في الهند: سكان يعيشون مع النمور

15.06.2016 05:36 PM

وطنفي أبريل / نيسان عام 2016، ورد خبر نادر عن النمور، فللمرة الأولى منذ أكثر من قرن، يرتفع عدد النمور حول العالم، وأشار آخر إحصاء عالمي إلى أن هناك 3890 نمرا، مقابل 3200 فقط في عام 2010.

وهناك العديد من الأسباب وراء هذا الارتفاع. لكن أحد العوامل الرئيسية هو أنه في بعض الأماكن يجد الناس طرقا للعيش جنبا إلى جنب مع النمور.
وتعتبر الهند موطنا لحوالي نصف النمور في العالم، وفي عدة مناطق فيها، تتعايش بعض القبائل المحلية مع النمور بسعادة إلى حد ما.
قد يبدو ذلك مفاجئا، ففي النهاية، تقتل النمور الناسَ أحيانا، لذا فقد تبدو كأسوأ أنواع الجيران. إلا أن الناس يعيشون معها بغض النظر عن ذلك.

وأكثر من ذلك، ربما تساعد هذه المجتمعات القبلية النمور. وتقول منظمة "سيرفايفل أنترناشيونال"، وهي منظمة خيرية تهدف إلى حماية حقوق الشعوب الأصلية: "إن الشعوب القبلية هي أفضل المحافظين على البيئة وحماة العالم الطبيعي". ويعد ذلك قولا ذا دلالات كثيرة، لكن هناك ما يدعمها بالفعل.

في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، أصدرت منظمة "سيرفايفل أنترناشيونال" بيانات عن النمور التي تعيش في محمية "بي آر تي للحياة البرية" في ولاية غاتس الغربية بالهند، أظهرت تلك البيانات أن أعداد النمور تضاعفت بين عامي 2010 و2014.
وبالتالي يصبح معدل النمو في تلك المحمية أعلى بشكل ملحوظ من المعدل الوطني العام في الهند. وتعيش تلك النمور في غابة جنبا إلى جنب مع قبيلة من السكان الأصليين تُدعى "شعب سوليغا".

وأحد الأسباب المحتملة لهذا النجاح في الحفاظ على النمور هو أن شعب سوليغا ينظر إلى النمر كإله. وقال أحد أفراد القبيلة: "نحن نعبد النمور كآلهة. لم يكن هناك حادث واحد من الصراع بين النمور وشعب سوليغا، أو أي صيد هنا".
فيما قال آخر:" لقد كنا نحن الذين نبحث عن النمور. فإذا تخلصتم منا، فإنكم تتخلصون من النمور معنا". وقد يكون هذا التعايش بين النمور والبشر أكثر شيوعا مما كنا نعتقد سابقا.

وفي الفترة الأخيرة، استطلعت دراسة نشرت في مايو / أيار هذا العام آراء الناس الذين يعيشون قرب محمية "بور للحياة البرية" في مدينة ماهاراشترا. وتوصل الباحثون إلى أن السكان المحليين متسامحون أكثر تجاه النمور.

وقد يكون النظام الغذائي لهؤلاء السكان أحد العوامل المهمة في هذا الإطار. فغالبيتهم من محبي تناول النباتات (نباتيين)، لذا فهم لا يصطادون الحيوانات البرية للحصول على الغذاء. وهذا يعني أن هناك الكثير من الفرائس أمام النمور لاصطيادها.

بل وأكثر من ذلك، فلأن القرويين يزرعون المحاصيل على الأغلب، فقد ذكروا أنهم يرغبون في وجود النمور لأنها تبعد الحيوانات التي تداهم المحاصيل. ويعتقد مزارعو الألبان أيضا أن النمور مفيدة لأنها تثني لصوص الحليب عن التسلل إلى المنطقة.

وعلى عكس شعب سوليغا، حدث صراع قبيلة أخرى تعيش بالقرب من محمية "بور للحياة البرية" وبين النمور. وقتل عدد قليل من الأشخاص وبعض الماشية. ولكن حتى ذلك لم يتسبب في مواقف سلبية تجاه النمور.

