غزة-رام الله.. عندما لا يكون الشعب هو المرجع : د.أحمد جميل عزم

11.06.2013 08:58 AM
لم تكد قضية الأكاديمي والوزير السابق إبراهيم أبراش تتوارى قليلا في غزة، حتى ظهرت قضية الملاسنة بين الشاب نزار بنات، ووزير الاقتصاد في حكومة رام الله جواد ناجي، أثناء مؤتمر اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل في بيت لحم يوم السبت الماضي. والقضيتان غيض من فيض قضايا شبيهة، يعتقل أو يعنّف فيها منتقدون للسياسات الرسمية لحكومتي غزة والضفة الغربية، من قبل السلطتين هناك. ردود الأفعال كهذه تعكس، أولا، أنّ الشعب ليس مرجعية المسؤولين في الطرفين، وحسابات الرأي العام والديمقراطية خارج حساباتهما. كما أنها تعكس، ثانياً، عجزا عن الدفاع الديمقراطي عن مواقف الطرفين.

أبراش وزير سابق، انتقد حكومات

رام الله بمثل -وربما أكثر- ما انتقد حكومة "حماس" في غزة. وسبق له أن استقال احتجاجا من حكومة سلام فياض العام 2007. وانتقد يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، فاستدعته سلطات ما في غزة، وحاولت الضغط عليه بسبب ما كتب. ولما رفض العودة للتحقيق في أمر يخص حريته في التعبير، تم اعتقاله لفترة وجيزة.

أما نزار بنات، ابن حركة "فتح" كما تؤكد مصادر عدة، فقد انتقد سياسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والحكومة في رام الله. وبحسب رواية وزير الاقتصاد الفلسطيني جواد ناجي، الذي كان يتحدث في المؤتمر "لم يترك كلمة سيئة إلا وتحدث بها ضد منظمة التحرير والرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية". وهو ما يجده الوزير مبررا له ليردّ عليه: "ليش بتعوّي هيك؟". وقد تعرض الناشط للضرب من قبل أشخاص قالت وسائل إعلام عدة إنّ اثنين من مرافقي الوزير كانا بينهم.

تحتاج قضايا عدة لتوقف. أولاها، أنّ مثل هذه الممارسات، وهي كثيرة ومتكررة، تعني أنّ الشعب ليس مرجعية الحكومتين؛ بمعنى أنّ صناديق التصويت والرأي العام لا يمتلكان القوة المفترضة في اختيار واستمرار المسؤولين والوزراء. وفي حالة القرضاوي وانتقاد أبراش له، فإنّه مسّ عصَبَين؛ أولهما التجرؤ على انتقاد سياسات "حماس" من داخل غزة، والثاني التعرض لشخصية ذات صلة بالشرعية الدينية للحركة. أمّا في حالة بنات، فإنّ التعرض بالنقد للرئيس الفلسطيني هو التعرض للمرجعية والآلية التي تقرر من يكون وزيرا ومن لا يكون.

في الحالتين، فإنّ القلق قليل على الموقف الشعبي بسبب تعطيل قنوات الانتخاب والمحاسبة. ومن يخالف، هو إمّا (غراب) "ناعق" كما جاء في بيان وزارة داخلية "حماس": "لم نعتقل أحدا على حرية التعبير، والأبواق القابضة والناعقة أكبر دليل على حرية الرأي والتعبير"؛ أو هو شخص يمارس "عواء" بحسب وزير الاقتصاد، الذي يبدو أنّه يقصد "النباح"، إذ من المستبعد أنّه أراد وصف نزار بنات بأنّه ذئب.

الأمر الثاني أنّ الانشغال والتوتر بسبب رأي أو انتقاد موضوعي أو غير موضوعي، هنا أو هناك، يصبح مستفزاً عندما لا يشعر المسؤول أنّه قادر على الحصول على التأييد الشعبي لمشروع وموقف سياسي محدد، وأنّ هناك تعارضا بين مواقفه والشارع. فانتقادات زيارة القرضاوي المتزامنة مع تصريحاته "التكفيرية" والتحريضية ضد حزب الله كانت واسعة. وما حدث مع جواد ناجي في مؤتمر المقاطعة، لا يخدم سوى المزاعم عن عدم التناغم بين القوى الشعبية الداعية للمقاومة الشعبية والمقاطعة الاقتصادية وجهات رسمية فلسطينية.
الأمر الثالث الذي تعنيه هذه الممارسات، هو الإصرار على التصرف كما لو كانت هناك سلطة (تقليدية) حاكمة، مع تناسي أنّ الاحتلال يمارس الإهانة اليومية للإنسان الفلسطيني. فوزير الاقتصاد الفلسطيني نفسه يعرف أنّه كان يمكن لأي مجند أو جندية إسرائيلية أن يوقفاه على حاجز طريق وادي النار الذي عليه أن يسلكه من رام الله أو إليها (وهي الطريق التي يشكل وجودها بحد ذاته إهانة).

الأمر الرابع، أنّ الممارسات التعنيفية والقمعية هي علامات إفلاس وضيق بالرأي الآخر، وافتقاد للثقة بالنفس والقدرة على مقارعة الحجة بالحجة، والثقة بالتأييد الشعبي الذي سيرد على أي شخص يقوم بالانتقاد بطريقة غير موضوعية وفجة وخارجة عن حدود الأدب، وذلك بنبذه ورفضه. فالاطمئنان للشعب يؤدي إلى الاطمئنان إلى أنّ القافلة تسير، لا يعطلها شاب ورأيه، أو كاتب ومقاله.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير