اليوم التالي لما بعد الحرب

14.03.2024 01:58 PM

كتب: المحامي فراس كراجة

سنة 2002 حاصر الاحتلال الصهيوني مخيم جنين وهجر اهله وهدم البيوت وارتكب المجازر وقتل مجموعة المقاومين الذين كانوا يتحصنون داخله بعد اشتباكات استمرت الى ما يقارب 18 يوما.

قاوم الفلسطينيون حينها باسلحتهم الخفيفة والمحلية الصنع اقوى جيش في الشرق الاوسط ومن خلفه المؤامرة العربية الرسمية والتي كانت في حينه ذكية ومتسترة وتتصنع الالتفاف حول الفلسطيني في مواقفها وتصريحاتها ومؤتمراتها وكان الكثير من الفلسطينيين يعتريهم السخط من هذه المواقف الضعيفة الا انهم كانوا مختلفين في إن الموقف العربي جبان ولكنه لم يرقى الى حقيقة انه يريد لاسرائيل البقاء والانتصار.

كانت اكبر هواجسهم ان الموقف العربي جبان ومتخاذل ويمتنع عن اي موقف ضد "اسرائيل" خشية من امريكا والناتو، الا انه لم يكون يستطيع احد الجزم بان النظام العربي يحتاج "اسرائيل" وسوف يدافع عن وجودها مثل امريكا.

دعني اقول بان الجيش الموجود للسيطرة على الشرق الاوسط وتأديب اي قوة تخالف الناتو ومصالحه انتصرت وحققت اهدافها ولو بصعوبة وبايام كثيرة، وكان من منطق الامور ان يصبح مخيم جنين وساكنيه اكثر الناس خوفا وكرها لاي فعل مقاوم من داخل مخيمهم وكان من المتوقع ان يذهب الناس الى ترسيخ فكرة العمل والبقاء وحماية بيئتهم من اي شخص قد يعيد لهذا الجيش المجرم مبررات العودة للتدمير والقتل والتهجير في المخيم.

ومرت الايام والسنوات والمخيم يضمد جراحه ويربي ابناءه ويعيد بناء بيوته وجدرانه ويحصن حارته بصمت وبعد ما يقارب 18 سنة وبصورة مفاجئة للجميع الا للفلسطيني وفي وقت قصير مقارنة بحجم المأساة التي عاشها الناس ، عاد المخيم الى تصدر المقاومة المسلحة من خلال شبان كانوا عند حدوث المجزرة اطفال ذاكرتهم هي كل ما لديهم من العقل. عادوا على ذات النهج ولكن بصورة اكثر جرأة من اخوانهم واشد قوة وتطور واندفاع.

هذه الحقيقة التاريخية وسرديتها الواقعية تنطبق بصورة حتمية في غزة وبالقياس على ما مضى من مجازر واغتيالات كثيرة على مر السنوات والصراع رأينا انتاجيته في اسماء الشهداء في معركة 7 أكتوبر وايامها المتتالية وكيف نجد ان المقاومين والمندفعين الى عالم العبور هم ذاتهم ابناء تلك المجازر واحفاد تلك المعاناة واسمائهم امتداد اسماء الشهداء الأولين.

هذا يقودنا الى اليوم التالي لحرب التحرير الاولى، ساقول اسوأ ما يمكن ان تنتجه هذه الحرب للفلسطيني وهو ما أستبعده انا مطلقا ، الا انني وعلى طريق الواقعيين العقلانيين ساسير مجبرا غير مؤمن أن المقاومة قد هزمت وقضي عليها وسقط كل قياداتها وتم احتلال قطاع غزة وتعيين حكومة ارتباط مدني وتنسيق امني، فهل هذا يجعل من سكان القطاع وملايينه كافرين بالمقاومة نابذين للسلاح شاكرين للاحتلال ناظرين الى مستقبل يسوده الذل بطعم الرغيف ؟!! هل سيكون سكان قطاع غزة مختلفين جينيا وفكريا عن شعوب العالم وعن اخوتهم في مخيم جنين ؟!

لا يا عزيزي المتفائل، إن اول يوم ما بعد الحرب هو اول يوم في طريق تشكل قوة فلسطينية تسعى الى المقاومة المسلحة وتجند ابناء هذه المعاناة واطفال هذه المجازر لتشكل بهم عبور اخر وقد يكون الاخير نحو 7 اكتوبر قد لا يوقفه سوى اسوار عكا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير