اليوم السابع والستون بعد المائة لحرب الإبادة على غزة، 21 مارس 202

زينب الغنيمي تكتب لوطن من غزة: يوم الأم في غزة، قبور الأمهات المنبوشة تستصرخ الرحمة لمن بقين على قيد الحياة

23.03.2024 01:44 PM

نحن المحاصرات في قطاع غزة تحت وطأة العدوان الصهيوني البغيض، اعتدنا ان نترحُم كل يوم على اللواتي والذين استشهدن واستشهدوا وقُتلن دون رحمة.

وفي يوم الأمهات اليوم، أتمنّى لكلّ الأمهات اللواتي أنجبن ومن لم يُنجبن أن يكنُّ بخيرٍ وصحّة،
وندعو بالرحمة والسكون لأرواح كُلّ النساء اللواتي نبش العدو الصهيوني قبورهنّ في غزة، وكذلك اللواتي استشهدن خلال هذا العدوان وورّين التراب في قبورٍ معروفة أو غير معروفة. وندعو بالخلاص والرحمة للنساء والأمهات اللواتي ما زلن مفقوداتٍ تحت الأنقاض، دون قدرةٍ على إيداعهنّ في مستقرّ الراحة الأخير.

لقد اعتدنا، نحن المحاصرات في قطاع غزة، أن تمرّ الأيام دون أن نحتفل بأي مناسبة، سواء أعياد الميلاد أو رأس السنة أو غيرها. كيف نفعل ذلك ونحن منشغلات بالحزن اليومي المركّب نتيجة الفقد لكلّ من وما نحب ولكلّ ما ارتبطنا به وكان يشكُل ذكرى حميمة على قلوبنا، بدءًا من جدران بيوتنا وأبوابها وشبابيكها وإطلالاتها، وبما تحتويه من ملابس اطفالنا وألعابهم وصورهم، وكذلك صدى أصوات من عاشوا ويعيشون معنا وخيالاتهم، وانتهاءً بأوقاتنا في أعمالنا وما حوته من ذكريات وتجارب من الصعب سرد تفاصيلها.

واليوم، في يوم الأمّ في منطقتنا، حيث شهر آذار/مارس يشارف على الأفول، نستذكر كيف كنّا كلّ عامٍ نهلّل لقدوم هذا الشهر باعتباره شهر المرآة، بدءًا من يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار مرورًا بعيد الأم في الحادي والعشرين منه، وانتهاءً بيوم أمّنا الأرض في الثلاثين من آذار. كما كُنّا في المؤسسات المهتمّة بشؤون النساء نتسابق للاحتفاء بهذه الأيام ولا ندّخر وسعًا لاتّخاذها فرصةً لرفع أصواتنا بما أنجزناه وما ننتوي استكمال النضال من أجله. ولكنّ هذا الآذار الحالي يمرُّ علينا كئيبًا حزينًا دون احتفاءٍ أو احتفال.

نشعر كلّنا بأرواح أمّهاتنا غاضبة وحزينة، فالعدوّ الفاشي قتل الموتى وأهانهم كما قتل الأحياء بقصفه للمقابر ونبش القبور وإقلاق راحة رُقاد الأمّهات الأبدي، وكذالك إقلاق راحة ارواح الشهيدات اللواتي تبعثرت بقايا أشلائهنّ سواء في قبورٍ جماعية معروفة أو غير معروفة. إنّ أرواح الأمّهات في قطاع غزّة تستصرخ الضمير العالمي الذي فشل في أن يرحمهنّ، ولكنّهن يطلبن الرحمة لمن بقين على قيد الحياة من النساء على الأقل.

إن ما يحدث في الواقع أن رؤساء وملوك وأمراء الدول في العالم يرون بأمّ أعينهم عنف وبشاعة ما تمارسه حكومة الحرب الصهيونية في قطاع غزة من وحشية في القتل والإيذاء والتشريد، ويسمعون بآذانهم صراخ الناس وشكواهم من على شاشات التلفزة، ولكنّهم لا يستجيبون لأنهم ليسوا أقلّ وحشية وفاشية من قادة الحرب، بل هم يقدّمون لهم الدعم اللوجستي والسياسي والمعنوي، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي بايدن الذي يبارك بكلّ وقاحة ما يقوم به القادة الصهاينة، وكلّ ما يُطالبهم به هو تقليل عدد القتلى. وفي نفس الوقت الذي يتجاهل فيه عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، يطالب بالإفراج عن حفنة من الجنود الصهاينة الأسرى في قطاع غزة. كما لم تخجل هيئة الأمم المتحدة وهي تحتفل بيوم الثامن من آذار (يوم الانتصار لحقوق النساء) أن تدين هذا الواقع الذي نعيشه نحن النساء في فلسطين من انتهاك لحقوقنا وكرامتنا على يد جنود الاحتلال الصهاينة والمجرمين.

إنني في هذا اليوم كما كُلّ النساء في غزّة أعتذر من أرواح أمي وعمتي وأختي وكلّ من ودّعن هذه الحياة سابقًا، بأنّنا لم نستطع حتى اللحظة من التحقّق من راحتهن في قبورهن أو إن كانت قبورهنّ قد نُكشت وتجرّفت ومعها تبعثرت أرواحهنّ العطرة.

كما أقول لكلّ الأمهات، من أنجبن ومن لم تنجبن من أرحامهنّ: فلتكنّ دائمًا بخير. وأقول كذلك لكلّ الفاقدات لأبنائهن وبناتهن، ستبقين أمهات لكل أبناء هذا الوطن، فلتكنّ دومًا بخير، ورغم أنف الاحتلال ستبقى أمهات فلسطين ونساؤها بخير دائمًا، وسوف يواظبن على إنجاب الحياة بكلّ أشكالها.

زينب الغنيمي، من مدينة غزة تحت القصف والحصار

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير