اضرار توجّه الفلسطينيين للمحكمة الاسرائيلية العليا اكثر من فوائده

31.01.2017 12:44 PM

تسأل المحامية طاليا ساسون، رئيسة صندوق اسرائيل الجديد في مقالة تنشرها في "هآرتس": هل آن الأوان للتشكيك بفرضية اساسية؟ بأن على المحكمة العليا اغلاق ابوابها امام إلتماسات اصحاب الاراضي الفلسطينيين  لأن الضرر الكامن في قراراتها يزيد عن الفائدة؟

اسرائيل لا تتمتع بالسيادة في الضفة التي تدار بواسطة "الاحتلال العسكري"، حسب ما تشير اليه المعاهدات الدولية. كما ان القانون الاسرائيلي لا يسري عليها. ورغم ذلك اقامت اسرائيل في الضفة مئات المستوطنات التي يعيش فيها حوالي 400 الف مستوطن (هذا لا يشمل القدس الشرقية).

منذ 1967، فتحت المحكمة العليا ابوابها امام الفلسطينيين، ايضا من اجل الدفاع عن اراضيهم في مواجهة المستوطنين. هذا القرار لم يكن نتاج قانون وانما سياسة، ربما نبعت من الطموح الى اقامة احتلال "مستنير". لقد قلصت هذه السياسة المس بالفلسطينيين بفعل امكانية الالتماس. وقد كبحت الالتماسات الاستخدام المبالغ فيه للقوة وساهمت في الحفاظ على حقوق الفلسطينيين. وخففت الرقابة القضائية من صورة اسرائيل كدولة محتلة.

المستوطنات، حسب المحكمة الدولية في لاهاي، غير قانونية. وهذا ايضا هو موقف غالبية دول العالم. لقد حددت المحكمة العليا بأنها لن تحسم في المسألة القانونية للمستوطنات لأنها سياسية وتخضع لقرارات الحكومة. ومن وجهة نظر المحكمة العليا، فان المستوطنات تعتبر مؤقتة، الى ان يتم تحقيق السلام مع الفلسطينيين. ولكن بالنسبة للبؤر التي ناقشتها المحكمة العليا (ميغرون وعمونة) فقد تم التحديد بأنها غير قانونية حسب القانون الاسرائيلي الداخلي، رغم انه لم يتم فحص قانونيتها من وجهة نظر القانون الدولي.

صمت المحكمة العليا بشأن المستوطنات وموقفها بشأن البؤر الاستيطانية، يخلق صورة وكأن المستوطنات تحظى بغطاء قانوني، مقابل البؤر غير القانونية. الحقيقة هي ان المحكمة العليا تريد اقصاء نفسها عن الحلبة السياسية، وكانت مستعدة لدفع الثمن بعملة صعبة هي سلطة القانون: غض النظر (حسب رأيي) عن عدم شرعية المستوطنات. وهكذا تم اقامة مستوطنات، واضطرت المحكمة العليا للدخول الى الحلبة السياسية، التي تستدعي الحسم لإخلاء البؤر، وتحولت رغم ارادتها، الى لاعب على الحلبة السياسية.

