تحقيق استقصائي لوطن: الاسترداد الضريبي يدفع المزارعين لفلاحة المستوطنات!

10.11.2020 04:55 PM

اتحاد المزارعين لوطن: وزارة المالية تضع "فيتو" ضد أي قرار لصالح المزارعين ونشعر وكأنها حكومة داخل حكومتنا

اتحاد المزارعين لوطن: القرار بقانون الاسترداد الضريبي الحالي غير قانوني ولا يحق للمالية أخذ عمولة من المزارعين على الملفات الضريبية

المالية لوطن: لم تتم مشاورتنا في قانون الاسترداد الضريبي عام 2018 واعترضنا عليه وما نقتطعه من رديات المزارعين رسوم إدارية فقط

المالية لوطن: سندعم حق الاسترداد الضريبي كاملا للمزارعين وعلى الزراعة دراسة ملف رديات مربي الثروة الحيوانية مع جميع الأطراف

الزراعة لوطن: لا يوجد مسوغ قانوني يسمح للمالية باقتطاع 5% عمولة بدل ملفات للمزارعين، وطالبنا بإلغائها

وطن- تحقيق وفاء عاروري: "بعد أن وجدوا أنفسهم وحدهم، مزارعون كثر تركوا أراضيهم وذهبوا للعمل في المزارع الاستيطانية"، بهذه الكلمات لخص محمد بشارات حال المزارعين أمثاله في الضفة الغربية المحتلة مع صدور قرار بقانون الاسترداد الضريبي للمزارعين لعام 2018م، الذي يتيح لوزارة المالية اقتطاع (30%) من قيمة الضريبة لمصلحة صندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية، وإذ تقر المالية بحق المزارع في المبلغ الضريبي كاملًا فإنها تدفع بالخلل القانوني، إلى وزير الزراعة سفيان سلطان باعتباره الشخص الذي حمل القانون المعدل إلى رئيس السلطة دون مشاورة المالية.

ويقول بشارات: "إن آلاف الدونمات صادرها الاحتلال بعد أن تركها المزارعون للعمل في المستوطنات الزراعية، بأجور وتحفيزات أفضل من الأرباح التي يجنونها لقاء زراعة محاصيل بأكملها"، متابعًا: "ويخسر في المقابل الكثير من المحاصيل نتيجة عوامل عديدة، أهمها الاحتلال أو عوامل الطقس، ويواجه مشاكل تسويقية كبيرة ومنافسة غير عادلة مع المستوطنين المزارعين، ولا يجد من يعينه ويقف إلى جانبه أمام كل هذه التحديات".
ويشير إلى أن المزارعين لم يجدوا إلى الآن من يقدم لهم حقوقهم على أكمل وجه أو حتى من ينقل صورة وضع القطاع الزراعي بشفافية ووضوح، "لذا فطبيعي أن يترك المزارع أرضه ويذهب للبحث عن قوت أطفاله".

المزارعون يطالبون الرئيس بدعم القطاع الزراعي

ويملك المزارع بشارات أرضًا مساحتها بين (400-500) دونمًا في سهل البقاع، بالأغوار الشمالية، ويزرعها سنويًا بالمحاصيل الأساسية، وهي ضمن الأراضي المهددة بالضم وفقًا للخرائط الإسرائيلية التي نشرت قبل شهرين.

ويطالب بشارات الرئيس محمود عباس، والحكومة الفلسطينية، والمسؤولين عن القطاع الزراعي، بتذليل المعيقات التي تواجه المزارعين، وإقرار سياسات حكومية داعمة للزراعة، على رأسها تعديل قانون الاسترداد الضريبي ليشمل مربي الثروة الحيوانية بشكل كامل، وإلغاء الخصومات على مزارعي الإنتاج النباتي من الضرائب المستردة وقيمتها (30%)، تذهب (25%) منها إجباريًا إلى صندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية الفلسطيني، و(5%) تذهب "عمولة" لوزارة المالية.

ويؤكد أن استرداد قيمة الضريبة كاملة تعد مجدية، فتكلفة الإنتاج الزراعي الفلسطيني تزيد (40%) عن تكلفته في المزارع الاستيطانية، كما أن الاستردادات الضريبية والدعم أعلى بنسبة (60%) عن الدعم الذي للمزارع الفلسطيني.

ويبدي بشارات أسفه تجاه المزارعين الذين لا يتلقون سوى وعودًا بالدعم والتعويض دون تنفيذ.

ويدعم المزارع عثمان العنوز رواية بشارات، بتأكيده أن الكثير من مزارعي الأغوار تركوا أراضيهم لمصلحة العمل في مزارع المستوطنات، مبينًا أن الأراضي المزروعة في "الجفتلك" تقلصت بشكل كبير عما كانت عليه سابقًا، وكذلك الثروة الحيوانية.

تقلص كبير في مساحة المحاصيل المزروعة في الأغوار

وذكر الرئيس السابق لمجلس قروي "الجفتلك"، أن المساحة المزروعة بالخضروات بلغت قبل (10) سنوات أكثر من (13) ألف دونمًا على الأقل، أما اليوم فلا تتعدى هذه المساحة (5) آلاف دونم فقط، "والبعض أصبح يتجه لزراعة النخيل على حساب الخضروات، لأنه يتطلب كمية مياه أقل".

أما عن انخفاض أعداد الثروة الحيوانية، فبين العنوز أن غلاء الأدوية والأسمدة وقلة الرقابة عليها، وشح المياه تسببت بانخفاض أعدادها خلال السنوات الماضية، مؤكدًا أن الكثير من مربي الماشية خسروا أغنامهم بسبب غش الأدوية، "فقبل سنوات كان لدينا (14) ألف رأس غنم، واليوم لا يتجاوز العدد (7) آلاف".

وعدّ الدعم الحكومي المقدم للمزارع الحيوانية دون المستوى المطلوب وموسميًّا، "وهو عبارة بركسات وبيوت بلاستيكية تعويضًا عن التي يهدمها الاحتلال، وغيرها من الأمور البسيطة"، لافتًا إلى أن تعديل قانون الاسترداد الضريبي ليشمل مربي الثروة الحيوانية سيشكل دفعة جيدة لهم رغم "كونه غير كاف".

ويعني قانون الاسترداد الضريبي المُقر عام 2008، إعادة استرجاع (16%) تمثل قيمة الضريبة المضافة المدفوعة على "مدخلات الإنتاج الزراعي"، مثل: الأعلاف، الأدوية البيطرية، المبيدات بجميع أنواعها، المباني والمعدات. وتدفع قيمتها إلى دوائر الجمارك والضريبة للسلطة الفلسطينية من خلال فواتير المقاصة الإسرائيلية.

جذور المشكلة

وتعود جذور المشكلة إلى عام 2012م، حين أوقفت الحكومة الاسترداد الضريبي عن قطاع الثروة الحيوانية، وإثر ثلاث سنوات من الضغط أعيد إعفاء مزارعي القطاعين النباتي والحيواني من ضريبة الدخل، وفقًا للقرار بقانون رقم (14) لسنة 2016م، بشأن تعديل قرار بقانون ضريبة الدخل رقم (8) لسنة 2011م وتعديلاته، وفق توضيح رئيس اتحاد المزارعين الفلسطينيين عباس ملحم.

وبين أن القانون دخل حيز التنفيذ في يوليو/ تموز 2016، وبعد أكثر من عام على التنفيذ عاد المزارعون إلى الاحتجاج على وضع وزارة المالية "العصا في الدولاب" ومماطلتها صرف المستحقات المالية، "وتحت الضغط تشكلت لجنة فنية من مدير عام دائرة المكوس والجمارك في المالية، ومدير الدائرة القانونية في الزراعة، واتحاد المزارعين، واتضح لنا بعد ثلاثة اجتماعات أن المالية تماطل ولم نحصل على شيء".

وعلى وقع حراك مجتمعي ومطالبات المزارعين صدر قرار بقانون عام 2018م، تبعًا لملحم الذي أوضح أن القانون يقضي بحق الاسترداد الضريبي للطرفين النباتي والحيواني، على أن يخصم إجباريًا من المزارعين (25%) لمصلحة صندوق التعويضات، و(5%) لوزارة المالية، أما في القطاع الحيواني فالصيغة كانت (50%) مناصفة بين الصندوق والمالية.

اتحاد المزارعين: قرار 2018 غير قانوني!

ويصف ملحم القرار بأنه "غير قانوني وبلا مسوغات قانونية"، متابعًا: "لا يجوز أولًا التفريق بين القطاعين خاصة في ظل غلاء الأعلاف، وثانيًا لماذا ستأخذ عمولة على حساب حقوق المزارعين؟"

ويشير إلى أن اتحاد المزارعين أعاد فتح الملف مع حكومة د. محمد اشتيه نهاية عام 2019م، الذي قرر تشكيل لجنة لدراسة تشريعات الاسترداد الضريبي مكونة من: وزارة العدل، والمالية، والزراعة، واتحاد المزارعين، والأمانة العامة، "وقد طلب الاتحاد انضمام اتحاد الفلاحين للجنة بصفته اتحادا في المنظمة، فأصبحت لجنة سداسية".

اتحاد المزارعين: المالية تغيبت قصدا عن الاجتماع الذي تمت خلاله صياغة مسودة تعديل القانون

ويفيد بأن اللجنة درست قانون الاسترداد الضريبي منذ بداية الاحتلال وحتى اليوم، وجرت نقاشات كثيرة حتى تمت صياغة قانون معدل لقانون 2018م، الذي تقول المالية إن نصه غير واضح، عادًا تغيب ممثل المالية عن الاجتماع "مقصودًا".

وصاغت اللجنة قانون استرداد ضريبي كامل للشقين النباتي والحيواني، تم رفعه إلى الحكومة حيث طلبت شهرًا للمداولات الداخلية، وفي منتصف فبراير/ شباط الماضي أوعز اشتيه لوزير الزراعة مناقشة القانون مع وزارة المالية، التي طلب وزيرها وقتًا من أجل مراجعته وعرضه على الدوائر، تبعًا لملحم، الذي أشار إلى أن تفشي جائحة كورونا في مارس/ آذار الماضي "علق التعديلات على قانون الاسترداد الضريبي، وما زال عالقًا لدى وزارة المالية".

اتحاد المزارعين لوطن: وزارة المالية تضع "فيتو" ضد أي قرار لصالح المزارعين ونشعر وكأنها حكومة داخل حكومتنا

ويصف ملحم وزارة المالية بأنها لها حق النقد الفيتو داخل المجلس الوزاري"، وأنها تستخدم هذا الحق أمام كل قرار يكون لصالح المزارعين، وهو ما عرقل العديد من القرارات التي كان من الممكن أن تحسن من واقع القطاع الزراعي لدينا، وقال: نشعر وكأنها حكومة داخل حكومتنا.

ويوضح أن وزارة الزراعة اقترحت أن يكون الاسترداد لمربي الثروة الحيوانية الأفراد كاملًا، وللشركات بنسبة (75%)، يقول: "ووافقنا بامتعاض من أجل تحقيق إنجاز وتقدم في القانون، ولكن مع الأسف المالية لم توافق على ذلك".

ووفقًا لملحم، فقد خاطب اتحاد المزارعين مجلس الوزراء قبل أسابيع، وأكد أنه إذا لم يتحرك الموضوع للأمام، "فانتظروا من المزارعين أن ينفجروا وينطلقوا في مسيرات عارمة، إلى أن ينفذ القرار أثناء المظاهرة" يضيف.

وأكمل: "هذه المرة سيكون المزارعون هجوميين جدًا نتيجة السياسات الحكومية العقيمة، فقد بلغ السيل الزبى ولم نعد نصدق أي وعود وأي كلمة تقولها المالية، ووجود وزير المالية في هذه الحكومة والحكومة السابقة، بحد ذاته مشكلة المشاكل".

الزراعة: لا يوجد أي مسوغ قانوني يسمح للمالية باقتطاع 5% عمولة من المزارعين

من جهته يعزو وكيل مساعد الإدارة والتخطيط في وزارة الزراعة، أحمد زكارنة، إلغاء الاسترداد الضريبي لمربي الثروة الحيوانية عام 2012م، إلى كون الملف مرهقًا ماليًا، "ولهذا وجد اعتراضًا من قبل وزارة المالية، ووزير المالية تحديدًا"، مؤكدًا أن اللجنة المشكلة بقرارٍ من رئيس الحكومة "اشتيه"، أجمعت على حق المزارعين في كلا القطاعين النباتي والحيواني بصفر ضريبة مضافة.

ويوضح زكارنة أن "المالية" تفاوض "الزراعة" على حصول مربي الثروة الحيوانية على (75%) من قيمة الاسترداد الضريبي، و(100%) لمزارعي القطاع النباتي، وتعديل قانون درء المخاطر ليعود اختياريًا، منبهًا إلى عدم توفر أي مسوغ قانوني يسمح للمالية باقتطاع (5%) عمولة بدل عمل ملفات للمزارعين، "وقد طالبنا بإلغائها".

وترفض المالية "الاتهامات الخطيرة" التي يسوقها اتحاد المزارعين بتحميل الوزارة مسؤولية ترك الكثير من أراضيهم في الأغوار أو عرقلة قرارات في مصلحة المزارع الفلسطيني، وفقًا لمدير عام الجمارك والمكوس وضريبة القيمة المضافة في وزارة المالية لؤي حنش.

المالية: ننتظر دعوتنا من قبل الزراعة لجلسة مراجعة "مسودة تعديل القانون"

وينبه حنش إلى أن مجلس الوزراء طلب من وزارة الزراعة، بعد مداولة القانون، دعوة اللجنة إلى جلسة لمراجعة الصيغة التي تم التوصل إليها، "ولا تزال المالية بانتظار دعوة الزراعة لهذه الجلسة"، وهو ما يؤكده وكيل وزارة الزراعة عبد الله اللحلوح، عازياً تأخير عقد الاجتماع لأزمة كورونا والأزمة المالية التي تمر بها الحكومة.

وقبل أن يُوضح حنش موقف المالية، نبه إلى عدم دقة المسمى المتداول "قانون الاسترداد الضريبي"، وإنما هو "قانون صفقات خاضعة بنسبة صفر، أو صفقات معفية، أو صفقات خاضعة بنسبة سارية"، والصفقات الخاضعة بنسبة صفر هي التي يحق للمشترك، سواء كان مزارعًا أو مربي ثروة حيوانية، أن يسترد ضريبة المشتريات التي قام هو بشرائها من أجل العمل".

ومضى إلى القول: "قانون ضريبة القيمة المضافة يلزمنا بإخضاع الزراعة النباتية للصفقات الصفرية، ما يعني أن جميع المدخلات وفواتير المدخلات والمشتريات الخاصة بالقطاع الزراعي، يستوجب عليها ردية ضريبية، وذلك لأنه عملية البيع للمستهلك تكون بنسبة صفر ضريبة، فهنا ضريبة المشتريات حق للمزارع، أما الثروة الحيوانية فتخضع بنسب سارية وليست صفرية".

المالية: سندعم حق الاسترداد الضريبي كاملا للمزارعين وعلى الزراعة دراسة ملف الثروة الحيوانية مع جميع الاطراف

ويؤكد حنش أنه وفي حال عقد الاجتماع فإن موقف المالية سيدعم حق الاسترداد الضريبي كاملًا للمزارعين، وألا يتم استقطاع أي نسبة من أموالهم، "أما فيما يخص الثروة الحيوانية، فعلى وزارة الزراعة، واتحاد المزارعين، ومجلس الحليب الفلسطيني، دراسة الملف والخروج برأي موحد، وبكل تأكيد وزارة المالية ستنفذ".

وتطالب المالية بضرورة أن يكون مجلس الحليب الفلسطيني شريكًا، لاعتراضه على تصفير ضريبة القيمة المضافة للثروة الحيوانية مما أضر بعملهم بشكل كبير، "فتجربة 2008-2012 كانت مريرة، حيث تبين أن هناك تلاعبًا وغشًا واستغلالًا كبيرًا من المزارعين، ببناء ملفات ضريبية لمزارع وهمية، لذلك صدر قرار عام 2012 بإلغائها".

ويقول حنش: "إلغاء ضريبة القيمة المضافة يجب أن ينعكس على السعر النهائي للمنتج، ولكن في التجربة السابقة لم ينعكس هذا الاسترداد على أسعار المنتجات الحيوانية بالمطلق، وهو ما تؤكده دراسة صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بأن أسعار اللحوم والدواجن في فترة استرداد الضريبة للمربين، كانت أعلى مما هي عليه اليوم".

كما يشدد على أن هذا الأمر يجب أن يكون أيضًا بالتعاون مع وزارة الاقتصاد من أجل تحديد الأسعار، "ففي النهاية إذا قررنا إلغاء ضريبة عن شيء ما، فيجب أن تزال عن دافع الضريبة ألا وهو المستهلك النهائي".

وزاد قائلا: "يجب أن نكون واضحين في هذه المسألة قبل اتخاذ أي قرار مستعجل وعشوائي، ودون أي دراسة أو مبررات تكون كأدوات قياس إذا نجحت نستمر بها وإذا لم تنجح نلغِها (...) المالية ليست ضد خضوع مزارعي القطاع الحيواني لصفر ضريبة، ولكننا مع التنظيم، فإذا تقرر أن يكون هناك إعفاء يجب أن تتحمل وزارة الزراعة مسؤولية رعاية المزارعين وتوثق المزارع بأعداد الخراف والأبقار والدواجن وكل ذلك".

المالية: لم تتم مشاورتنا في قانون الاسترداد الضريبي عام 2018 واعترضنا على ذلك

ويلفت حنش إلى أن وزارة المالية لم تُشاور في قرار بقانون الاسترداد الضريبي لعام 2018، "ولم نكن راضين بتاتا عن التعديل، ووزير الزراعة آنذاك سفيان سلطان، هو من حمل الملف وحصل على توقيع الرئيس على مسودة تعديل القانون، واعترضت المالية في حينه على كيفية تعديل ضريبة دون مشاورتها بالمطلق".

وينفي اللحلوح هذا الادعاء، مؤكدًا أن مسودة القانون صيغت بالتوافق بين وزيري الزراعة والمالية، ورفعت إلى مجلس الوزراء برضا الطرفين وتشاركهما، "ولكن لاحقا وبعد اعتراض المزارعين على هذا التعديل طلبت الزراعة من الحكومة تعديل القانون ليكون أكثر إنصافا للمزارعين، وعليه شُكلت لجنة وزارية، انبثقت عنها لجنة فنية، لتعديل القانون."

وفي هذا السياق يقول مدير عام الجمارك والمكوس وضريبة القيمة المضافة، إن سياسة المالية بشأن الاسترداد الضريبي لمزارعي الثروة النباتية وليس الحيوانية، "أن يأخذ المزارع الردية كاملة غير منقوصة بالمطلق، وهذا حق للمزارع وفقًا للقرار بقانون رقم (14) لسنة 2016، والذي نص على إعفاء المزارع إعفاء تامًا من ضريبة الدخل على صافي الأرباح، "وبما أن المواطن لا يدفع ضريبة قيمة مضافة على السلع الزراعية فمن حق المزارع استرداد الضريبة التي دفعها للدولة على المدخولات الزراعية ولم يستردها من المواطنين".

وبشأن صندوق درء المخاطر، ينبه حنش إلى أن الاقتطاع من قيمة الاسترداد الضريبي لمصلحة الصندوق كان لا يجري سابقًا إلا بموافقة خطية من المزارعين إذا رغبوا بالتأمين على منتجاتهم الزراعية، "أما بعد تعديل القانون بطلب وزارة الزراعة (2018)، وبناء على رغبتها أصبح المزارع مرغمًا على دفع (25%) من قيمة الاسترداد".

ويوضح أن قانون ضريبة الدخل المعدل لعام 2018 يمكّن مربي الثروة الحيوانية من استرجاع (50%) من قيمة ضريبة القيمة المضافة، على أن تذهب الـ(50%) الأخرى مناصفة بين الصندوق والمالية، ملقيًا بالمسؤولية على وزارة الزراعة التي أقرت قرار الاقتطاع، "فإذا رأت الصواب فيه، تصبح المالية جهة تنفيذية وليست جهة تشريعية"، وفق قوله.

ويلفت حنش إلى أن "المالية" تنفذ الاسترداد الضريبي منذ عام 2019م على أساس هذا القانون، وتعطي الأولوية فيه للمزارعين خلال مدى أقصاها (6) أشهر، في حين أن ملفات الاسترداد الضريبي لبقية القطاعات تصل إلى عامين في بعض الأحيان.

وكمثال على ذلك، يقول حنش أنه ورغم الأزمة المالية، صرفت الوزارة العام الماضي نحو (17) مليون شيكل استردادات ضريبية لنحو (200) مزارع منذ بداية العام حتى اليوم، وكذلك الأمر في العام 2020م، منوهًا إلى أنه وحين عدم اكتمال ملف المزارع الضريبي لدواعي التدقيق، "تصرف المالية (80%) من قيمة الاسترداد ويصرف بقية الحساب بعد التدقيق، حتى لا نعرقل الملف".

المالية: ما نقتطعه من "الرديات الضريبية" للمزارعين هي رسوم إدارية

وفي المقابل عدّ حنش الـ(5%) التي تقتطعها وزارة المالية على ملف الاسترداد الضريبي للمزارعين، "رسومًا إدارية فقط لا غير"، وفيما بدا تبريرًا غير منطقي، قال: "الاحتلال عند استلام أموال المقاصة يخصم على السلطة الفلسطينية (3%)، وهذا الاقتطاع من ملف الاسترداد لا يشكل شيئًا من القيمة التي يسترجعها المزارعون، فمعظمها صغيرة جدًا، وندرس رفعها عن مزارعي الثروة النباتية فقط وليس على أي قطاع آخر".

ويختلف الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم مع الحنش، حول أحقية المزارعين في استرداد ضريبة القيمة المضافة عن مدخلات الإنتاج الحيواني، مع تأكيده على ضرورة أن ينعكس هذا الاسترداد على الأسعار النهائية للمنتجات من لحوم وحليب وألبان وأجبان وغيرها.

لكنه في ذات الوقت يبين أن هناك مخاوف تحملها وزارة المالية فحواها ان يسترد بعض المزارعين ضريبة قيمة مضافة عن مبالغ لم يدفعوها في الحقيقة "وهمية"، مشيرًا إلى أن المالية تعتقد أن المستهلك هو دافع الضريبة الحقيقي وليس المزارع، وأن الاسترداد الضريبي يجب أن ينعكس على أسعار المنتجات، تمامًا كما يعامل المنتج الزراعي.

وخلص عبد الكريم إلى القول: "لا يوجد فواصل حقيقية بين العمل التجاري والزراعي في مجال الثروة الحيوانية، بالتالي هناك شكوى من وزارة المالية حول سوء استخدام القانون".

خبراء اقتصاديون: هناك تقصير حكومي كبير تجاه القطاع الزراعي

ويتفق الخبير الاقتصادي هيثم دراغمة، مع زميله عبد الكريم، حول أن عدم إعفاء المزارعين ومربي الثروة الحيوانية حتى الآن من ضريبة القيمة المضافة، يعد تقصيرًا حكوميًّا تجاه قطاعين مهمين للاقتصاد الفلسطيني.

ويعتقد أن الحكومة لم تفِ بالتزاماتها تجاه المزارعين، وهذا جعل المسؤولين العاملين في هذه القطاعات يبتعدون إلى حدٍ ما عن العمل في القطاع الزراعي لأسباب عدة أهمها: أن الحكومة لم تقدم الدعم الذي يحفظ قطاع الزراعة، ولم تنظر له كعامل قوة للاقتصاد الفلسطيني.

ويشير دراغمة إلى أن نسبة مساهمة القطاع الزراعي بإجمال الموازنة العامة والإيرادات العامة لا يصل (٨٪) وهذا الرقم مهول، خاصة وأن القدرة التنافسية مع الاحتلال في جميع القطاعات غير متكافئة، ولا تمكن المزارع الفلسطيني من الاستمرار.

ويؤكد أن مضايقات الاحتلال وتحديدًا في مناطق الأغوار الشمالية وأريحا وطوباس هدفها الرئيس ثني المزارع الفلسطيني عن البقاء في أرضه، وتفريغ المنطقة حتى يتسنى لسلطات الاحتلال إقامة مستوطنات والسيطرة على الأراضي الفلسطينية، "لذلك على الحكومة التعامل مع المخاطر الخاصة بالزراعة ككوارث طبيعية، وتأخذ على عاتقها دعم القطاع الزراعي".

خبير اقتصادي: صندوق التأمينات فارغ ويستدعي الإصلاح

وبشأن صندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية، فالحقيقة –وفق دراغمة- أن هذا الصندوق فارغ، ولا يوجد فيه أي رأس مال يذكر، "رغم أن رئيس الحكومة تحدث مرارًا عن دعم القطاع الزراعي لكن ذلك لم يحصل، فلا يزال المزارع الفلسطيني يعمل وحيدًا دون أي مساندة أو تدخل حكومي".

ويرى أن الحل الأفضل لإسناد القطاع الزراعي هو إعفاءات ضريبية كاملة واسترداد ضريبي بأسرع ما يمكن للمزارعين، ودعمهم ببنية تحتية قوية وأدوية ومستلزمات زراعية بأسعار منخفضة، "لنمكن المزارع من البقاء في الأرض وزراعتها وعدم هجرتها".

ويعمل صندوق درء المخاطر منذ عام 2015م، ويقول رئيس اتحاد المزارعين "إن الصندوق ومنذ إطلاقه لم يؤمن على القطاع الزراعي".

الصندوق يرد: قدمنا تعويضات بـ 42 مليون شيكل للمزارعين حتى الان

في حين تؤكد نائب رئيس صندوق در المخاطر والتأمينات الزراعية أديبة مصلح، على فاعلية الصندوق وقيامه بدوره بشكل قوي تجاه المزارعين، مشيرًا إلى أن إدارة الصندوق تعمل حاليًا على إعداد التأمينات الزراعية، "وفلسطين هي الدولة الوحيدة بين الدول العربية بعد المغرب، التي تعمل على صندوق للتأمين الزراعي".

وتظهر بيانات الصندوق أنه ومنذ عام 2018م وحتى اليوم، قدم تعويضات لـ(2353) مزارعًا تضررت مزارعهم بفعل اعتداءات الاحتلال، والمخاطر الطبيعية، بإجمالي أكثر من (42) مليون شيكل.

"أمان" تؤكد وجود بطء كبير في عمل الصندوق

وكان الائتلاف من اجل النزاهة والمساءلة "أمان" قد أجرى تقييمًا لمدى الالتزام بمعايير النزاهة في عمل الصندوق، خلص من خلاله إلى أن هناك بطء كبير في عمل الصندوق، حيث من المفترض بالهيئات الوطنية التي تنشأ أن يكون أداؤها أسرع وأفضل من الوزارات التي تتبع لها، وأن تستطيع تقديم خدماتها بشكل فعال وشفاف لجمهور المستفيدين، وألا تكون تكرارًا لتجربة الوزارة نفسها.

وجاء في التقرير الذي أصدرته أمان حول عمل الصندوق أن "الاستنتاج العام الذي خلص إليه التقرير هو ضرورة تحسن وتطوير منظومة النزاهة والشفافية والمساءلة في الصندوق، ويمكن لمجلس الإدارة اتخاذ العديد من الإجراءات، والمدخل الصحيح يكمن بتعديل قرار بقانون رقم (12) لسنة 2013م، بشأن صندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية، تحديدًا في إطار الحوكمة ودور مجلس الإدارة."

وجاء فيه أيضًا أن "التحدي الأهم في تعزيز منظومة النزاهة والشفافية في عمل الصندوق يقتضي إقرار العديد من السياسات واللوائح كمدونات ســلوك خاصــة بالعاملين في الصنــدوق ترتبــط وتقييــم أدائهــم مــن أجــل تحفيزهــم علــى الالتــزام بهــا لتأخــذ صفــة الإلــزام، بالإضافــة إلــى ضــرورة إقــرار سياســات واضحــة تمنــع تضــارب المصالــح، ســواء في التعيينــات أو في الاســتثمارات والمشــاريع المســتقبلية".

وأضاف التقرير: "كما يشكل توفير الأموال اللازمة مسألة مهمة في توفير خدمات أخرى للمزارعين كالتأمينات الزراعية وتنفيذ مشاريع استثمارية وخدمات الإرشاد الزراعي والإنذار المبكر، التي من شأنها أن تساهم في توسيع أنشطة الصندوق ضمن آليات استثمار واضحة وشفافة".

 

تصميم وتطوير