المحامي صلاح موسى يكتب لوطن.. ماذا يعني تعيين قنصل في القدس من قبل السعودية ؟!

15.08.2023 08:47 AM

 

أثار خبر تعيين سفير للملكة العربية السعودية لدى فلسطين ارتياحا عاما وبذات الوقت أثار تساؤلات حول معنى تعيين قنصل للمملكة في القدس .

ماذا يعني من الناحية القانونية والسياسية والدبلوماسية تعيين قنصل في القدس بالاضافة الى تعيين سفير فوق العادة لدى دولة فلسطين؟

1. الاصل ان يتم تعيين سفير السعودية في العاصمة لدى دولة فلسطين وهي القدس، والقناصل عادة يتم تعيينهم في المدن الرئيسية الاخرى، وهذا امر لافت للنظر، حيث كان الاجدر والاصح قانونيا ودبلوماسيا تعيين سفير السعودية لدى دولة فلسطين في العاصمة القدس على ان يعين قنصلا للسعودية في مدن رام الله و/او نابلس و/او غيرها.

2. الخبر جاء عاما حيث نص على تعيين قنصل عام للقدس دون ربطها بالتمثيل لدى دولة فلسطين اي ان التعيين جاء وكانه في سياقين مختلفين، الاول يتحدث عن السلطة الوطنية/فلسطين والاخر يتحدث عن تعيين قنصل في القدس وكأن القدس لها وضع خاص وبالتالي فان التعيين جاء عاما وغير مفهوم.

3. الخبر جاء ايضا مطلقا دون تحديد مفهوم القدس، هل هي "القدس الشرقية ام الغربية"، خاصة وان القنصلية السعودية قبل العام 1948 كانت موجودة فيما يعرف بـ"القدس الغربية" اليوم.

4. الخبر جاء وكاننا امام واقع جديد وتصور ذا طبيعة خاصة تقدمه السعودية لامريكا وللعرب ولـ "اسرائيل" وبكل تاكيد للفلسطينين، اننا امام علاقات ذات طبيعة خاصة حيث ان القدس لها خصوصية واننا نهتم بان يكون لنا قنصلية في القدس، وقد يكون مضمون التطبيع هذه المرة ذا طبيعة مرحلية.

5. بمعني ان اتفاقية فيننا للشؤون القنصلية في المادة (2 فقرة 3) منها تنص على " ان قطع العلاقات الدبلوماسية لا يستلزم حكما قطع العلاقات القنصلية" اي ان السعودية ترسل رسالة لـ "اسرائيل" بان فتح قنصلية لها في القدس قد تكون خطوة في سبيل بناء علاقات مستقبلية بين البلدين. اي ان عدم وجود علاقات دبلوماسية بين "اسرائيل" والسعودية وفقا لاتفاقية فيينا لا تحول دون وجود تمثيل قنصلي وقد تكون هذه الخطوة هي جوهر التطبيع القادم.

6. كي نكون اكثر وضوحا، فان مصر والاردن والامارات والبحرين عندما وقعت اتفاقيات سلام وتطبيع مع "اسرائيل" قامت بفتح سفارات لها في تل ابيب ولم تقم او تفكر اي منها بفتح قنصلية في القدس وتركت موضوع القدس جانبا. السعودية اليوم تقدم مقاربة مختلفة وملفته للانتباه بهذا الخصوص، نعم نستطيع ان نبني علاقات قنصلية معكم ومن خلال الفلسطينين ولاحقا سنفتتح القنصلية في القدس، لتقديم نموذج مختلف في التعامل مع ملف تطوير العلاقات الثنائية اي ان العلاقات ستبدأ من القدس وتتطور منها و/او تتوقف عندها!

7. علينا ان نلاحظ ان اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية في المادة (4) فقرة (1) منها تنص على " لا يمكن انشاء بعثة قنصلية في اراضي الدولة المضيفة الا بموافقة تلك الدولة" وهذا يعني ان طلب تعيين قنصل عام للمملكة في القدس تم بموافقة فلسطينية عند تقديم السفير السديري اوراق اعتماده لدى الرئيس من خلال مستشار الرئيس الدبلوماسي مجدي الخالدي، الا ان الاشكالية المثارة في هذا المقام تتعلق بموضوع العاصمة وهي القدس، وهي ان سفراء الدول يقيمون ويمارسون عملهم في عاصمة الدولة وقد يكون في العاصمة نفسها ومن خلال السفارة نفسها قسم للشؤون القنصلية، فكيف يمكن فهم هذه الخطوة؟!!!

8. موضوع فتح القنصلية وصلاحياتها وفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية يؤكد على طبيعة التوجه السعودي لتخصيص اولوية ومكانة خاصة للقدس، لان جوهر عمل القنصليات وفقا لاتفاقية فيينا خاصة المادة (5) منها التي تتعلق بحماية مصالح الدولة الموفدة من اشخاص طبيعيين ومعنيين بتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية وغيرها، وكأن لسان حال القرار يقول بانه قريبا ستسمح السعودية لمواطنيها بزيارة القدس من خلال القنصلية السعودية، وقد تكون هذه اولى مراحل المضي قدما في بناء نموذج مختلف للتطبيع بين اسرائيل والسعودية، حيث ان المملكة ستقول بان السعوديين مؤهلين لزيارة القدس واقامة الشعائر الدينية وهذه الخطوة تاتي منسجمة بالمفهوم المجرد مع دعوة الرئيس ابو مازن العالم العربي والاسلامي لزيارة القدس.

9. المملكة العربية السعودية تكون بهذا الخطوة قد اسست لارضية دبلوماسية وقانونية وسياسية للتعامل مع القدس كواقع مختلف في مسيرة العلاقة ما بينها وبين "اسرائيل" حيث انها ستقول نحن حصلنا على موافقة الفلسطينين على فتح قنصلية، وبذات الوقت حصلنا على عدم ممانعة اسرائيلية لتمكين مواطني الدولة السعودية من زيارة القدس والاستثمار فيها والقيام بانشطة مختلفة بها.

10. ان ممارسة الوظائف القنصلية في دولة ثالثة اتاحتها اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية في المادة (7) منها وتعتبر الاردن هي الدولة المضيفة لذلك، وقد يكون هذا القرار هدفه ارسال رسالة الى "اسرائيل" ان المملكة مستعدة للتطبيع في حال تحققت الشروط السعودية للصفقة مع امريكا و"اسرائيل"، ونحن كمملكة قمنا بالخطوة الاولى وهي تعيين سفير لدى فلسطين وقمنا بتعيين قنصل بالقدس غير مقيم كاشارة عملية لرغبتنا وقبولنا بوضع القدس في مكانة خاصة عند اتمام الصفقة.

قد يبدو كل ذلك ممكنا من الناحية النظرية والتقنية والقانونية وحتى الدبلوماسية، الا ان السؤال الذي يحتاج الى جواب، كيف يمكن للسعودية ان تخرج العلاقة مع "اسرائيل" في سياق المبادرة العربية وفي ذات الوقت بضمان تحقيق اختراق حقيقي في القضية الفلسطينية لان تطبيع السعودية مع "اسرائيل" سيحدث ضررا كبيرا للقضية الفلسطينية ان لم يتمكن السعوديون والفلسطينيون والعرب من تحويله الى فرصة لبناء سلام مقبول؟ لننتظر ونرى.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير