تناقص أعداد الحمير في فلسطين.. "أبو صابر" لم يعد مجديا للمزارعين

11.02.2022 12:58 PM

 


وطن: قبل زمن غير بعيد، كان الحمار حاضرا بقوة في البيئة الفلسطينية، نظرا لأهميته في الزراعة والحراثة والتنقل، وكان أي متجول في القرى والأرياف الفلسطينية يلاحظ وجوده بكثرة قرب المنازل وفي الحقول. كانت هذه المشاهد بارزة قبل نحو عشرين عاما، إلا أنها أخذت بالتغير رويدا رويدا. اليوم، إذا تجولت في الريف الفلسطيني فإنك لن تلحظ وجود الحمير كما كان عليه الحال سابقا. "أبو صابر"، كما يسمى نظرا لتحمله وصبره، اختفى من المشهد، وبات وجوده محصورا لدى قلة من المزارعين في كل قرية او تجمع.

أسباب عدة وراء تراجع أعداد الحمير في الأراضي الفلسطينية، من بينها تراجع النشاط الزراعي والتوسع في شق الطرق الزراعية واستخدام المعدات والجرارات الزراعية في الحراثة والتنقل بدلا من الحمير، بحسب جمعية الحياة البرية في فلسطين (منظمة غير حكومية).

ويدلل على تراجع النشاط الزراعي ما أورده تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني "أداء الاقتصاد الفلسطيني 2018"، إذا بلغت مساهمة أنشطة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.8% في قطاع غزة مقابل 2.6% في الضفة الغربية، وهي نسبة متدنية مقارنة بالقطاعات الأخرى، لا سيما قطاع الخدمات وقطاع التجارة.  علمًا أن مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي بلغت في منتصف السبعينيات نحو 36%، ثم انخفضت إلى 25% في الثمانينات، وفي عام 1994 تراجعت إلى 13.4%، واستمرت هذه النسبة بالتدني حتى وصلت عام 2018 إلى 3%.

أسباب أخرى تطرحها جمعية الحياة البرية من خلال مديرها عماد الأطرش، منها التوسع العمراني في الأرياف الفلسطينية، وسياسات الاحتلال ضد المزارعين والبدو، خصوصا في السفوح الشرقية التي تصل في بعض الأحيان إلى ملاحقة رعاة الأغنام ومصادرة الحمير الخاصة بهم بذرائع أمنية.

تراجع الرعاية والاهتمام

عدم الاهتمام بالحمير وتقديم الرعاية اللازمة لها، من الأسباب التي أدت إلى تناقص أعدادها مؤخرا، فالمزارع لا يولي اهتماما بهذا الحيوان في حال تعرضه للمرض على سبيل المثال، ويتركه ليواجه الموت من دون علاج، يقول سيمون عوض المدير التنفيذي لمركز التعليم البيئي.

وأضاف لمراسل آفاق البيئة والتنمية: "الحمير بحاجة لقيام المزارع بعملية تزاوج فيما بينها للحفاظ على أعدادها وضمان تزايدها، وهذا الأمر كان يحصل سابقا، نظرا لحاجة المزارعين لهذه الحيوانات، أما اليوم وفي ظل تراجع الحاجة لها لم يعد هناك اهتمام بتزاوجها".

ويرى عوض أن تناقص أعداد الحمير ليس حالة فلسطينية خاصة، وإنما على مستوى العالم هناك تراجع، وطرح مثالا من الأردن على تراجع اعدادها خصوصا بعد تصديرها قبل سنوات بأعداد كبيرة إلى الصين، لاستخدام جلودها في الصناعة، وأيضا بعض الاستخدامات في الطب الصيني.

تقديرات.. 15 ألف حمار في الضفة الغربية

بالرجوع إلى المصادر الرسمية لا نجد أي إحصاءات متعلقة بأعداد الحمير، هناك معطيات عن الثروة الحيوانية كالأغنام، والأبقار، والدواجن، وغيرها. بحسب تقديرات جمعية الحياة البرية -مقرها بيت لحم- فإن أعداد الحمير في الضفة الغربية تراجعت من 40 ألف حمار قبل عشرين سنة، إلى 15 ألفا في وقتنا الحالي. تتوقع الجمعية استمرار تناقص اعدادها في ظل افتقارها للرعاية والاهتمام وتراجع القطاع الزراعي عموما.

الحمار جزء من التوازن البيئي، فهو يأكل الأعشاب الضارة، ويقلل من انتشارها، عدا عن دوره في مكافحة بعض الأمراض التي تصيب النخيل مثلا. يضيف الأطرش: "سوسة النخيل تفتك بأشجار النخيل، وهي تدخل ساق النخلة وتقضي عليها من دون أن ينتبه عليها المزارع، الحمار مهم لأكل دودة ساق النخيل، وهناك تجربة في مزارع النخيل بالأغوار، إذ توجد أعداد من الحمير في الحقول لأكل الورق، وجزء من حياة سوسة النخيل تواجدها في السعف، وبالتالي يقضي على اليرقات بطريقة بيولوجية من دون مبيدات".

في نابلس.. ملجأ لرعاية الحمير

داخل عيادة من الصفيح في مدينة نابلس، ينشط الطبيب البيطري راكان السلعوس لتقديم العلاج للحيوانات من إصابات تعرضت لها. أقيمت العيادة عام 2011 كفرع لجمعية (الملجأ الآمن للحمير في الأراضي المقدسة)، التي تنشط في بريطانيا بهدف مساعدة الحيوانات العاملة من الفصيلة الخيلية مثل الحمير والبغال والأحصنة، وتقديم التوعية والإرشاد لأصحاب الحيوانات من أجل العناية والرفق بها وتوفير الخدمات العلاجية المجانية لها.

يقول السلعوس (32 عاما) الحاصل على بكالوريوس في الطب البيطري ودورات تدريبية في بريطانيا والأردن، إن العيادة "تتلقى الحيوانات المريضة أو المصابة بجروح وتقوم بفحصها بشكل كامل وتقديم الأدوية اللازمة لها مجانا". علاوة على ذلك تتيح العيادة فرصة الإقامة للحمير التي تخلى عنها أصحابها، حاليا يوجد 33 حمارا داخل المأوى تقدم لها الجمعية الرعاية اللازمة، بحسب السلعوس.
ويضيف لآفاق البيئة والتنمية أن "مبادئ العيادة العاملة في الأراضي الفلسطينية ترتكز على الجمعية الأم في بريطانيا القائمة على الرأفة بالحيوانات خاصة الحمار". لافتا إلى أن نسبة 80 في المئة من المشاكل التي تواجه الحيوانات ناجمة عن قلة اهتمام، و20 في المئة هي مشاكل بيطرية.

وتضم العيادة إسطبلا يحتوي على سبعة عنابر تتسع لحيوان أو أكثر، وتقدم خدمات بيطرية لتقليم أظافر وحوافر الخيول والحمير وبرد أسنانها، وغرفة عمليات مجهزة لإجراء العمليات الجراحية الطارئة للحيوانات.

ويعمل السلعوس داخل العيادة مع شخصين آخرين مختصين بقص حوافر الحيوانات مدة يومين أسبوعيا، بينما يقضون بقية الأيام في تنظيم جولات (عيادة متنقلة) تشمل قرى ومدن الضفة الغربية لتقديم العلاج والدورات التثقيفية للتجمعات السكانية.

لاحظ الطبيب البيطري من خلال الزيارات الميدانية تراجع أعداد الحمير في الريف الفلسطيني لأسباب تعود لقلة الاهتمام بها وعدم علاجها، ويضيف: "حينما نعالج مجموعة حمير في قرية ما، ونعود بعد شهر أو شهرين نجد أن الأعداد في تناقص، إذ يفضل أصحابها التخلي عنها بعد مرضها".

وأشار إلى أسباب أخرى أدت إلى تراجع أعدادها، ومنها قيام تجار من الداخل الفلسطيني بشراء أعداد من الحمير بشكل شبه أسبوعي من أسواق الحلال -نابلس تحديدا- ويتم إدخالها إلى أراضي 48 من غير اتضاح الأسباب وراء ذلك.

ومن مؤشرات تناقص أعداد الحمير بحسب السلعوس، تضاعف أسعارها في السنوات الأخيرة، إذ ارتفع سعر الحمار البلدي بعمر 5 سنوات من 400 دينار أردني إلى قرابة ألف دينار. ويرتفع السعر أكثر من ذلك لفصيلة الحمير القبرصية والبغال.

نظرا لأهميته في الزراعة والحراثة والتنقل، كان الحمار حاضرا بقوة في البيئة الفلسطينية، حتى زمن غير بعيد، وكان أي متجول في القرى والأرياف الفلسطينية يلاحظ وجوده بكثرة قرب المنازل وفي الحقول. كانت هذه المشاهد بارزة قبل نحو عشرين عاما، إلا أنها أخذت بالتغير رويدا ويدا. اليوم، إذا تجولت في الريف الفلسطيني فإنك لن تلحظ وجود الحمير كما كان عليه الحال سابقا. "أبو صابر"، كما يسمى نظرا لتحمله وصبره، اختفى من المشهد، وبات وجوده محصورا لدى قلة من المزارعين في كل قرية او تجمع.

التقرير التالي يعالج أسباب تراجع أعداد الحمير في الأراضي الفلسطينية؛ علما أن الحمار جزء من التوازن الإيكولوجي، فهو يأكل الأعشاب الضارة، ويقلل من انتشارها، عدا عن دوره في مكافحة بعض الأمراض التي تصيب النخيل مثلا.  

(فراس الطويل- خاص بآفاق البيئة والتنمية)

تصميم وتطوير