الجذع الذي نبتت عليه قصائدنا

13.10.2017 10:10 AM

كتب: حمدي فراج

لمجرد ذكر اسمه ، الشاعر عبد الكريم الكرمي "ابي سلمى" ، اشعر بإنشداد شديد نحوه ، لأسباب لا استطيع سبر غورها الا بعد جهد ولأي ، لأكتشف انها مجرد اجتهادات لا أكثر ، قد تصيب وقد تخيب ، لكنها كلها معا بدون شك تحمل معنى الصوابية .

قبل يومين ورد في وسائل الاعلام ذكرى رحيله السابعة والثلاثين ، استذكرت يومها (11-10-1980) انه اوصى بدفنه في دمشق ، لطالما ان لا حيفا التي نشأ فيها وتعلم ، ولا طولكرم التي ولد فيها – والتي لم تكن قد تحررت بعد - محظورتان عليه حيا ومسجى ، واستذكرت ما قاله الشاعر الكبير محمود درويش في تأبينه انذاك: اعطني يدك لأقرأ عليها خارطة الوطن المحتل .

ثم اكتشفت ، ان ليس هذا ولا ذلك سبب قوة الجذب التي يحدثها "ابي سلمى" ، بل قصيدته ذائعة الصيت فلسطينيا وعربيا "لهب القصيد" اربعينيات القرن الماضي ، والتي حوصرت ومنعت وحظرت اكثر بكثير مما تفعله مخافر الشرطة العربية بالأفيون والحشيش . وعلمت ان الاديب الكبير ابراهيم عبد القادر المازني والصحفي اللامع محمد حسنين هيكل قد ابديا اهتمامهما بالشاعر ، ما ابداه محمود درويش "بالجذع الذي نبتت عليه قصائدنا" .

سأختار بعض الابيات المفصلية في هذه "القصيدة التربوية" فنقارنها مع ايامنا الحالية : انشر على لهب القصيد ، شكوى العبيد الى العبيد / اني لأرسلها مجلجة الى الملك السعودي / أمحللا ذبح القريب ، محرما ذبح البعيد / لهفي على الاردن كيف يسير كالرجل الطريد / في ضفتيه مآتم قامت على الماضي المجيد/ عرّج على اليمن السعيد وليس باليمن السعيد / واعطف على بغداد عرش هارون الرشيد / واهبط الى مصر الهلوك ، وقل لها يا مصر ميدي/ دع سبحة التضليل واخلع عنك كاذبة البرود/ قوموا انظروا القسّام يشرق نوره فوق الصرود / يا من يعزون الحمى ، ثوروا على الظلم المبيد / بل حرروه من الملوك وحرروه من العبيد .
  ربما تكون هذه القصيدة بمثابة الدرس والمدرس ، بل العلم الثوري المسبق لحالة هذا الوطن تشخيصا وعلاجا ، في وحدة متصارعة لأضداد لا تنتهي : وطن لا يتحرر من ملوكه الا بالتحرر من عبيده ، اشادة مبكرة بشروق الشيخ القسام ، لكن بدون سبحة التضليل .

ثم اكتشفت ان المسألة تعود الى الوراء ، ورائي ، ابعد من ذلك بكثير ، الى صفي السادس الابتدائي 1967، حصة اللغة العربية للاستاذ الراحل عبد الرحمن رضوان من قرية تل الترمس قرب فالوجة عبد الناصر ، قصيدة "غدا سنعود" ،  غرسها الاستاذ فينا عن ظهر قلب وظهر عقل :
فلسطينُ الحبيبةُ كيف أَنسـى ، وفــي عَيـنـيَّ أطـيـافُ الـعَــذابِ 
تَــمُــرُّ قــوافــلَ الأيــــامِ تَــــروي مُـؤامــرةَ الأعـــادي والـصِّـحــابِ 

فلسطينُ الحبيبةُ كيف أحيا ،  بعيداً عن سهولكِ والهضابِ 

تناديني مآذنُكِ اليتامى ، تناديني قراكِ مع القبابِ 
نعود مع العواصــف داويــاتٍ ، مـع البرقِ المقدسِ و الشـهابِ
مع الرَّاياتِ داميةَ الحـواشي ، على وهْجِ الأسنَّةِ والحرابِ
غداً ستعودُ آلافُ الضحايا ، ضحايا الظلمِ تقرعُ كلَ بابِ 

"ابي سلمى" 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير