حمدي فراج يكتب لوطن: "الرصيف المائي ملغّم و التكنوقراط في الامتحان".

15.03.2024 01:20 PM

وطن: سيتذكر الناس مجازر "الطحين الأحمر" و الرصيف المائي "الميناء المؤقت" ردحا طويلا من الزمن ، و سيكتشفون ان إسرائيل في حربها الابادية على غزة قد تجاوزت تحقيق أهدافها المعلنة (القضاء على حماس و إعادة المحتجزين) الى تحقيق ما هو ابعد من ذلك بكثير .

   تكثف الامر في الأسابيع الأولى او الأشهر الأولى في نزعة ثأرية انتقامية غرائزية تحت شعار "حق الدفاع عن النفس" الذي طال تدمير غزة دمارا مطبقا ، و لم يعد خافيا ان الهدف اصبح شأنا تاريخانيا "اسرائيلانيا يهودانيا توراتيا" صرفا ، ملخصه انهاء القضية الفلسطينية برمتها ، تمثل هذا في اجماعين كبيرين ، الأول رفض فكرة وقف "الحرب" على غزة ، حتى لو أدى ذلك الى قتل نصف المختطفين ، و الثاني رفض فكرة إقامة دولة فلسطينية حتى لو كانت على النمط الأمريكي منزوعة السلاح و الاستقلال و الحرية .
    بعد ستة أشهر تظهر فجأة فكرة الميناء المؤقت لتوصيل المساعدات الإنسانية بمبادرة أمريكية و مباركة عربية و موافقة إسرائيلية ، و رغم ان التنفيذ سيستغرق شهرين ، و التمويل عربي (اماراتي قطري) فالأولى ان يتم تدخيل الاف الشاحنات المنتظرة عند معبر رفح (المصري الفلسطيني) منذ عدة اشهر ، والأولى ان يتم استخدام ميناء اسدود الدولي الذي لا يبعد عن غزة سوى بضعة اميال بحرية ، و الأولى من هذا و ذاك ، هو وقف إجراءات التجويع حيث بدأ الناس يتساقطون جوعا وخاصة في صفوف الأطفال ، ناهيك عن محاصرة الجائعين الهارعين الى بعض الشاحنات التي سمحت إسرائيل بدخولها و رميهم بالرصاص .
    تدخيل مليوني وجبة طعام يوميا عبر الميناء الإنساني المزعوم ، يفتح شهية البعض الاشراف على توصيل هذه المساعدات ، فلو كان سعر الوجبة الواحدة عشرة دولارات (سعر ساندويش ماكدونالد) ، فإن الحديث هنا يدور عن عشرين مليون دولار في اليوم ، ما يزيد على نصف مليار دولار في الشهر . و جاء الموقف العشائري الذي راهنت عليه إسرائيل موقفا رافضا أبيا مشرفا ، ذلك ان العشائر تنتمي للشعب و الوطن ، لا للطبقة او للبنك ، كما ينظر الكثيرون ممن تاجروا في القضية و خبرناهم عن قرب خلال الثلاثين سنة الماضية .
   من بين من تم طرحهم لتسلم هذه المهمة القذرة ، بالإضافة للعشائر ، حركة فتح و الدحلان و الإدارة المدنية و جمعيات دولية و حكومة السويد و حكومة التكنوقراط التي تم ترسيم رئيسها قبل يوم او يومين فعليا ، اننا بالطبع لا نريد لهذه الحكومة ان تتورط في هذا الشأن الخلافي قبل ان تحصل على مرجعية وطنية تتمثل في منظمة تحرير موحدة تضم فصائل المقاومة و بالتحديد حركتي حماس و الجهاد الإسلامي ، و ان استناد هذه الحكومة التكنوقراطية الى جيش فلسطيني يتم اعداده أمريكيا لن يغير من طبيعة المهمة و ما تنطوي عليه من مخاطر و تعقيد . و لو كان المقصد سليما و نظيفا ، فإن أهل غزة القادرون على مجابهة إسرائيل و أمريكا  بأرواحهم و امعائهم الخاوية و ارادتهم الحرة ، قادرون بالتأكيد على توزيع مساعدات ، و خصوصا انها مغمسة بدمهم ، الدفاع المدني قادرعلى ذلك ، البلديات ، لجان محلية في كل قرية و مخيم و شارع .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير