طاهر تيسير المصري يكتب لوطن.. عام الاستيطان

29.12.2022 01:02 PM

 

 

أعتقد، وأتمنى أن أكون مخطئاً بأن العام 2023، سيكون عام الضم الفعلي وغير المُعلن لما تبقى من الضفة الغربية المحتلة، فالاتفاق الذي بموجبه استطاع بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومته، ينص في أحد بنوده على استحداث وزارة جديدة تحت مسمى وزارة المهمات القومية "وزارة الاستيطان" وهذا الامر يُقرب من تحقيق مطالب المستوطنين في الاستيلاء الفعلي على الضفة الغربية، وبخاصة أن أوريت ستروك، وهي الشخص الثاني في قائمة الصهيونية الدينية، ومستوطِنة عنصرية متطرفة تسكن في البؤرة الاستيطانية في مدينة الخليل المحتلة، ستكون مسؤولة عن "دائرة الاستيطان"، مما يعني أن ستروك ستصبح الحاكم الفعلي للضفة الغربية المحتلة، وأن مطالب المستوطنين باتت أقرب للتحقق بإجماع حكومي وبقالب "قانوني"، وأن عملية الضم لا نقاش عليها، وإنما سيكون النقاش حول التوقيت والكيفية فقط.

يفوق عدد المستوطنين في الضفة الغربية، عدا القدس، النصف مليون مستوطن يعيشون في قرابة (150) مستوطنة، ثلثهم تقريباً يسكنون في ثلاث كتل استيطانية كبيرة هي أريئيل، ومعاليه أدوميم، وغوش عتصيون، وهناك إجماع داخل "الكيان" على عدم التخلي عن هذه الكتل الاستيطانية ضمن أي حل سياسي قادم، علماً بأن وجود هذه الكتل الاستيطانية يقطع فعلياً أي تواصل جغرافي بين أراضي الضفة الغربية المحتلة. بالإضافة إلى أن هناك قرابة (70) بؤرة استيطانية تمتد على مساحة الضفة الغربية يقطن بها حوالي (25) الف مستوطن لأسباب دينية أساساً، عدا عن أن جميع المستوطنات والبؤر الاستيطانية متصلة جغرافياً بعضها ببعض، وتتوسع بشكل مستمر، وظهر في الآونة الأخيرة ما يسمى بالاستيطان الرعوي الزراعي، ويتم من خلاله الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي من طرف عدد قليل جداً من المستوطنين وهذا النوع من الاستيطان نجده بشكل كبير في منطقة الأغوار أساساً.

جُل المستوطنات إن لم يكن جميعها يقع في المناطق المصنفة بحسب اتفاق أوسلو بمناطق (ج) وتقع ضمن الصلاحيات المدنية والأمنية للاحتلال، وهي تشكل قرابة (62%) من مساحة الضفة الغربية، وكان من المفترض أن تنتقل هذه الأراضي إلى السلطة الفلسطينية ضمن الحل النهائي، ولكن هذا لم ولن يحصل ضمن المؤشرات الحالية، لأن الاحتلال لم يعد يعتبر هذه الأراضي أراضٍ محتلة، وإنما أراضي تحمل قيمة دينية و/أو أمنية استراتيجية، وأقصى ما يمكن أن يكون مقبولاً لدى دولة الكيان في أي حل سياسي هو تواجد عسكري، وإشراف أمني كامل على هذه المناطق.

وبالمختصر فإن الاحتلال ذاهب نحو الضم الفعلي للضفة الغربية المحتلة، وإنكار الحقوق الفلسطينية جملةً وتفصيلا، بحكم أن واقع الاستيطان الحالي يمنع قيام أي "كيان" فلسطيني مستقبلي حتى لو كان "مسخاً"، لا بل يؤسس إلى تحويل الضفة الغربية إلى معازل سكانية منفصلة بعضها عن بعض، ولا أعتقد بأن الأمر بعيد بأن الاحتلال سيتعامل مع ممثلين محليين لهذه المعازل السكانية، وذلك ضمن التوجهات الجديدة لحكومة الاحتلال القائمة على أن دور السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي انتهى سياسياً وأمنياً.

مقابل كل ذلك لا نجد أن لدى "القيادة" الفلسطينية أي خطة واضحة لمواجهة كل ذلك، باستثناء تصريحات تؤكد على عدم خوفنا من تهديدات الاحتلال، وتعول على صمود الشعب الفلسطيني، ولكن يبقى السؤال الذي على جميع "القيادات" الفلسطينية إعطاء جواب واضح عليه؛ ويتلخص في ما هي مقومات هذا الصمود؟، هل هي استمرار حالة الانقسام؟ أم هي تفشي الفساد والمحسوبية؟ أم هي الاستفراد بالقرارات؟، أم هي تعطيل الانتخابات العامة؟، أم هي ضعف القضاء؟، أم هي تغول السلطة التنفيذية؟، أم هي تغييب مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية؟، وقائمة الأسئلة تطول وتطول.

ومن باب التذكير فقط فإن التعويل على صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال هو شيء جيد إذا ما كان محميا، ولديه روافع سياسية واقتصادية وثقافية، وحواضن شعبية تؤمن بأن الدم النازف لن يذهب هدراً، ولكن هل هذه الأمور متوفرة فعلياً؟. لا يكفي التعويل على أن القضية الفلسطينية هي قضية عادلة، فالعدل يحتاج إلى القوة كي يتحقق، خاصة أننا كفلسطينيين نواجه قوة استعمارية احلالية غطاؤها ديني أيديولوجي مدعومة من قوى عالمية سياسياً واقتصاديا، وإذا ما بقي حالنا على ما نحن عليه الآن فإننا ذاهبون نحو الفناء، فعدالة القضية، في الممارسة الفعلية، لا تعني حتمية انتصارها، والتاريخ الإنساني يزخر بقصص انتصرت بها قوى الاستعمار التي تمتلك القوة، على الشعوب المُستَعمَرَةِ التي تمتلك الحق وعدالة قضيتها، وفي المحصلة النهائية لم يعد التاريخ يذكر شيئاً عنها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير