي بذلك، فقالت: تكلمي إليه.. اتصلت به، وتحدثنا، وبدأت الحكاية.

لم يكن الأسير خالد صلاحات "54 عاما" يعلم بأنه أعجب بـ "بنت بلاده"، حين سرقته عينا زوجته سميرة الديك "49 عاما" وهو في عامه الخامس والعشرين، فكلاهما كان خارج الوطن في صيف العام 1988، حيث كان يعمل صلاحات الذي يحمل شهادة الثانوية العامة مديرا للمبيعات في احدى الشركات في الكويت، بينما سميرة كانت مصففة للشعر.

لم تطل فترة التعارف بينهما، فحضرت عائلة خالد من بيت لحم إلى الكويت، خصيصا لخطبتها، وتمت مراسم الزفاف دون احتفال في الكويت بسبب اندلاع حرب الخليج الثانية عام 1990، والتي بسببها اضطرت العائلة للانتقال للعيش في الأردن، ليقررا بعد ذلك (خالد وسميرة) اتمام اوراقهما اللازمة للعودة للعيش في فلسطين، حيث تسكن عائلة خالد، المحكوم 24 عاما في سجون الاحتلال، وقضى منها 11 عاما حتى اليوم.

خالد أكبر من الكويت

تقول سميرة: كنت أحب الكويت كثيرا، البلد التي نشأت فيها ودرست وعملت، ولكن حبي لخالد لم يكن يضاهيه حب في الوجود، فكوني معه خفف من حزني كثيرا لمغادرتي الكويت، بعد كل تلك السنوات.

وتضيف: ظلت حياتنا سعيدة وهادئة، وبدر "طفلنا الأول" زادها نورا وبهاءا، أخذ مني لون عيني "الأخضر اللامع"، ومن والده الرجولة والحنان.

فرحة لم تدم

فرحة خالد وسميرة كانت تكبر مع اتساع عائلتهما الصغيرة، التي انضمت اليها طفلتهما الجديدة هيا، قبيل اندلاع انتفاضة الاقصى عام 2000، والتي انخرط بها خالد مقاتلا في صفوف كتائب شهداء الاقصى، وتعرض خلالها وتحديدا في تشرين الثاني عام 2000 لمحاولة اغتيال كانت الاولى من نوعها باستهدافه من خلال طائرة حربية.

محاولة اغتيال خالد، استشهد فيها احد قادة الكتائب، وهو الشهيد حسين عبيات، والذي وصفه رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي بانه من اخطر "المطلوبين".

ليته ظل مطاردا

منذ محاولة اغتياله، لم يعد باستطاعة خالد البقاء في البيت، تقول سميرة: فقد طارده الاحتلال ست سنوات، كان خلالها يأتي الى البيت فجأة لساعات معدودة، أو حتى دقائق قليلة، يقبل فيها بدر وهيا، ويأخذ معه طفلتنا الثالثة "هبة" أكثرنا حرمانا من حضنه وحنانه، الى مكان اختباءه لتمضي معه يومين او اكثر قبل ان يعيدها الى البيت.

وتضيف "ليته ظل مطاردا، كنا على الاقل ننعم برؤيته ولو بين حين وآخر."

اعتقال بعد امتحان

خالد الذي لم يتوقف عن تلبية نداء الوطن، كذلك لم يغفل عن تطوير مستواه الاكاديمي فالتحق في تخصص الخدمة الاجتماعية بجامعة القدس المفتوحة في بيت لحم، رغم انه مطلوبا لقوات الاحتلال.

وتقول سميرة: كان خالد يخاطر بحياته لأمرين، نحن وجامعته، واعتقل وهو يجاهد في سبيل الثانية، فإبان خروجه من تقديم الامتحان النهائي لأحد المساقات الجامعية، نصبت له قوات الاحتلال كمينا على باب الجامعة ، واعتقل في وضح النهار.

لم يكن خالد الذي اعتقل في عام 2006، قد انهى سوى عددا قليلا من ساعات المساقات الجامعية، بسبب ظروفه، لكن اصراره وارادته لم تتوقف اذ اكمل تعليمه الجامعي اثناء اعتقاله، وحصل على شهادة البكالوريس.

حب خلف الزنازين

وكما احب خالد التعليم والوطن، لم يهدأ حبه لزوجته سميرة، التي افتتن بعينيها منذ اللحظة الاولى لرؤيتها، ولذلك كان الحرف الاول من اسمها باللغة الانجليزية مصلوبا على صدره، ليرافقه كحارس له.

تقول أم بدر: الاحتلال باعتقال خالد سلبني درة قلبي وحبتي عيني، سلبهما منذ 11 عاما، فكلما تشرق الشمس، ينقضي يوما في رحلة انتظاره.

 خالد الذي اعتقل حين كان عمره 43 عاما، سيكون عمره 67 عاما، حين ينهي حكمه البالغ 24 عاما.  ويتنسم هواء الحرية. انذاك سيكون اطفاله الصغار قد تخرجوا من الجامعة، وتزوجوا وانجبوا اطفالا. وربما سيخرج أبو بدر ليجد بدورا صغيرة هي أحفاده، تنتظره، لينادوا عليه "سيدو" فيعيش معهم طفولة وبراءة اطفاله التي لم يعشها.

45 دقيقة من الشوق

تحدثت أم بدر لـ وطن عن معاناتها خلال زيارة زوجها في السجون، حيث تخرج من البيت في ساعة مبكرة جدا من يوم الزيارة وتعود مساء، من اجل زيارة لا تزيد مدتها عن 45 دقيقة، تتعمد فيها ادارة السجون ان تخفض صوت الهاتف قدر المستطاع، كي تنغص اللقاء بين الأسرى وأهاليهم.

تقول أم بدر: تفتيش مهين ومعاملة قاسية ومذلة، وتأخير وانتظار طويل، والكثير الكثير من المعيقات ورغم ذلك لم أكن أتوانى عن زيارته أبدا، وحين قلص الصليب الاحمر عدد الزيارات من اثنتين الى واحدة شهريا، زاد الألم والشوق لرؤيته.

الأسرى بحاجة للمؤازرة

ام بدر لا تترك فعالية للأسرى الا وتشارك بها، ولا تفارق خيمة الاعتصام التي نصبت في بيت لحم منذ انطلاق اضراب الكرامة، إلا لطارئ ما، خاصة وأن زوجها الذي يخوض هذا الاضراب مع رفاقه، يعاني العديد من المشكلات الصحية نتيجة الاهمال الطبي الذي تمارسه ادارة السجون بحقهم.

تقول ام بدر حول الفعاليات المساندة للاضراب:  كلها تؤازرنا، كلها ترفع من معنوياتنا كأهالي أسرى، فالالتفاف الشعبي يعزز صمود اهالي الاسرى أكثر من صمود الأسرى أنفسهم.

هبة "آخر العنقود"، قاطعت حديث والدتها لـ وطن، حين جاءت والدمع يغرق عينيها، تقول: أبي لم يتناول دواءه منذ 21 يوما يا أمي.

هبة التي لم تعش مع والدها قبل اعتقاله الكثير ولا تذكر من تلك الحياة سوى القليل، دأبت منذ انطلاق الاضراب المفتوح عن الطعام منذ 17 نيسان على زيارة خيمة الاعتصام بعد عودتها من المدرسة، بينما بدر الذي هو الحضن الدافئ لثلاث نجمات، أخذ على عاتقه أن يمنحهن الحب والحنان ما يعوض عليهن ولو قليلا من حب والده، حيث يتابع دراسته في الجامعة الأهلية ببيت لحم، وسيتخرج دون عناق الفرح من والده، وكذلك هيا التي ارتبطت منذ فترة بشاب خلوق أحبته، وستزف اليه خلال الأشهر القادمة. فرحة منقوصة ستبقى في روحها، لغياب والدها، ستكتمل يوم خروجه من السجن ومعانقته مع طفلها، لتبدأ العائلة مرحلة جديدة.

 

تصميم وتطوير