لقد اقيم حوالي نصف البؤر الاستيطانية على اراضي فلسطينية خاصة. وبما انه تم في 1979 منع انتزاع اراضي فلسطينية خاصة لصالح المستوطنات، لأن هذا يتعارض مع القانون الدولي، فانه من المتوقع تقديم الكثير من الالتماسات لإخلاء البؤر. الكثير من الجمهور لا يميزون بين قرار إخلاء بؤرة لأنها غير قانونية، وبين قرار سياسي بالاخلاء. في كلا الحالتين يتعرض من يقرر الاخلاء الى تصنيفه سياسيا. بما ان المحكمة العليا هي الوحيدة التي تأمر بإخلاء البؤر خلال العقدين الأخيرين (باستثناء الانفصال) فان الجمهور يعتبرها جهاز سياسي. هذا يسبب تخفيض مكانتها ويستغل من قبل السياسيين لإضعاف المحكمة في قضايا اخرى ايضا.
عندما تضطر المحكمة العليا، لأسباب قانونية، الى اصدار قرار بالإخلاء، فإنها تجد امامها حكومة تتخوف على الائتلاف، تعارض الاخلاء ايديولوجيا، وتحمل المحكمة مسؤولية الاخلاء. وعلى مدار عامين تماطل الحكومة وتؤجل الاخلاء المرة تلو المرة، وتهدد بأنها اذا لم تحصل على تمديد – فستتحمل المحكمة العليا مسؤولية العنف (اذا عارض المستوطنون الاخلاء بالقوة). وفي نهاية الأمر تدير المحكمة العليا مفاوضات على شروط الاخلاء مع من وصفتهم في الامس بـ"مخالفي القانون". والنتيجة: احتقار القانون (والمحكمة العليا)، صدام مباشر بين المحكمة العليا والحكومة، ومحاولة من قبل سياسيين لاستبدال قضاة المحكمة بقضاة يلائمونهم. والمستوطنين؟ هؤلاء سيحصلون على إخلاء وفق شروط فاخرة: الدولة ستبني لهم بيوت بديلة وتدفع لهم تعويضات عن اقتلاعهم من كرفانات اقيمت على اراضي خاصة سرقت من الفلسطينيين.

في قاعدة القرار القانوني الذي يتيح استخدام الاراضي للمستوطنات، يقف التحديد بأن استخدام الارض سيكون مؤقتا. واذا تم طرح الادعاء بأنه تم انتزاع الارض بشكل دائم، تلغى قانونية المستوطنة. في قضية الون موريه، كتب رئيس المحكمة العليا موشيه لندوي، انه "لا يمكن للحكم العسكري خلق وقائع على الارض.. فيما لا نعرف ماذا سيكون مصير الأرض بعد انتهاء الحكم العسكري".
يبدو انه بعد 50 سنة انتهى معيار "المؤقت" للسيطرة على الأراضي، وهذا يعني ان السيطرة على الارض لبناء المستوطنات غير قانوني. هنا لم يعد الأمر يتعلق بالنقاش حول معاهدة جنيف، وانما عن معيار حددته المحكمة العليا. بعد 50 سنة يصعب تعريف السيطرة على الأرض بأنها "مؤقتة".

لو تم تبني رأيي فان المحكمة العليا التي فتحت ابوابها للالتماسات دفاعا عن الأراضي، كان يجب عليها اغلاقها. لقد فعلت ذلك من تلقاء نفسها، ولأن القانون الدولي سمح بذلك. اليوم، بعد 50 عاما، لم يعد القانون الدولي يسمح بذلك. كل تحليل آخر هو غير معقول بشكل واضح. اذا حددت المحكمة العليا بأن القانون الدولي لم يعد يسمح لها بمناقشة التماسات بشأن اراضي الفلسطينيين التي تمت السيطرة عليها بشكل غير قانوني، عندها سيطرح الموضوع على الحلبة السياسية.

هذه نتيجة صعبة للفلسطينيين، ولإسرائيل، ولكنه في كل الأحوال تكاد مراقبة المحكمة العليا لا تمنع المس بحقوق الملكية الفلسطينية. المحكمة العليا تناقش فقط الالتماسات القليلة المطروحة امامها، وهذه ايضا يتم تأجيلها منذ سنوات بسبب ابعادها السياسية. مواصلة مراقبة الجهاز القضائي، ظاهرا، يخلق وهم تخفيف نتائج الاحتلال ويمنح غطاء قانونيا "لمشروع" الاستيطان. مواصلة النقاش في هذه الالتماسات يعرض الديموقراطية الاسرائيلية وحاميتها – المحكمة العليا، الى مخاطر التسييس وفقدان ثقة الجمهور، من جانب مؤيدي المستوطنات والمعارضين على حد سواء. ولذلك يجب على المحكمة العليا اخراج نفسها من هذه الالتماسات.

تصميم وتطوير