وأحد أسباب ذلك التسامح الرائع هو أن السكان المحليين هم من الهندوس، ويعتقدون أن النمر حيوان لنقل الآلهة دورغا.
ولكن رغم قصص النجاح هذه في مختلف أنحاء الهند، يتم طرد القبائل من السكان الأصليين من أماكنهم الطبيعية، وفي كثير من الأحيان باسم الحفاظ على النمور.

تقول صوفي غريغ من منظمة "سيرفايفل إنترناشيونال":" تبدو لي مفارقة كبرى أن الداعين إلى الحفاظ على البيئة لم يدركوا أن الأماكن الوحيدة التي استمر وجود النمور فيها هي المناطق التي تطرد منها القبائل الأصلية الآن".
وباتت مسألة ترك الناس يعيشون بالقرب من محميات النمور أو طردهم قضية مثيرة للجدل.
في ثمانينيات القرن الماضي، أعيد توطين بعض سكان غوجار الذين كانوا يعيشون في مناطق النمور شمالي الهند في أماكن أخرى.

وفي دراسة نشرت عام 2013، قابل أبيشيك هاريهار من جامعة كانتربري في كنت في المملكة المتحدة بعض أولئك الذين بقوا في مناطقهم. وقد وجد أن العديد منهم يرغب في الرحيل.

يقول هاريهار: "بعد رؤيتهم لحياة ذويهم تتحسن خارج الغابات، فإن المتبقين من سكان غوجار مستعدون للتفكير في إعادة توطينهم بعيدا عن منازلهم التقليدية". ويضيف أن الحياة البرية انتعشت "بشكل سريع جدا" في المناطق التي تم التخلي عنها.
وليس من الواضح ما إن كان هذا النمط سيتكرر في أماكن أخرى. وكان سكان غوجار يعرفون أنهم أفرطوا في استغلال الموارد الطبيعية في غاباتهم ولم يعد بإمكانهم تربية مواشيهم بشكل مربح.

ونتيجة لذلك، فكروا في أنه من الأفضل لهم الانتقال إلى مكان يسهل فيه الحصول على فوائد أخرى مثل التعليم.
ولكن هاريهار قلق من أن بعض سكان غوجار قد يُضطر إلى الصيد غير المشروع في الحياة البرية، وهو أمر قد يكون مربحا للغاية إذا ما ظلوا في الغابات وتركوا في حالة فقر.

يقول هاريهار: "كان هناك عدد متزايد من الحالات التي سمم فيها الغوجار جثث الجواميس لقتل النمور، ومن ثم بيعها للتجار من أجل جلودها وعظامها".

ويضيف هاريهار أن تلك القبائل تلقت القليل من التعويضات مقابل مواشيها التي قتلتها الحيوانات المفترسة. لذا فقد سممت مرارا مواشيها لقتل النمور. كما أن أفراد القبائل شاركوا في عمليات الصيد غير القانونية المنظمة.
ومع ذلك، ترد غريغ بالقول إن هناك مبالغة في هذه المشكلة. وتقول إنها لا تعلم بأي أناس قبليين شاركوا في الصيد غير المشروع للنمور.

وتضيف بالقول: "هناك خطر دائم من إمكانية صيد النمور لبيعها في السوق السوداء، والخطر أكبر عندما يكون الناس فقراء ويشعرون بالاستياء. ولكن إذا عملت مع هذه المجتمعات المحلية، فستعلم أن احتمالات إقبالهم على ذلك قليلة".
لن يكون من السهل أبدا العيش مع الحيوانات التي يمكن أن تقتلك وتلتهمك أنت وماشيتك. لكن السماح للمجتمعات المحلية بإدارة أراضي أجدادها قد يثبت أنه الجزء الأكبر من الحل. وكما يقول هاريهارا: "العمل مع السكان الأصليين هو الحل".

بي بي سي

تصميم وتطوير