مجتمع يتذكر موتاه ولا يخجل من تحقير ضحاياه

05.05.2016 04:15 PM

وطن: كتب جدعون ليفي

فاطمة وصلاح طه فقدا إبنيهما في الاسبوع الماضي: مرام وابراهيم قتلا بالرصاص في حاجز قلندية. في عملية اعدام اخرى بحق من اشتبهوا كحاملي سكاكين. صلاح هو سائق سيارة عمومية من قطنة والذي على مدى سنوات كان ينقل جزارين ومراقبي طريقة الذبح من بني براك، أصبح أب ثاكل مزدوج.

لكن مأساة صلاح لا تكفي اسرائيل. فهي تصمم على تعذيبه أكثر. لا تكفيها معاناته ومعاناة زوجته. لا يوجد تفسير لتصميمها على عدم اعادة جثث الأبناء الى هذين الوالدين البائسين، لا يوجد تفسير سوى سعي عدد من السياسيين لارضاء رغبة الانتقام لدى ناخبيهم.

المنافسة بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير الامن الداخلي تتم حول موضوع جثث الفلسطينيين. وقد وصلت الى ذروتها: جلعاد اردان، باسم الشرطة والوطنية ومؤيديه في الليكود، لا يقوم باعادة الجثث. وزير الدفاع باسم الانسانية المصطنعة، يعيدها. وبنيامين نتنياهو يأمر بعدم اعادتها، وقد أعاد لوزرائه في هذا الاسبوع صلاحية ادارة ثلاجات الاموات. جثة من دهس في دولب تمت اعادتها

أول أمس. ومن حسن حظه أن الجنود هم الذين قتلوه وليس الشرطة. وقد احتج على اعادة الجثة عضو الكنيست أورن حزان.
من أين هذا السوء؟ من أين هذه الشيطنة تجاه عائلات ثكلى ضاع عالمها؟ قُتل أبناءهم احيانا كما تقتل الحيوانات الضالة ولم يُقدم لهم العلاج الطبي وبقوا مستلقين مثل الجيفة على الشارع. وبعد ذلك لا يعيدون للعائلات احترامها وعزاءها ليتم دفن الجثث.

حماس ايضا تتصرف هكذا، بنفس القدر من الانحطاط. لكنها تفعل ذلك في محاولة لاطلاق سراح أسراها. واسرائيل تفعل ذلك بذريعة أنها لا تريد جنازات كبيرة ولا تريد رفع شأن الاموات: إنها لا تمنح نفسها فقط الحق في من يعيش ومن يموت، بل ايضا من يتحول الى بطل. وكأن هدم المنازل ومصادرة تصاريح العمل من أبناء عائلات القتلى لا يكفي، فقد سقطت على رؤوسهم هذه القضية ايضا.
إن الجثث آخذة في الازدياد في الثلاجات والجوارير. جثث من حملوا السكاكين ومن دهسوا وايضا المشبوهين بذلك. اغلبيتهم قتلوا بلا داع، رجال ونساء، شباب وشابات قرروا مقاومة الاحتلال بطريقة يائسة جدا، مصادرة جثثهم – حتى لا نقول سرقتها – لا تزيد ألم العائلات فقط، بل هي تزيد ايضا الغضب والاحباط والرغبة في الانتقام في المناطق. وهناك لافتات كثيرة تنتشر في المدن كُتب عليها “أعيدوا لنا الجثث”.

هذه مرحلة اخرى من القمع في عدم أنسنة الفلسطينيين من اجل استمرار السيطرة عليهم. في البدء لم تكن حياتهم تساوي شيء. والآن جثثهم كذلك. الحياة تعود إلينا وكذلك جثثهم.

الناس الذين ليست لهم حقوق وولدوا لكي يقتلوا، لا توجد لهم مشاعر ايضا. مسموح تعذيبهم وهم على قيد الحياة أو أموات، وبعد ذلك ايضا. إن كلمتي “آباء ثكالى” لا تناسبهم. فأين هم من الثكل؟ الآباء الثكالى هم نحن فقط، والثكل يخصنا وحدنا وكذلك الألم والحقوق. إن المجتمع الذي لا يمر فيه يوم دون أن يتذكر موتاه لا يخجل من تحقير واهانة مشاعر ضحاياه.

في بيت العزاء في قطنة قال لي عم القتلى في هذا الاسبوع: “قتلوهم، قتلوهم – لكن على الأقل أعطونا الجثث. نحن لا نستطيع مواصلة حياتنا بدون دفن”. عندما طلب معرفة مصير جثث أبناء أخيه في الادارة المدنية في بيت إيل تم طرده من هناك. ما الذي تفعله هنا أصلا، سألوه قبل طرده. وهذا صحيح، ما الذي يفعله هناك أصلا.

هآرتس   5/5/2016

تصميم وتطوير