صلاح الدين موسى يكتب لوطن .. سحب التكليف او الاعتذار عنه هل هو الحل؟؟

18.03.2024 10:47 AM

الرئيس صمم على تكليف الدكتور محمد مصطفى وصمد امام كل الضغوطات، وقد تكون المقاربة التي قام عليها موقف الرئيس يستند الى ان امريكا تريد تغيير المنظومة بكل ما تحمل من حيث الطبيعة والتركيبة، اي فك رموز الشفرة الوراثية الوطنية للسلطة وبناء شيفرة وراثية جديدة، الرئيس قد يكون رضي بتغيير الجينات دون الشيفرة الوراثية للسلطة، وكأنه يعتقد انه بذلك يحمي المنظومة برمتها ما دام يتحكم في الشيفرة فكما غير التركيبة يستطيع فكها كما يشاء طالما ان الشيفرة الوراثية ان جاز التعبير بين يديه. لكن ما النتيجة، ببساطة معارضة جارفة لتكليف الدكتور محمد مصطفى ابتداءا من أوساط وازنة في حركة فتح الى حركة حماس التي تقود دفة العمل المقاوم والسياسي على السواء في هذه المرحلة بالاضافة الى الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة الوطنية وطيف واسع من الشخصيات الوطنية والمستقلة، ناهيك عن عدم رضى دول عربية عن تكليف الدكتور محمد مصطفى، اما الاردن فوافق مواربة، أما مصر فانها لم تعد تدفع كثيرا باتجاه السلطة وان جاملت في عدد من مواقفها.

عدد من المصادر سرب ان الطرح الاردني المصري والاماراتي السعودي الذي قدم للرئيس يتمحور حول اجراء مصالحة داخل فتح تشمل كافة التيارات من دحلان والقدوة ومروان وسلام فياض وكافة من تركوا الساحة إما اختيارا او جبرا بسبب الخلافات التي اجتاحت السلطة وفتح على وجه الخصوص خلال السنوات الماضية، الفرضية قامت من قبل الدول العربية ان مواجهة حماس وامتداد فعلها وتأثيرها ووقف مشروع التهجير من قبل اسرائيل لن  لا يكون الا بتوحيد هذه الصفوف،حتى يقبل العالم بالتعامل مع اطار شامل يمثل الفلسطينين على اوسع نطاق، على ما يبدو ان الرئيس لم يتعاطى مع هذا الطرح وعلى ما يبدو انه وافق جزئيا على عودة المشهراوي واكد انه ليس على خلاف مع تيار مروان ورفض عودة دحلان والقدوة وبكل تأكيد رفض التعاطي مع سلام فياض.

كما ان مصادر اخرى ادعت ان حماس غضبت جدا من الرئيس بعد زيارته للدوحة بعد ان تسرب لحماس ان الرئيس تحدث بقسوة تجاه حماس بالغرف المغلقة، مما ادى الى فشل الزيارة الى قطر، وكانت حماس قد ارسلت مع عدد من الفصائل حسب مصادر مطلعة برسالة خطية للرئيس ولحركة فتح  من خلال جبريل الرجوب في بداية الحرب توضح موقفها من القضايا كلها ومن ضمنها موضوع الحكومة.على ما يبدو ان ابو مازن لم يلتفت لهذه الرسالة وبعد عدم تحقيق نتائج طيبة لزيارته لتركيا حول ذات الموضوع وبعد اجتماعه مع ملك الأردن عاد الى رام الله واعلن رئيس الوزراء انه قدم استقالته للرئيس.

مقاربة الرئيس حول ما قدم له مكتوبا من قبل حماس قابلة فعل من دحلان على الأرض حيث اتفق مع حماس على انشاء الميناء البحري وباشرت امريكا بالتعاون مع كافة الأطراف بذلك. امام كل ذلك وبعد الموقف الصادر عن الكل الوطني برفض تكليف محمد مصطفى وما تبعه من اصدار بيان باسم حركة فتح أقل ما يمكن ان يقال عنه انه بيان أطلق النار على فتح قبل ان يضر حماس بل خدم دحلان أكثر من اي طرف اخر وقدم فتح وكأنها تدين عملها المقاوم منذ انطلاقتها الى يومنا هذا!!!
تكليف الدكتور محمد مصطفى في ظل هذه الظروف  سيضر بالرئيس ومكانته وقد يكون له تداعيات على وجود واستمرار السلطة برمتها وقد يكون الإصرار على ذلك يمثل فرصه لإسقاط السلطة ومن على رأسها من قبل الأطراف التي أصبحت تخاصمه اما سرا او علانية.لان فشل و/او افشال الدكتور محمد مصطفى سيعطى لمن عارض التكليف ان ياتي الى الرئيس قائلا لقد فشل خيارك والان عليك ان تقبل بالاسم او الاسماء التي نريد، عندها لن يكون امامه الا الموافقة او اننا سنكون امام مأزق جديد .ونقصد هنا امريكا على وجه التحديد التي تتعاون مع دحلان وتفرض شروطها على ابو مازن وتفاوض حماس،  وتضغط على العرب للتطبيع واخضاع حماس وكل ذلك حماية لإسرائيل
نتسائل من يقف مع الرئيس اليوم من الدول العربية، نجد ان السعودية والامارات ومصر وقطر ليست على وفاق معه ولا توفر للخزينة اية اموال ومواقفها السياسية بعيدة عن الرئيس بل ان الإمارات تقول وبشكل مباشر انها لا تريد الرئيس وتدعم دحلان ضد وجوده الذي رفع شعار لا عباس ولا حماس بعد انتهاء الحرب.

الفصائل الفلسطينية ضد ما اسمته التفرد من قبل الرئيس فحماس والجهاد والجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وفدا وعدد من قيادات فتح وطيف واسع من الشخصيات الفلسطينية في الداخل والخارج لا تتفق مع إدارة الملف الوطني من قبل الرئيس. الأردن تريد التغيير وغير راضية تماما عن سياسات السلطة الا انها تنسق معها لخطورة المرحلة وعدم رغبة الأردن في مواجهة سيل من التهجير من قبل إسرائيل. أما مصر فلا تقيم وزن للسلطة وتعتبرها جزء من التحديات وتتعاون مع دحلان أكثر وتتواصل مع حماس وترغب بان يكون لها دور استراتيجي وترى ان الرئيس لا يتعامل بمرونة مع الرؤية المصرية تجاه الازمة الحالية على ما يبدو.

اما اسرائيل فهي تقول ليل نهار ان الرئيس يدعم الإرهاب ويواصل التحريض ضد إسرائيل ولا تريد للسلطة ان تكون موجودة في القطاع بعد انتهاء الحرب وتتهمها بانها تدعم "الارهاب" اما امريكا وهي اللاعب الاهم والاكثر تأثيرا على سياسات العالم والعرب فانها طلبت من الرئيس اجراء تغييرات وتعيين نائب له وتعيين حكومة تكنوقراط واجراء اصلاحات في القضاء والأمن والمناهج التعليمية ووقف دفع رواتب للشهداء والاسرى ووقف التحريض ودمج الاجهزة الأمنية. اي ان امريكا تريد سلطة متجددة، اي استبدال ناعم لكافة المنظومة الوطنية بمنظومة تعمل وبشكل مباشر وفقا للنهج الأمريكي. اي ان امريكا تريد ان تحول ما حصل منذ اكتوبر من العام الماضي الى هزيمة نكراء بحق الشعب الفلسطيني وإعلان الاستسلام التام امام مطالبها. وكأن المتابع يدرك بان الرئيس منفردا يدير المشهد امام كافة الاطراف المحلية والاقليمية والدولية، فهل سيصمد ام سيتراجع او سيتم تحييده؟
ان كان هذا هو الواقع فلماذا الاصرار على الاستمرار بتكليف الدكتور محمد مصطفى، هل يعني تكليف محمد مصطفى ان الرئيس سينفذ الشروط الأمريكية الستة؟ ام انه سيبقى يناور على امل ان يحدث التغيير؟ وهل تكليف محمد مصطفى وإبعاد حركة فتح عن الحكومة والفصائل الفلسطينية سيمكنها من الاستمرار دون غطاء وطني جامع؟ كيف سيعمل الوزراء في حكومة محمد مصطفى في ظل هذه الظروف؟ وماذا عن الأموال وحجزها من قبل اسرائيل، فهل سيتم ضخ الأموال الى خزينة السلطة؟ وهل ستتوقف السلطة عن دفع رواتب العاملين في قطاع غزة؟ ام سترضخ الحكومة الجديدة الى المطالب الأمريكية من وقف دفع لرواتب الأسرى والشهداء وهل ستعمل على تعديل المناهج التعليمية؟ ما الجديد الذي ستضيفه الحكومة طالما انها لن تتمكن من العمل في قطاع غزة؟ كما انها لن تجد اي دعم من حركة فتح خاصة وان أوساط واسعة من حركة فتح غير راضية عن تشكيل الحكومة بعيدا عن الحركة؟ ماذا عن دحلان الذي بات عنصر نشط وعلى تواصل تام مع حماس ومع الأطراف العربية والإقليمية والدولية، هل سيرضى بالتعامل مع هذه الحكومة؟ وهو ينشط كثيرا في قطاع غزة في ظل هذه الحرب الشعواء بحق شعبنا. كيف ستعمل الحكومة وهناك قناعة لدى أوساط عديدة من ان السلطة والحكومة لا تكترث باهل غزة، وان ابناء غزة يشعرون انه يتم اقصائهم من قبل دائرة صنع القرار؟ فهل حكومة محمد مصطفى ستزيل هذه القناعات وتدفع بمشاركة أكبر لأهل غزة في الحكومة؟ وكيف ذلك والكل الوطني يعارض تشكيل هذه الحكومة؟ وستمنع الحكومة من العمل بغزة، سيما وان حماس أعطت الافضلية للتعاون مع دحلان بدل الرئيس والسلطة.

قد يكون أفضل قرار يمكن للرئيس ان يتخذه هو سحب تكليف الدكتور محمد مصطفى و/او الطلب من الدكتور محمد مصطفى الإبطاء في تشكيلة الحكومة لحين إنضاج الظرف الداخلي العام والإبقاء على حكومة اشتيه الى حين الاتفاق مع كافة أطياف العمل الوطني على تشكيل حكومة جامعة تحقق الأهداف الوطنية وتكون قادرة على العمل والانجاز. وان لا يتم اي تعديل الا بعد وقف العدوان حتى لا ينشغل الناس بأمر يخرج عن وقف نزيف الدماء في قطاع غزة.
قد يكون من الأفضل للدكتور محمد مصطفى الاعتذار عن التكليف حفاظا على مصالح الشعب الفلسطيني وتطلعاته، فلا وقت للتجربة والخسران وحان وقت العمل للنجاة بقضيتنا لذا فانني على ثقة بان سحب التكليف و/او التأخير في تشكيل الحكومة لحين إنضاج موقف وطني موحد و/او إيجاد صيغة لإدماج شخصيات متعددة التوجهات في الحكومة هو احد الخيارات وقد يكون  اعتذار الدكتور محمد مصطفى هو السبيل للارتقاء لخطورة المرحلة وحساسيتها .وان لا صوت يجب ان يعلوا على وقف الحرب والعدوان على شعبنا في غزة اولا والضفة ثانيا، وحماية المقدسات اساسا وباستمرار.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير