التأجيل الرابع للانتخابات المحلية..بقلم: ريما كتانة نزال

04.09.2011 06:06 PM

على الرغم من أن تأجيل انتخابات الهيئات المحلية بموجب المرسوم الرئاسي الصادر في الثاني والعشرين من شهر آب الماضي لم يكن مفاجئا للقوى السياسية والمؤسسات المدنية ولسائر المهتمين بالشأن الديمقراطي، إلا أن وقعه كان شديدا ومثيرا للتساؤلات المعلنة وغير المعلنة.

لم يكن مفاجئاً لأن مقدمات دخان التأجيل كانت تنبعث من خلال تصريحات لقيادات من حركتي "فتح" و"حماس" وبعض الآخرين، في الوقت الذي كانت فيه إجراءات لجنة الانتخابات المركزية ماضية بثبات نحو الإعداد الإداري والفني للانتخابات، بناء على القرار الحكومي وعملا بقرار محكمة العدل العليا الصادر في شهر كانون الأول الماضي، وهو القرار الذي اعتبر بمثابة سابقة ايجابية وذات دلالات هامة للقضاء الفلسطيني.

هذا التأجيل يختلف عن تأجيل العديد من الاستحقاقات الدستورية والديمقراطية، بما فيها تلك التي ترتبت على توقيع اتفاق المصالحة الأخير كتأجيل تشكيل الحكومة كمؤشر على البدء بعملية المصالحة، والاختلاف بين التأجيلين يدور حول الأبعاد السياسية لتأجيل الانتخابات العامة ذات الطبيعة السياسية، وبين تأجيل الانتخابات المحلية ذات الأبعاد الخدمية للمجالس التي لا تحتمل القبول بتأجيل نهضتها، دون تجاهل ان قانون الانتخابات العامة يستهدف ربط وتوحيد الفلسطينيين في مناطق السلطة على الصعيد الجغرافي والسياسي والقانوني في إطار الهيئة المنتخبة، بينما يتوجه قانون الانتخابات المحلية الى انتخاب هيئات منفصلة عن بعضها تقوم بمهام محلية مهنية.

إن قرار تأجيل الانتخابات المحلية، الذي يتضح بأنه قد وقع تفاهم ضمني عليه بين الحركتين، لا يمكن اعتباره مفهوما أو مبررا لدى أوساط الرأي العام الفلسطيني، وان كان مريحا وله ما يبرره لدى الطرفين الرئيسيين المعنيين أكثر من غيرهما بالانقسام واتفاق المصالحة. ان التأجيل ليس مفهوما سواء لجهة إطار الشراكة الذي ينبغي أن يكون أكثر اتساعا من مائدة الحوار الثنائي ومن اعتباراتها، أو لجهة الوضع البالغ الصعوبة الذي تمر به المجالس المحلية التي تعيش حالة من التآكل والشلل اللافت.

ان التأجيل الخاص بانتخابات الهيئات المحلية جاء متعاكسا مع الوجهة العامة المتخذة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو لمجلسها المركزي. كما جاء متعاكسا مع قرار محكمة العدل العليا بما فيها جملة الحيثيات التي انطوى عليها قرار المحكمة رفضاً للتأجيل الثاني الذي اتخذته الحكومة الفلسطينية في حزيران 2010. تلك الحيثيات التي أوضحت الجانب الخدمي للمحطة الانتخابية والتي رفضت ربط ذلك بقضية المصالحة أو المصلحة الوطنية العليا، ومؤكدة على أن تلك الانتخابات يمكن أن تتم في أكثر من محطة وليس شرطاً أن يتم ذلك في نفس اليوم في جميع المحافظات، إنْ لم تكن الأوضاع العامة في قطاع غزة مهيأة لذلك.

وجهات نظر وازنة تقول بأن صلاحيات الرئيس تشمل تعديل نصوص القانون الانتخابي، ولكن تأجيلها بمرسوم يبدو انه مثار جدال واجتهاد، ولا يمكن البتّ به إلا من قبل القضاء. ويؤخذ على التأجيل كذلك عدم اعتباره لمعايير الشراكة والمشاركة مع القوى الشريكة في منظمة التحرير الفلسطينية، بدليل المواقف الصادرة عن سبعة من فصائل المنظمة، دون تجاهل مخاطر إطالة عملية المصالحة وبمرور الوقت تصبح نغمة التأجيل معزوفة مستمرة وبما يقوض مستقبل العملية الديمقراطية والالتزام بمبدأ الانتخابات، والخشية من رهن جميع القضايا العاجلة لحين الانتهاء من اتفاق المصالحة الذي قد لا ينتهي..

ووجهات نظر وازنة أخرى تقول بأن التأجيل المفتوح سيفتح الباب على مصراعيه لإجراءات التعيين المنافية للديمقراطية، خاصة وأننا أمام مئات من الهيئات المحلية التي استنفذت الولاية الزمنية المقررة لها بالقانون منذ نهاية عام 2008، وبات العديد منها في وضع لا يحسد عليه أمام الناخبين.

لقد أخطأت القوى المعارضة في تمرير تأجيل الانتخابات المحلية وفي غضها النظر عن قرار الحكومة بالتأجيل الثالث متذرعا بتوقيع اتفاق المصالحة. لقد كان الأجدر بها الإصرار على تنفيذ قرار المحكمة والمطالبة بإجراء المرحلة الأولى للانتخابات في المحافظات الشمالية، والحرص على مبدأ التوازي والتوازن بين مهمات وعناصر البرنامج الديمقراطي والحقوقي ومهام وعناصر البرنامج السياسي والوطني، وان لا تقع مجدداً بشرك تأجيل القضايا الخدمية البنائية للمجتمع وتغليب القضايا السياسية، وفي نهاية المطاف فليس من تعارض بين عملية المصالحة والحوار"الماراثوني" الدائر بشأنها وبين إجراء الانتخابات المحلية، فهما يتقاطعان على صعيد هدف ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وإصلاحه وتعزيز بنائه ونهضته وحماية صموده في وجه الاحتلال، لا أن تضاف الانتخابات البلدية والقروية الى قضايا المناكفة أو القسمة..

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير