الجسد الواحد

03.07.2020 06:08 PM

 كتب طارق طوقان: مع عودة الاغلاق الى حياتنا والاخبار الواردة عن تفشي الوباء بشكل كبير في محافظات الخليل وبيت لحم ونابلس، نعود الى المربع الاول والسؤال الاول كيف نحقق التوازن بين استمرار الحياة والحفاظ على الحياة!!

بداية لا نهون ولا نهول من شأن المرض، وليس الفايروس بأقل مشاكلنا في هذه الايام ونسأل الله الا يكون أكبرها، ولا يخفى على احد حجم المصائب التي تواجهنا كشعب وكمجتمع على كل الصعد، وإن كان ينطبق على مكافحة هذه الجائحة ما ينطبق على باقي القضايا والمشاكل من الحاجة الى مواجهته بروح الجماعة ومن منطلق نحن بدلا من أنا.
في بداية الازمة في شهر آذار اخذت الحكومة كغيرها من الحكومات وبناء على توصيات منظمة الصحة العالمية قرارا بالاغلاق الكامل واصدرت مجموعة من القرارات التي كان نتيجتها توقف الحياة الطبيعية في كافة المحافظات، ولاحظنا التزاما شبه مطلق بهذه الاجراءات في البداية انطلاقا من الغريزة الإنسانية الطبيعية "غريزة البقاء"، الا ان هذه الغريزة نفسها "غريزة البقاء" هي التي دفعت العديد من المواطنين والناس الى المطالبة بالعودة الى العمل والى فتح الاسواق، وكانت قرارات العودة التدريجية الى العمل والى فتح مناحي الحياة.

كان المنتظر من الحكومة مع أخذ القرار بالعودة الى فتح مناحي الحياة تدريجيا في بداية شهر حزيران ان تأخذ القرارات اللازمة لضمان عودة الناس الى الأسواق مع الالتزام بعناصر وعوامل الوقاية، وان تقوم الحكومة واجهزتها التنفيذية واجهزة فرض القانون بوضع القرارات ومراقبة تنفيذها على جميع مناحي الحياة بما يضمن استمرار الحياة ولكن بشكل حذر ومع اخذ الوقاية اللازمة. لكن للأسف لم نشهد من طرف المواطنين ولا من طرف اجهزة الحكومة هذا الاهتمام وراينا انفسنا ننزلق تدريجيا كما في لعبة السلم والثعبان الى المربع الاول.

على ما سبق لعل عودة هذه الجائحة والازمة المستمرة التي نعيشها تذكرنا بضرورة العودة الى الحل المبدئي والمتمثل بفرض سيادة القانون اولا وقبل كل شيء، فمن هنا تستطيع الحكومات ان تضمن احترام قراراتها بل وحتى توصياتها، فلا يمكن ان نستمر بحملات سيادة القانون الموسمية او التطبيق المزاجي لأحكام القانون، وان نرى غياب القانون طول فترة العام ثم نتذكر تطبيق القانون بعد مصيبة معينة او بعد حدث معين، ومن ثم ننتظر من الناس ان تلتزم بتعليمات القانون وقتها، فمن اعتاد على مخالفة القانون من المواطنين وأمن من العقوبة لا يهمه الحملات الموسمية، وببساطة سيقوم بما اعتاد عليه من مراوغة للقانون ولأجهزة تنفيذ القانون.

وكذلك من الضروري إعادة إحياء الروح الجماعية من خلال التشاور مع مؤسسات المجتمع والسماع لرأيهم، لنعيد الثقة إلى المجتمع كمجتمع متكامل ومتعاضد خصوصا في ظل غياب المجلس التشريعي. فأخذ القرارات الحكومية بناء على مشاورة المؤسسات التمثيلية كالنقابات والمجالس والغرف التجارية والمؤسسات الصحية يساهم في وضع سياسات واضحة ولها بعد مهني ومحمية بدعم شعبي ومجتمعي.

الحلول اعلاه تجعل من الاسهل على المواطنين العودة التدريجية الى الحياة الطبيعية وان يحافظوا على غريزة البقاء وفي نفس الوقت تسهم في شعورهم انهم جسد واحد يقلق لمرض جزء منه ويسهر لحماية الاجزاء التي تتعب، فاذا انتشرت الجائحة في منطقة او محافظة او هددت مصيبة منطقة او محافظة معينة تسعى باقي المحافظات وباقي المناطق الى مساعدتها ضمن سياسة حكومية واضحة وقرارات جدية تضمن معالجة المنطقة دون ان يمتد المرض ولا الشلل الى المناطق الأخرى.

اما الحلول والخيارات القائمة على اساس المعالجة الموسمية او الاغلاق الكامل فلا اعتقد انها ستسهم في علاج الوضع الذي نواجهه سواء من النواحي الصحية او السياسية او الاقتصادية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير