الحقيقة بين الصحفي والسياسي! بقلم عاطف سعد

18.04.2013 12:40 PM
تعرض الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وحكومته لهزة سياسية وأخلاقية عاصفة بعد إعتراف وزير الميزانية (المالية) جيروم كاهوزاك أمام القضاء بأنه يمتلك رصيد مالي مودع في حساب سري بإسمه في بنك بسويسرا! وكان الوزير (الذي إستقال لاحقا) قد نفى طوال أسابيع بأنه يمتلك مثل هذا الرصيد.
بإعترافه اللاحق، أكد كاهوزاك حقيقة كان موقع "ميديا بارت" الصحفي الألكتروني كشف عنها في تحقيق صحفي موثق تم نشره. وسبق إعتراف الوزير، أن تعرض "ميديا بارت" لتكذيب سياسيين من الحزب الإشتراكي الفرنسي الحاكم ، ولتشكيك بعض وسائل الإعلام المنافسة.
لكن الموقع الذي يقوده رئيس تحرير مخضرم هو الصحفي Edwey Plenel ، إدوي بلينيل رئيس تحرير سابق لصحيفة ليموند الشهيرة، تمسك بقصته الصحفية التي أثبتت وبالتفاصيل الدقيقة، أن وزير المالية، الذي تلاحق وزارته المتهربين من دفع الضرائب للخزانة العامة، يخرق القانون ويتهرب من دفع الضريبة على مبلغ 600 ألف يورو مودع في بنك سويسري.
أَثارَ نشر قصة كاهوزاك إنتباه وحدة مكافحة التهرب من دفع الضرائب في الشرطة الفرنسية التي طلبت من وحدة الشرطة العلمية التدقيق فيما نشر بخصوص الوزير. ولإجراء تدقيق موضوعي، إستعانت الوحدة الشرطية العلمية ببرنامج معلوماتي للتعرف الصوتي يُدعى Batvox . هذا البرنامج يسمح بإجراء مقارنة سمعية وبصرية مع تسجيل بصوت الوزير، عن حساب بنكي له. وتماثل هذه المقارنة بمقارنة الحمض النووي ADN فللصوت فرادة وبصمة خاصة بصاحب/ة الصوت.
إستمرت عملية التدقيق 3 دقائق و 50 ثانية وكانت النتيجة مطابقة لما ذكره الموقع الصحفي "ميديا بارت". ومع ظهور النتيجة، إنهار جدار الكذب الذي بناه الوزير الفرنسي ليحمي نفسه فأعترف بفعلته وفصله حزبه على الفور من صفوفه.
كما صَدَمت قصة أو فضيحة كاهوزاك الرئيس هولاند وهزت مصداقيته أمام الشعب الفرنسي الذي سبق وتعهد له بأن تكون حكومته مثالا يحتذى في الشفافية والنزاهة وإحترام القانون.
لكن الستار لم يُسدَل ،بعد، على مسرح فضائح الحزب الإشتراكي الفرنسي. وتدحرجت تداعيات فضيحة كاهوزاك على الحزب والحكومة التي يقودها وكذلك على الحلفاء اليساريين، الذين دعوا "لمليونية" في الخامس من أيار القادم في باريس، لينفضوا عن جمهورية هولاند المثالية وليعلنوا جمهوريتهم الإجتماعية الأكثر نزاهة وعدلا.
وبرغم الضجيج السياسي والإعلامي المواكب للفضيحة، فإن الفرنسيين يقدرون دور الصحفي الذي كشف حقيقة وزير خزانتهم، ويعلون من شأن الصحافة الإستقصائية التي لا تُحابي وزيرا أو رئيسا. بالرغم من أن إتجاه الموقع الصحفي الكاشف للحقيقة، يميل لجهة اليسار، لكنه لم يتردد في الكشف عن فِعل يناقض القول تورط فيه وزير محسوب على جبهة اليسار.
وأثنى قائد جبهة اليسار جان- لوك ملنشون، على العمل المهني الجاد الذي قام به الموقع الصحفي "ميديا بارت". وقال، " إن الحقيقة أصبحت تكشف من قبل الصحف والمواقع غير التقليدية وغير الموالية للنظام القائم. أين يبدأ الكذب؟ ومن كان يعرف بهذا الكذب ولم يكشفه؟ إذا كان موقع "ميديا بارت" يعرف الحقيقة فكيف المسؤولان الأولان في هرم السلطة لا يعرفونها؟"
ولِعِلم القراء الأعزاء، فإن موقع "ميديا بارت" الذي إنطلق في آذار 2008، يُنتج صحافة يومية مكتوبة، تعتمد على عمل 25 صحفي محترف يقودهم إيدوي بلينيل ويحصلون على أجورهم مما يسدده المشتركون وعددهم 60 ألفا وليس مما تدفعه وكالات الإعلان أو صناديق الحكومة. يدفع المشترك 9 يورو شهريا ويُعاد تحديث المواد ثلاث مرات في اليوم. وقد صَمَدَ الموقع ثلاث سنوات قبل أن يبدأ بجني أرباح سيستثمر منها إنشاء نسخة بالإنجليزية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير