د. جورج جقمان يكتب لوطن..معضلة إسرائيل في "اليوم التالي": السلطة الفلسطينية منقذا؟!

21.10.2023 01:03 PM

منذ أن أعلن قادة إسرائيل انهم "سيقضون على حماس"  كان من الواضح أنه سيكون لديهم مشكلة تتلخص في من سيحكم غزة ويتولى شؤونها كافة، والأهم من هذا بالنسبة لهم، من سيحفظ "أمن إسرائيل"، أي أن يتحمل مسؤولية كل قذيفة تطلق من غزة على إسرائيل، مهما كان مصدرها، كما كانوا دائما يسعون لتحميل حماس المسؤولية بصفتها السلطة القائمة.

وبعد حوالي أسبوع من 7 أكتوبر بدأ هذا السؤال يتردد على ألسنة الدول الأوروبية والولايات المتحدة أيضا، وبعد ذلك في الصحافة الغربية. ولم يكن هناك جوابا شافيا في هذه المرحلة، بل كان هناك تخبطا في الإجابة. فمثلا صرح في فترة لاحقة وزير دفاع الكيان أنهم سيقيمون سلطة مدنية وعسكرية جديدة في غزة، ولكن لم يجد هذا التصريح صدى في الغرب نظرا لمعرفتهم أن هذا كلام فقط ومن غير الواضح من اين سيأتون بهذه السلطة ومن سيرضى أن يكون فيها بعد كل هذا البطش والقتل والتدمير وجرائم الحرب المرتكبة.
ثم بعد ذلك بفترة ظهرت أصوات محللين من مؤسسة دراسة الأمن القومي في جامعة تل ابيب، وجنرالات متقاعدين إسرائيليين، ومؤخرا وزير الأمن القومي تساحي هانجبي، أن الحل الأمثل هو تسليم غزة للسلطة الفلسطينية. ولم يسأل أحد منهم على ما يظهر ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستقبل بهذا.

ومن الواضح أن السلطة الفلسطينية لن تقبل أن تأتي إلى غزة على "ظهر دبابة إسرائيلية" كما يقال، خاصة بعد كل هذه الجرائم والقتل والدمار، وأن يقال للسلطة: تفضلوا واستلموا وعليكم مسؤولية الإعمار، ليس فقط الدمار الكبير الحاصل بعد العدوان الحالي، بل ايضا الدمار الذي ما زال ينتظر إعماره من عدوان العام 2014 وما بعد. ويضاف إلى هذا حفظ "أمن" إسرائيل وتحمل مسؤولية ذلك. السلطة الفلسطينية كمنقذ؟ سبحان مغير الأحوال.

هذه لحظة من أتعس لحظات "سموتريش" وزير المالية في حكومة اقصى اليمين الذي كان يكن العداء الصريح للسلطة الفلسطينية وكان يريد استبدالها بستة "بلديات" تعنى بالخدمات فقط، دون أي بعد سياسي  كما هو الحال مع السلطة الفلسطينية التي ما فتأت تتمسك بحل الدولتين. وموقفه هذا معروف وكما جاء في خطته التي نشرت قبل عدة أعوام، وما زال يتمسك بها.

لا بد أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي ساندت "إسرائيل" في العدوان الحالي يعرفون ذلك. وهم لا بد أنهم يعرفون أيضا أنه بالرغم من شراسة وفظاعة هذا العدوان، إلا انه "يصرخ" طالبا حلا سياسيا يرضى به الفلسطينيين. وبالنسبة للولايات المتحدة على وجه الخصوص، والتي لم يمل رئيسها "بايدن" من ترديد عبارة "حل الدولتين"، أن هذه المأساة الكبيرة هي أيضا فرصة لهم  للعمل على حل سياسي ذلك أن هذا العدوان الكبير أثار الموضوع الفلسطيني برمته بشكل صارخ وملح أيضا. والولايات المتحدة في وضع قوي بعد كل هذا الدعم السخي للعدوان أن تأخذ المبادرة والعمل على حل سياسي مقبول للفلسطينيين وليس أي "حل" مرحلي آخر.

لكن لم تظهر اية إشارة حتى الآن نحو هذا الإتجاه خاصة أن الرئيس "بايدن" عينيه على الإنتخابات الرئاسية القادمة، والحزب الجمهوري المنافس الذي معظم أعضائه "أسرى" للوبي الصهوني، إضافة لمعظم مستشارية الرسميين القلقين فقط على "إسرائيل"، الأمر الذي أثار شبه ثورة داخلية في وزارة الخارجية الأمريكية إزاء موقف الولايات المتحدة في هذا العدوان، والذي ظهر منها علنا استقالة مسؤولين إثنين. لكن بعض الصحف الأمريكية كتبت عن الوضع الداخلي هذا في وزارة الخارجية مع ذكر عدد من أسماء مستشاري الرئيس "بايدن" الصهاينة. 

لا يوجد أي مؤشر حتى الآن أن الولايات المتحدة ستسعى جادة باتجاه حل سياسي. وقد يصل النفاق مداه إن ردد الرئيس "بايدن" أو وزير خارجيته عبارة "حل الدولتين" مرة أخرى إثر هذا العدوان الكبير إن لم يصاحبها أولا ضغطا فاعلا يؤدي لتغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية، المؤقتة في كل الأحوال، وضغطا فاعلا بعد ذلك نحو حل الدولتين. لكن لا يبدوا أي شيء مثل هذا في ألأفق. ويريدون أن تكون السلطة الفلسطينية هي المنقذ؟!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير