سكة القطار بين يافا والقدس: ممر مشاةٍ مشيَّدٌ على ذاكرة المكان

كتبت: مرنان حسين
لفت نظري السكة الحديدية الطويلة القديمة الكائنة في وسط قرية بيت صفافا التي تقع على 6 كم جنوب مدينة القدس و شمال بيت لحم، مليئة بالحياة والحب والطاقة الإيجابية، فهي أحد الأماكن التي يُحبذ السكان والزوار قضاء أوقاتهم فيها، والتنفيس عن ضغوطاتهم الأسبوعية؛ فمن يزورها ويتأملها ينسى همه ويخفف ألمه ويضيع في جمال تفاصيلها من عراقة وفن وطبيعة خلابة، ليست الطبيعة الخلابة وحدها ما يميز وجود هذه السكة الحديدية، بل إن موقعها أيضاً يشهد امتزاجاً بين المناظر الطبيعية والبيوت السكنية المحيطة بها والمترامية على جانبيها وهي بيوتٌ تتباين فنون عمارتها بين قديم وحديث، باستطاعة المرء الشعور بإبداع الرحمن فهي أشبه بلوحة فنية بهية الألوان، وامتزاج الوانها ببعضها يشرح الصدر ويُلهمُ العقل بالأفكار الحيوية، تحتوي الشخص بكل ما فيها وتبعث السكينة في دواخِله بروحها النقية ... فما سرها؟ وما قصتها؟
ذكر ع .م وهو أحد أحفاد سائقي القطار ، أن السكة مرت بمراحل وأزمنة كثيرة فيقال أن عمرها يبلغ 132 عاماً أو أكثر، فوجودها يعودُ إلى ما قبل الاستعمار والاحتلال ، فهي معلمٌ تاريخي خلَّفه الاستعمار على الأراضي الفلسطينيَّة خلال الحكم العثماني عليها؛ فقد شيدت لتسهيل الانتقال من القدس إلى المدن العربية الأخرى كيافا مثلاً وظلت قائمة حتى زمننا هذا ، وهذا على الأقل ما ذكره م.ع عنها وتحديدا الرواية التي تناقلتها عائلته عن دفع أحد جنود الإنجليز لجده خارج مقطورة القيادة .
لا بُد أنَّ هذه السكة شهدت العديد من التغيرات والتحولات الزمنية نظراً للزمن الطويل ما بين انتهاء الحكم العثماني وحتى زمننا الحالي الذي انتهت إليه هذه السِّكة وما يتعلق بها من ذكريات وصور، فلعل من أهم التغيرات التي شهدتها أنها لم تظل تستخدم كسكة للقطار وكمسار له في عمليات نقل المسافرين، بل أصبحت اليوم منتزهاً لأنشطة عديدة كالمشي وركوب الدراجات، ومكاناً يجمع الثقافات المختلفة العربية واليهودية كباراً و صغاراً و رجالاً و نساءً خاصة في فصلي الربيع و الصيف .
بالرغم من أن التمتع بجمال هذه المنطقة ليس حكراً على فئة معينة إلا أنه يجدُرُ الإشارة إلى أن هناك فئات تتمتع بامتيازات أكثر، وتعود ملكية السكة الحديدية اليوم للكيان الصهيوني، ويكون التصرف بها تحت إمرته، أما الأمل الذي يرافق الفلسطيني، فهو أن تعود هذه السكة إلى العهد الذي كانت فيه مقطورة لذكريات المسافر من القدس وإليها.