اليوم الخامس والخمسون بعد المائة للحرب على غزة 9 مارس 2024:

زينب الغنيمي تكتب لوطن:من صميم العدوان الصهيوني على مدينة غزة وما خلّفه من دمار، اندلعت حرب الفئران الكبيرة

17.03.2024 06:57 PM

قبل السابع من أكتوبر، كانت مدينة غزة جميلة، شوارعا نظيفة ومرصوفة، وشاطئ بحرها رماله صفراء، وشارع الرشيد يحلو للناس المشي فيه صباحُا ومساءً، والبيوت تعجّ بالسكّان سواءً في العمارات الشاهقة أو المنازل والڤِلل المتنوعة هندسيًا وفق كل منطقة. لكنّ العدوان الصهيوني الفاشي دمّر كُلّ شيءٍ؛ البيوت والشوارع والعمارات بحيث باتت غزّة مدينة خربة.

وبعد أن اجتاحها الجيش الإسرائيلي، ها هو الآن يجتاحها جيشٌ من الفئران والجرذان والعِرَس التي غزت البيوت المتروكة وتلك المدمّرة جزئيًا، فأينما تلفّت المرء يرى العِرس والفئران الكبيرة وقد تكاثرت بشكلٍ مخيف، وذلك بسبب تراكم القمامة في الشوارع ومنع جيش الاحتلال لسيارات البلدية من العمل سواء بقصفها مباشرة أثناء تحركها، أو بمنع إدخال الوقود لتشغيل الموجود منها. وتزايدت الفئران أيضًا أثناء تنقّل الناس من مكانٍ لآخر هربًا من القصف والاقتحام المفاجئ لجيش الاحتلال الصهيوني للأحياء، حيث لا يتمكّن الناس من إغلاق أبوابهم والشبابيك بإحكام عند تركهم البيوت اتقّاءً من قوّة القصف ودماره أثناء نزوحهم. وهكذا، أصبحت بيوتهم أو ما تبقّى منها مرتعًا للفئران والجرذان والعِرس التي عاثت خرابًا في البيوت، بما فيها من عفش خشبي أو في أدراج الملابس والخزائن.

عندما أخبرتني صديقتي منذ مدة أنّ بيتهم غزته الجرذان لم أتخيّل المشهد كثيرًا، وكذلك عندما روى لي حارس المبنى الذي به بيتي أن عددًا كبيرًا من العِرس تقف على الباب الزجاجي للمبنى كي تنتهز الفرصة للمرور للداخل. ولكن يبدو أنه عندما تضرّر جزءٌ من الزجاج استطاعت الفئران الكبيرة الدخول للمبنى بالفعل، وقد لاحظت بنفسي في زيارتي للمبنى قبل عشرة أيّام، أن الفئران الكبيرة دخلت إلى مقرّ إحدى المؤسسات.

ثمّ وأثناء زيارتي لشقّتي قبل يومين، وجدت أن الفئران قد قرضت جزءًا من الباب الخشبي ودخلت إلى البيت، ولذلك قررت القيام بحملة للقضاء عليها بمساعدة أحفاد قريبتي.

وبالفعل، بدأت اليوم معركتي مع الفئران، ولكنّني فوجئت بأنّ الأمر ليس سهلا بل يحتاج إلى جهد كبير، وقد اضطررت آسفةً لرمي حقيبةٍ كبيرة كنت احتفظ بداخلها بألعاب ابنتي فرح عندما كانت طفلة، لأن العِرسة استوطنت فيها وأنجبت عِرسًا أخرى، وقد حاولنا القضاء على الباقي منهم ولكننا ما زلنا مُضطرّين لخوض معارك جديدة في الأيام القادمة لننتهي من هذه المشكلة.

إن العدوان الصهيوني علينا مستمرٌّ بأشكاله المختلفة، بالقصف المباشر أو بالحصار المطبق بمنع الغذاء والدواء والمياه النظيفة، وها هو يأخذ هذه المرة شكلًا جديدًا، فبعد أن أحدث الخراب والدمار، جاءت تبعاته تنهش فينا: المرض، قذارة الشوارع، تدمير البنية التحتية، تكاثر الحشرات مثل البعوض والذباب، والآن اجتياح الفئران لبيوتنا.

أحزنني أنني أُجبرت بسبب الفئران الاستغناء عن الكثير من الأشياء التي لم أكن أودّ الاستغناء عنها لأنها جزءٌ من ذكرياتنا أنا وابنتي. وتامّلت كثيرًا في الأمر في طريق عودتي لمحل إقامتي الحالي، وحزنت أكثر والغصّة تخنق حلقي وأنا أرى أمامي العمارات والبيوت المدمرة كليًا وكم كان بها من السكان الذين لم يعد لديهم أماكن يأوون إليها، وبم تُراهم يشعرون الآن حيث انهار كل ما كانوا يملكون ولم يعد لديهم أيّة ذكرى، أو حتى كتاب نهشه فأر، أو باب قرضته عرسة.

وها نحن مع استمرار العدوان لا نعلم ما الذي سيأتي بعد وإذا كنّا قد استطعنا حتى الآن احتمال كلّ ما مررنا به من رعبٍ وخوف والاقتراب من الموت ثم النجاة وهكذا دواليك، ثم الفئران وقذارتها وتخريبها، فماذا يمكننا بعد أن نحتمل؟

زينب الغنيمي، من مدينة غزة تحت القصف والحصار

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير