ميزان الرهان في رمضان .. غزة تدفع مزيداً من الأثمان

12.03.2024 11:12 AM

كتب :فادي أبو بكر

لم يكن فشل وساطات التهدئة قبل رمضان الذي تبع تعثّر العملية التفاوضية المستمرة في قطاع غزة أمراً مستغرباً في ظل التباينات الكبيرة ما بين حركة حماس والاحتلال الاسرائيلي، وسعي الأخير لتحرير المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس دون التراجع عن حربه التي يشنها على قطاع غزة. هذا فضلاً عن الحديث المتزايد حول خطة إسرائيلية للهجوم على رفح التي تؤؤي نحو مليون ونصف من المدنيين النازحين من مختلف مناطق غزة.


كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد أمر الجيش الإسرائيلي بداية شهر شباط/ فبراير 2024  بالتحضير لشن هجوم على مدينة رفح، وما زال حتى تاريخ كتابة هذا المقال، يؤكد على التنفيذ بالرغم من التحذيرات والدعوات الدولية المختلفة لثنيه عن الهجوم.  فيما هدّد عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني جانتس على هامش خطاب ألقاه في القدس خلال مؤتمر رؤساء كبريات المنظمات اليهودية الأمريكية بتاريخ 18 شباط/ فبراير 2024  بالهجوم على رفح إذا لم تطلق حركة حماس سراح الرهائن بحلول شهر رمضان، مؤكداً بأن "القتال سوف يستمر في كل مكان، بما في ذلك منطقة رفح، وبطريقة متسقة لتسهيل إجلاء المدنيين، وبالحوار مع الأميركيين والمصريين، لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين في قدر الإمكان" ، وأضاف بقوله أن "حماس لديها خيار الاستسلام وإطلاق سراح الرهائن، وهكذا يمكن للمدنيين في غزة الاحتفال بشهر رمضان المبارك".


ويدلّل تحذير الوسيط المصري في خضم المحادثات الجارية بتاريخ 27 شباط/فبراير 2024، من "العواقب الكارثية" لهجوم إسرائيلي على رفح" والتنديد بـ"حالة الاستقطاب التي يعاني منها النظام الدولي وآلياته"، على التواطؤ الأميركي والغربي الكبير مع الاحتلال الإسرائيلي، وعلى أن مسار المحادثات يسير وفقاً للمقاس الذي يناسب نتنياهو، ومصلحته باستمرار العدوان على القطاع. ويعزز ذلك ما قاله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في لقاءه مع بيني جانتس بتاريخ 5 آذار/مارس 2024، بأن "إسرائيل عليها أن تعد خطة لإجلاء السكان المدنيين من مدينة رفح قبل أي عملية عسكرية محتملة".


يؤكد هذا التصريح على مدى التواطؤ الأمريكي مع اسرائيل في حربها على قطاع غزة، وأن الضغوط المتخيّلة التي مارستها الولايات المتحدة على اسرائيل تمت من خلال أدوات مستهلكة، ولإرجاعها إلى المحادثات ليس أكثر، حيث أن قلب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته بلينكن مع إسرائيل، ولكن رؤوسهما في الحسابات السياسية وتصريحاتهما الخبيثة هي تخوفاً من خسارة أصوات العرب والمسلمين في الولايات المتحدة. ويتشابه هذا التصريح في مضامينه المدللة على مدى التواطؤ مع الكيان الإسرائيلي بتصريح بلينكن السابق، الذي أكّد فيه أن "رؤية  واشنطن تشمل رفض التهجير القسري للمدنيين في غزة".

فما يجري على الأرض عملياً هو  لجوء من يستطع من سكان قطاع غزة إلى الهجرة طواعيةً، بفعل الدمار الكبير الذي لحق بكل مقومات الحياة الآدمية في القطاع.


في سياق ما تم ذكره، وما ذكرته القناة 12 الإسرائيلية أنه "مقارنة مع 12 كتيبة من جيش الاحتلال الإسرائيلي تنتشر حاليا في قطاع غزة، نشر جيش الاحتلال نحو 23 كتيبة في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، وقرر كذلك تعزيز "فرق الاستنفار"،  يبدو أن الاحتلال الاسرائيلي يراهن على أن التصعيد العسكري في شهر رمضان في كل من الضفة وغزة وحتى القدس، من شأنه أن يثير حالة من الجدل والضغط الداخلي في الأوساط الفلسطينية، بما يحقق الشروط والأهداف الامنية والسياسية لإسرائيل وحلفائها في الغرب قدر الإمكان.


وفي المقابل، يراهن مسؤول حركة حماس في غزة يحيى السنوار، على أن شهر رمضان سيخدم مصالح حماس، من خلال تكثيف الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل لوقف عدوانها، وأن التصعيد الإسرائيلي قد يوسّع دائرة الصراع إلى ما أبعد من غزة ، وذلك وفقاً لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال". 


والأخطر من ذلك كلّه، ما كشفت عنه صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية، حول خطة يطبخها نتنياهو حالياً تقوم على بقاء إسرائيل في قطاع غزة لمدة تصل إلى 10 سنوات، تقضي فيها على حماس والمقاومة، مع استبعاد أي سلطة فلسطينية في القطاع، ولا يمكن أن يكون نتنياهو قد فكّر في خطّة شيطانية كهذه، دون وجود بيئة إقليمية ودولية حاضنة لها أو متراخية تجاهها على أقل تقدير.
في الختام، يمكن القول في ميزان الرهان في رمضان، أن المؤشرات للأسف تقود إلى أن غزة ستدفع مزيداً من الأثمان، وإن كان رهان الثالوث الأمريكي-الغربي- الإسرائيلي، على أن حراك الشارع  والرأي العام الدولي بات منحسراً مع مرور الأيام ، فإن التركيز الآن يجب أن ينصب نحو تنشيط الدبلوماسية الإعلامية والرقمية، بما يضمن تكاملها مع الدبلوماسية الشعبية والرسمية، وإعادة تنشيط وتوجيه الإعلام الدولي والرأي العام الدولي للضغط على هذا الثالوث الخبيث بكافة تمثلاته، وتشكيل حالة ضغط دولي تفضي إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، كأولوية فلسطينية وشرط إنساني بالدرجة الأولى.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير