اليوم الثالث والخمسون بعد المائة لحرب الإبادة على غزة

زينب الغنيمي تكتب لوطن:الحالُ في مدينة غزة وشمالها: صراعٌ يومي للحصول على الطحين والمعلبات

17.03.2024 05:23 PM

 المساعدات البسيطة والقليلة كمًّا ونوعًا، سواء الهابطة من السماء عبر المظلات أو القادمة من البر عبر الشاحنات، جميعها باتت الشغل الشاغل للناس كونها المصدر الوحيد الذي يمكنهم من خلاله التصدي للجوع الناهش في أجسادهم.

"الجوع كافر" مثلٌ شعبي يتردد في أكثر من بلدٍ عربي، ولكنه ينطبق فعليًا في مدينة غزة وشمالها إلى الحدّ الذي خلق مشاكل حقيقية بين الناس، وأثّر في العلاقات الإنسانية بينهم، وهو ما يُعدّ هدفًا رئيسيًّا من أهداف العدوان الصهيوني والسياسة الشيطانية التي يفكّر بها النازيّون الصهاينة، من خلال شدّ الخناق على الناس وتجويعهم لقتلهم وهم أحياء.

فلم يكتفوا بقتل المواطنات والمواطنين عبر القصف المدفعي والصاروخي، وتدمير ممتلكاتهم ودفنهم تحت أنقاضها، لأنّ هذا النوع من القتل خلق حالةٌ واسعة من التضامن الاجتماعي بينهم، فالتعاطف والتعاضد ضد الفقدان كان من أهم معالم العلاقات الإنسانية في قطاع غزة، حيث فُتحت البيوت على مصاريعها ليحتضن الناس بعضهم البعض توفيرًا للمأوى والحماية والأمن، والدعم الاجتماعي والنفسي لمن فقدوا وفقدن الأحبّة والبيوت. ولم يُسرّ العدو لهذا الأمر، فلجأ للأسلوب الأقسى، تجويع الناس وحرمانهم من لقمة الخبز وشربة المياه.

لقد زاد الأمر سوءًا في البداية بأن منعت حكومة الحرب الصهيونية دخول المساعدات لمدينة غزة وشمالها لفترة طويلة حتى نفذ كامل المخزون في الأسواق. وعندما بدأ الناس يشكون من فقدان المواد الأساسية، ادّعت حكومة الحرب الصهيونية أنّها سمحت بإدخال المساعدات، ولكن في نفس الوقت منعت المواطنين من الاقتراب من الشاحنات حيث أطلق الجنود الرصاص عليهم وقتلهم بالعشرات في مجازر بشعة، ولم يكن سهلًا على من يتضوّر أولادهم جوعًا أن يقفوا مكتوفي الأيدي، مما دفعهم للتزاحم من أجل الحصول على الطحين أو المعلبات، وهو المشهد الذي بات واقعًا مؤلمًا والذي خطّط له جيش الاحتلال، كي يتنصّل من جريمته النكراء ويدّعي أن الناس تدافعوا وسببوا الأذى لبعضهم البعض.

المؤسف أن الواقع يُشير إلى حقيقة لا يمكن القفز عنها وهي أن أيّ شخصٍ قد يصل به الحال من الجوع والحرمان ليكون على استعداد لقتل الآخر الذي يمكن أن يقف في طريقه للحصول ما يمكن أن يُبقي أطفاله أحياءً ويُبعد عنهم شبح الموت جوعًا.

اليوم وأنا في الطريق لزيارة بيتي وتفقّده، وأثناء حديثي مع السائق قال: "اليوم اشتبكنا في المنزل، أنا وإخوتي، عشان الطحين. أنا ما بحب المشاكل، لكن لمّا يوصل الأمر لحياة أولادي، فأنا مستعد أعمل أي شيء لأوفّر لهم الأكل. بس زعلت من أخويا لما قالي الطحين خط أحمر"، وأنهى جملته بـ" الله يلعن أبو الطحين اللي بيخلي الناس تكره بعض وتتزاحم، والله الجوع كافر".

هذا ما يسعى له الاحتلال، أن يصل الناس للمرحلة التي يكفرون فيها بالقيم الإنسانية والعلاقات الطيبة، وكذلك كي يضعوا اللوم على فصائل المقاومة باعتبارها مسؤولةً عمّا يمرّ به المواطنون والمواطنات من محنة الجوع.

نعم الناس في غزة يصبرون على ما ابتلاهم من محن وآلام، لذا لا يجب أن يصلوا لمرحلة يصعب معها الحديث عن تحمّل الجوع، وإن فعلوا فكيف سيتحمّلون ألم أطفالهم بسبب الجوع؟

زينب الغنيمي، من مدينة غزة تحت القصف والحصار

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير