استراتيجية ترامب بعيون تل ابيب: إسرائيل ليست سبب مشاكل الشرق الأوسط

25.12.2017 10:54 AM

ترجمة خاصة-وطن: تقول استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة أن إسرائيل ليست السبب في مشاكل المنطقة بأي حال. وتُصَوّر الاستراتيجية، في تشخيصها لواقع الأمن الدولي المحيط بالولايات المتحدة، دول العالم جميعها في حالة من التنافس بطريقة أو بأخرى، وأنه تنافس دائم لا ينقضي، وأن تلك الدول وشك الاقتتال. وفي سياق خطته، وضع ترامب أولويات "السياسة الوطنية الأمريكية" للتحالفات القائمة، وأفردت تركيزاً خاصا على إسرائيل، وشدّدت على ذلك بالقول: "تجدد الولايات المتحدة تأكيدها المتزايد على المصالح المشتركة مع إسرائيل، انطلاقا من ادراكهما للتهديدات المشتركة التي تواجه البلدين".

على الجانب الاخر، تتعارض هذه الاستراتيجية في مجملها مع تحذيرات لطاما ردّدتها الإدارة الأمريكية السابقة في عهد أوباما، حيال مواضيع هامة، مثل المخاطر الناجمة عن تغير المناخ، وغير ذلك. كما تجاهلت الاستراتيجية، وقللت من أهمية عقد الاتفاقيات المتعددة الأطراف، علما أنها كانت الطابع الغالب للسياسة الخارجية الأمريكية، منذ الحرب الباردة.

ويبدو أن ترامب، الذي أطلق "عقيدته" المشهورة منذ سباقه الانتخابي "أميركا أولاً"، قد عكس هذه العقيدة في خطته دون مواربة. وهي خطة يمكن أن تغير بشكل حاد علاقات الولايات المتحدة مع دول بقية العالم، إذا نُفّذَت كما هي عليه الان. وفي تفسير الخطة، قال مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية أن الاستراتيجية تركز على أربعة محاور رئيسية هي: حماية الوطن ونمط الحياة فيه، تعزيز الرخاء الأمريكي، التعبير عن الرغبة الدائمة بالسلام عبر إظهار القوة، والنهوض بالنفوذ الأميركي في عالم متنافس على الدوام.
وشَحَن ترامب استراتيجيته بعقيدة يرى من خلالها أنه يتوجب على الولايات المتحدة البقاء في حالة استعداد دائم، لأنها في وسط دوّامة دائمة من المنافسة الخارجية، وأن عليها أن تقاتل على جميع الجبهات لحماية نفسها والدفاع عن سيادتها أمام الصديق والعدو على حد سواء.

وبينما تقول الإدارة الأمريكية أن عبارة "أمريكا أولا" لا تعني الانعزال بأمريكا لتكون "أمريكا وحدها"، تؤكد أن ذلك الانعزال لن يحدث لأن لديها حلفاء كثر. كما أن استراتيجية الأمن القومي تعني أن الولايات المتحدة ستحمي نفسها وشعبها، حتى لو اقتضى ذلك التصرف من جانب واحد، أو اقتضى الانفراد بالآراء عن الاخرين. حتى ولو كان رأيا واحدا ضد الجميع حيال القضايا الهامة، مثل قضايا التجارة وتغير المناخ والهجرة.

وكانت الاستراتيجية السابقة، التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، في عام 2015، قد أكدت بشكل واضح على أن التغير المناخي يشكل "تهديدا عاجلا ومتناميا لأمننا القومي". وتعقيبا على ذلك، قال مسؤول كبير في الإدارة إن خطة ترامب تلغي تماما تأكيدات الخطة التي سبقتها، على اعتبار أن إدارة ترامب هدّدت فعلا بالانسحاب من اتفاق المناخ في باريس، وانتهى الأمر.
وعلى الرغم من خطر العزلة المحتملة التي قد تنتج عن استراتيجية ترامب، إلا أن أساسيات تلك الاستراتيجية ليست مفاجئة. وقد استعرضت ال "أسوشييتد برس" الوثيقة التي تقع في (70) صفحة، كما تحدّثت إلى شخصين على دراية جيدة بها، فقتول: تؤكد الخطة على أن الأمن الاقتصادي الأمريكي هو أمن قومي، وأن الأمن الاقتصادي يجب ضمانه من خلال القدرات العسكرية. ولهذا، ستكون الولايات المتحدة مهتمة فقط بالعلاقات مع التحالفات التي تكون عادلة وفيها منافع متبادلة، مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وقد عالج ترامب عبر استراتيجيته التهديدات الصادرة عن أنظمة يعتبرها "مارقة" مثل كوريا الشمالية، وقوى يعتبرها "منحرفة" مثل روسيا والصين، وجميعها تهدف إلى الانقلاب على الوضع الراهن، وفق الخطة. وبالأخص ما تقوم به روسيا من أعمال عدائية تجاه أوكرانيا وجورجيا. وما تقوم به بكين في بحر الصين الجنوبي. وقام ترامب بتجديد دعوته للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والناتو إلى المزيد من الإنفاق على الدفاع كما تفعل الولايات المتحدة، حيث قالت الخطة: "تُصر الولايات المتحدة على أن تكون جميع تحالفاتها ذات طبيعة عادلة ومتوازنة ومتبادلة" (أي ألا يقع عبؤها على طرف دون الاخر).
وقال مسؤولون كبار، أن هذه الوثيقة تركز بشكل "مكثف جدا" على الصين، على اعتبار أنها "منافس استراتيجي كبير"، بدلا من اتهامها "بالعدوان الاقتصادي" فقط، وهو ما أطلقه عليها مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الإدارة السابقة (أي أن الخطة رفعت من درجة التحذير من الصين).

وعلى الرغم من وجود الكثير من التحديات على المستوى الدولي، تشير الخطة إلى بعض الفرص الناشئة للنهوض بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وأضاف "يوافق بعض شركائنا الرأي معنا، ويعملون معنا لرفض ومحاربة الأيديولوجيات الراديكالية". وتضيف " إن تشجيع الاستقرار السياسي والازدهار المستدام، سيسهم في تخفيف الظروف التي تؤجج الصراعات الطائفية في المنطقة".

وعند التطرق إلى الصراع بين "إسرائيل والفلسطينيين" وفق مصطلح الخطة، تؤكد الاستراتيجية على "لقد أصبح مفهوما، وعلى مدى أجيال متعاقبة، أن هذا الصراع هو السبب الرئيس الذي يحول دون حلول السلام وتحقق الازدهار في المنطقة". وتضيف "واليوم، فإن التهديدات التي تشكلها المنظمات الجهادية المتطرفة، والتهديد الذي تشكله إيران، يؤكدان حقيقة واحدة هي أن إسرائيل ليست السبب في مشاكل المنطقة بأي حال. وأن الولايات المتحدة لطالما وجدت، وبشكل دائم ومتزايد، مصالح مشتركة مع إسرائيل، على اعتبار أن التهديدات التي تواجههما هي تهديدات مشتركة أيضا".

وعند الحديث عن روسيا، فقد حمل هذا الحديث انتقادا واضحا، وهو معاكس وبمثابة نقلة نوعية لسياق الكلام العام والدافئ بين ترامب والرئيس الروسي بوتين، وخصوصا في الفترة الأخيرة. يذكر أن الزعيمان كانا قد تحدثا مرتين خلال أربعة أيام مؤخرا. حيث قام ترامب بتوجيه الشكر إلى بوتين على كلمات جميلة كان الرئيس الروسي قد أدلى بها حول سوق الأسهم الأمريكي وميزاته. وبالمقابل، توجه بوتين بالشكر إلى ترامب، وجاء بالأخص على ذكر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي إيه) لمساعدة الروس في إحباط مخطط لعملية تفجير في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية. ولم تتطرق الاستراتيجية بشكل واضح إلى المحاولات الروسية للتدخل في النظام السياسي الأمريكي، بل أبرزت، بدلا من ذلك، ضرورة العمل على تحسين قدرات المؤسسات الديمقراطية الأمريكية، وجعلها أكثر مرونة.

وفي ختام الخطة، عادت الرؤية الأمنية الأمريكية وأعربت عن أسف الولايات المتحدة لأنها وضعت نفسها في أوضاع غير مناسبة، من خلال الدخول في اتفاقيات متعددة الجنسيات، مثل اتفاقية مكافحة التغير المناخي، وما يترتب عليها من ضرورة اعتماد سياسات محلية لتنفيذها في أمريكا.

 

ترجمة: ناصر العيسة، عن: "واي نت" بالإنجليزية

تصميم وتطوير