لم يخطئ الرئيس في سرديته عن الهولوكوست

12.09.2023 07:38 PM

كتب فادي البرغوثي : 

استنادا إلى كتاب عبد الوهاب المسيري "الصهيونية والحضارة الغربية"، فإن الرئيس محمود عباس لم يخطأ في تفنيده ان المحرقة التي نفذت في بعض الدول الاوروبية ضد مجموعات يهودية فيما عرفت ب (الهولوكوست)، لأسباب اجتماعية بحسب العديد من الروايات التاريخية. لقد أثبت المسيري في كتابه المذكور آنفا أن اليهود الاوروبيين تعرضو لمحارق ومجازر عديدة لاسباب اجتماعية بحت، وليس لأسباب تخص الديانة اليهودية بحد ذاتها.

ركز المسيري على أن اليهود في المجتمع الاقطاعي الاوروبي كانوا مجموعات وظيفية في مجتمع اقطاعي غير وظيفي، بيد أن المجتمع الاقطاعي نفسه كان يتشكل من النبلاء "ملاك الاراضي" وبين الفلاحين الذين يعملون في الارض ولا يملكونها ويحصلون على قوت يومهم فقط، كأقل طبقة موجوده في ذلك المجتمع آنذاك. أما اليهود فكانوا في تلك الحقبة الزمنية يعملون في التجارة ما جعلهم ذو قوة مالية بين افراد المجتمع استطاعت من خلال هذه القوة المالية أن تعمل بشكل مباشر في الاقراض الربوي مستغلة حاجة وفقر المجتمع واحتياجاته المالية لسد الاحتياجات الاساسية في معيشتهم.

لقد عبر الاديب الانجليزي الكبير شكسبير في مسرحيته المعروفة ب "تاجر البندقية" عن مكانة اليهود وأعمالهم الربوية واستغلالهم لحاجات المجتمع فلي تلك الفترة، ودون الخوض في تفاصيل مسرحية شكسبير، فإن بطلها اليهودي "شيلوك"، قد أبرم عقدا مع احدى أفراد مدينة البندقية في ايطاليا الذي يدعى انطونيو بالقبول بإقراضه مبلغا من المال مقابل الحصول على جزء من جسده وهو " الكبد " ، في حالة عدم تسديده المبلغ المالي الذي تم الاتفاق عليه مع المبلغ الاضافي الذي فرضه اليهودي "تاجر البندقية" على المديون.

إن ما تمناه "شيلوك" حدث فعلا؛ فقد قدم تاجر البندقية أوراقه للقاضي ليأخذ عضو من جسد المديون "الكبد" إلا أن محامي المديون قال في مرافعته امام القاضي إن الورقة صحيحة ويحق لشيلوك ان يأخذ الكبد بدون أن يجرح جسم المديون، وهو الشيء المستحيل الذي منع شيلوك على تحقيق مآربه.

سالف الذكر يوضح الالية التي كان اليهود يعملون من خلالها، وحينما انهار المجتمهع الاقطاعي فقد اليهود سلطتهم المالية، خاصة أن البنوك حلت مكان الاقراض والمعاملات المالية بدلا من وظيفة الافراد المتمكنين ماليا في ذلك الوقت وهم الذين كان أغلبيتهم كما ذكرنا من اليهود في المجتمع الاوروبي؛ إضافة إلى ذلك فإن اليهود كانوا يستمدون سلطتهم بشكل مباشر من الملك الذي اعتبرهم رعاياه في المجتمع الاقطاعي الذي اسقط سلطة الملك نفسه، وبذلك لم يعد لليهود حماية من الملك.

وبذلك فإن المجتمع الرأسمالي ولد عند الاوروبيين الذين انتقلوا بواقع مجتمعهم من المجتمع الاقطاعي إلى الرأسمالي من خلال الثورة، ما جعلهم يرفضون سلطة اليهود وتحكمهم بمفاصل الاقتصاد.

عودة عن ذي بدء، فإن تصريحات الرئيس محمود عباس ليست وليدة اللحظة او رأيه الخاص بذلك، بل استندت إلى كتب تاريخية وروايات تحاكي الواقع الاوروبي كما ذكرنا في مسرحية شكسبير التي عبرت بكل تفاصيلها عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي كان سائدا في تلك الفترة.

كما أن الرأسمالية ونجاحها في معظم الدول الاوروبية جعلها تشكل أنظمة علمانية بعيدة عن الاديان والكنيسة في الحكم، حتى المانيا خلال حكم هتلر والمتهمة بشكل مباشر في ارتكاب الهولوكوست والتي نجح فيها هتلر عن طريق تطبيق الديمقراطية وتنكر لها، عبر عن اليهود في مذكراته بكتاب "كفاحي" عن طابعهم الاستغلالي للناس وحاجاتهم بالرغم من عنصرية هتلر وايمانه بتفوق العرق الآري.

وفي كل الاحوال فإن تصريحات الرئيس محمود عباس بالرواية التاريخية بأن اليهود أحرقوا بسبب ديانتهم او بسبب واقعهم الاجتماعي ليس هو بيت القصيد، إنما يعني ذلك يان اليهود ارتكب بحقهم المذبحة بغض النظر عن سببها الرئيسي، وأنهم استغلوا الهولوكوست في تزوير وجلب تعاطف العالم ليغض الطرف عن ما يقترفه اليهود بحق الشعب الفلسطيني حيث إنه يتعرض للقتل بشكل يومي من مذابح ومجازر علنية تحت أعين المجتمع الدولي. فالشيء بالشيء يذكر هنا، لذلك ستظل محرقة عائلة دوابشة التي ارتكبتها ميليشيا المستوطنين في تموز من العام 2015 وقتل عائشة الرابي في نابلس، وحرق محمد خضير في اسلوان وحرق قريتي ترمسعيا وحوارة في الاونة الاخيرة، والمذابح التي ارتكبت في قطاع غزة، عدا عن الممجازر التاريخية من الطنطورة إلى كفر قاسم وصبرا وشاتيلا وغيرها من المذابح سيبقى شاهدا على أن ما ارتكب في الهولوكوست نقطة في بحر من المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، وهنا نطرح سؤال برسم الاجابة: من الذي يجب أن يحاكم ومن الذي يجب أن يتهم بمعاداة السامية؟؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير