الأحافيــــر ذاكـــرة المكــان في فلسطين

01.06.2023 01:57 PM

وطن- خالد أبو علي

تخيل أنك تقف بجانب إحدى أهم الأحافير في فلسطين، التي عاشت قبل حقب تاريخية قديمة جدًا وتلتقط إلى جوارها صورة تذكارية، ستتأمل تفاصيلها بشيء من الدهشة، وأنت تتلّمسها ستشعر أنك تغوص في أعماق التاريخ، وتبحر عبر ملايين السنين، وستتساءل عندئذ؛ تُرى كيف عاشت هذه الأحافير؟ وكيف تكونت وكيف انقرضت؟.. يصحبكم مراسل "آفاق البيئة والتنمية" في التقرير التالي للتعرف عن كثب على هذه الأحافير.

ما هي الأحفورة؟
تُعرّف الأحافير أو المُستحاثّات بالإنجليزية  Fossils بأنها بقايا أو آثار أو طبعة  من كائن حي أو نبات، عاش في عصور جيولوجية سابقة، وقد حُفِظت هذه البقايا في القشرة الأرضية على مظهر جسم الكائن الحي كاملًا أو النبات أو على جزء منه، أي أنها ليست بقايا الكائن الحي أو النبات نفسه، فهي صخور متحجرة حفظت فيها الأصداف والريش والأوراق والعظام وغيرها، وتراوح أحجامها بين الدقيقة والصغيرة جدًا والأحافير الضخمة والكبيرة مثل الأشجار المتحجرة وبقايا الديناصورات.

وعندما تتهيأ الظروف الفيزيائية والكيميائية الملائمة، فإن هذه الكائنات تُحفظ على هيئة أحافير، وعلى هذا الأساس نضج علم دراسة الأحافير (Paleontology)، ليغدو أحد فروع الجيولوجيا والأنثروبولوجيا البيولوجيّة (علم الإنسان).
ما هي الأمونيتـات؟

الأمونيتـات هي لا فقاريات بحرية منقرضة وحيوانات تتميّز بأنها تملك أصدافًا خارجيّة أي قواقع معقدة البُنية، ويطلق عليها بالإنجليزية   Ammonite Fossils وتراوح قطر العيّنات التي عُثر عليها حول العالم بين أقل من سنتيمتر ومترين.
ويمكن أن يتجاوز قطرها المتر الواحد، ويصل وزن الأمونيتـات حتى 100 كغم ومنها أشكال ملفوفة، وأخرى منبسطة، وهي كلها بحرية وتنتمي إليها الحبارات والأخطبوطات.

أحافير الأمونيتات التي عاشت على الأرض حسب العلماء أكثر من 100 مليون عام، وهي أكثر الأحافير التي استطاع العلماء التعرّف عليها، بحيث ساعدتهم لاحقًا في تحديد عمر طبقات الصخور وتاريخ عمر الأرض وتحديد مواقع البحار القديمة، كونها عاشت في المياه، كما وفرت المعلومات القيّمة حول كيفية عيش الكائنات الحية من الحيوانات والنباتات في العصور الجيولوجية السابقة وطريقة غذائها، وتكاثرها، وسلوكياتها.

أصل تسمية الأمونيتـات:
يتميز التاريخ المصري بالأساطير والقصص المقدسة التي كان قدماء المصريين يؤمنون بها، ومن هذه "الميثولوجيا المصرية" هي تسمية "أمونيت"، نسبة إلى "آمون" أحد الآلهة المصرية القديمة.
ويأخذ آمون هيئة رجل يملك قروناً شبيهة بقرون الحمل، تماماً كشكل صدفة الأمونيت التي تلتف حول نفسها مثل قرن الحمل الملتف، ولذلك سُميّت هذه الرخويات بـ"الأمونيتـات" نسبة إلى آمون.

جدير بالذكر أن فلسطين لا يقلّ شأنها عن باقي الدول في هذه الاكتشافات، ولعلّ التقدم الأهم كان بفضل الجغرافي داود إبراهيم الهالي والمرشد البيئي خالد حمودة، اللذان يُعدان المرشدان الأبرزان وصاحبا الفضل في توثيق العديد من الأحافير في فلسطين عبر نشر عدد من المنشورات العلمية حولها.

داود الهالي محاضر، ومرشد بيئي يحمل شهادة بكالوريوس في الجغرافيا، وماجستير دراسات عربية معاصرة- جغرافية الوطن العربي- من جامعة بيرزيت، يقول: " توجد الأحافير بكثرة في عدد من المناطق في فلسطين، شاهدتها في محاجر بيت فجار وسعير والشيوخ، وهي أحافير لقواقع وأصداف موجودة في الصخور الجيرية الرقيقة التي يُصنع منها بلاط الأدراج والساحات".

ويتطرق الهالي إلى سبب وجود المتحجرات في وادي النمرود شمال شرق قلعة الصبيبة (النمرود) على ارتفاع أكثر من 1200 م عن سطح البحر، وكذلك سبب وجود أحافير لأسماك في محاجر قرية سرطه قضاء سلفيت، رغم أنها قرية مرتفعة نسبيًا عن سطح البحر، بقوله: "تظهر هذه الأحافير على شكل كسرات غالبًا على بعض التلال والنتوء الصوانية، نتيجة عمليات الرفع، ونتيجة لنظام الطيات المعروف باسم "نظام القوس السوري" الذي سبّب تشكل الطيات وتكشّفها مع مرور الزمن، وهذه الاكتشافات الصوانية هي من رواسب العصر الطباشيري، التي تبدو جزرًا منعزلة في بيئة تطغى عليها الرواسب الحورية الأحدث عُمرًا في القسم الأوسط من حوض وادي القلط، وكذلك في قرية سرطة، وغربها في عزبة سرطة، ورأس العين، وقرية مجدل يابا التي صارت عرضة للرفع والطي الذي ساعد على رفع الطبقات الحاملة للأحافير البحرية من رواسب بحر تيثس قبل ما يزيد على مئة مليون سنة في العصر الطباشيري".

تمكن خالد حمودة، الباحث البيئي ومؤسس مشوار للرحلات، من توثيق أصداف اﻷمونيت في خربة النواقير قرية عرب العرامشة، على الحدود اللبنانية، يخبرنا في السياق نفسه: "اﻷمونيت هو كائن من الرخويات البحرية الذي عاش قبل 200 مليون سنة في عصر الترياسي، إﻻ أنه انقرض قبل 65 مليون سنة في عصر "كينومان طورون"، في الفترة ذاتها التي انقرضت فيها الديناصورات ولنفس اﻷسباب.

ويضيف أن "اﻷمونيت" يعد اﻷب القديم للحبار كلماري، وكان له 6 أذرع ويتغذى على العوالق البحرية، ويعيش في أعماق البحار، وقطر الصدفة يتفاوت من (25 إلى 30 سم)، وهناك موقعين آخرين، كما يذكر حمودة لمشاهدة اﻷمونيت وهما وادي الرَمَان جنوب بئر السبع، ومتنزه تمناع.

أحافير القنافذ البحرية في شمال القدس الشريف:
يعود أقدم وجودٍ مسجَّل لأحافير القنافذ البحرية على سطح الأرض إلى العصر الجيولوجي الديفوني (قبل حوالي أربعمائة مليون سنة)، وفيه عاشت القنافذ في مياه البحار المالحة، وبلغ عدد الأنواع المسجَّلة منها حول العالم 760 نوعاً.
ويعد العصر الجيولوجي الجوراسي في فلسطين قبل مئتي مليون سنة بداية وجود القنفذ البحري Echinodermata وفقاً للأحافير المسجَّلة، وأحدث هذه الأحافير عمراً يعود لــ "عصر النيوجين" قبل حوالي 24 مليون سنة.

وبالعودة إلى داود الهالي في هذا الجانب، يشرح: "عُثر على أحافير لقنفذ البحر من عصر الأيوسين العلوي من شمالي القدس عن طريق المصادفة، وتعود هذه الأحافير إلى فترة تتفاوت من 55.8 إلى 33.9 مليون سنة مضت، وهي جزء من جلاميد صخرية جيرية وقد بدت بنية اللون لافتة للأنظار، نظرًا لأنها كانت عرضة لعوامل الجو (التجوية الكيميائية)، وهي قنافذ بحرية صغيرة، ولا يزيد قطر الواحدة عمومًا على 2 سم، علمًا أنها أصغر من تلك التي عُثر عليها في أقصى جنوب النقب في شهر يناير/ كانون الثاني 2015، والتي تعود للعصر الطباشيري الأعلى.

البيض الصوّاني الحجري
من الظواهر الجيولوجية الجميلة التي صادفناها في مساراتنا البيئية  في العديد من الأماكن في فلسطين في برية القدس وفي أريحا والأغوار، هي ظهور صخور صوانية بيضاوية أو دائرية الشكل في الاكتشافات العلوية من النتوء الصوانية والكلسية، يقول عنها الباحث الهالي: "هذه الأشكال البيضاوية مكونة في معظمها من ثاني أكسيد السيليكون، ورشحت منها المياه وكونت في محيطها قشرة كلسية، وتنتشر الأشكال المستديرة من الصوان في مناطق مختلفة، وبخاصة في المناطق الجبلية شبه الجافة والبراري الجافة، إلا أنها أصغر حجمًا في المناطق الجبلية كتلك المنتشرة في المنحدرات الغربية من جبال رام الله".

وفي الختام لا بد أن يجري المختصون عددًا من الأبحاث والدراسات حول الأحافير والكائنات الحجرية في فلسطين، من حيث نشأتها وتطورها وكيف تشكلت، لأنها باختصار مكوّن أساسي في هويتنا الوطنية على هذه الأرض وذاكرتنا ما قبل التاريخية.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير