هل تمطر السماء فرصاً؟ أم أنها نتاج ما نعمل ونخطط؟

15.04.2016 09:25 PM

كتب ذوقان القيشاوي

قال وينستون تشرتشل "يرى المتشائم الصعوبة في كل فرصة، أما المتفائل فيرى الفرصة في كل صعوبة"، وقال هنري فورد "كلما لاح النجاح نتيجة التخطيط الجيد والمثابرة المستمرة ،مقرونين بالفرصة المواتية، اعتبر الناس ذلك حظا"، وكأن كليهما يريان أن الفرص صنيعة صاحبها، وكأنها تحتاج إلى الكثير من العمل والتخطيط والهمة العالية والمزيد من العمل الجاد، ولكن بالتأكيد ستكون النتيجة على الأغلب أفضل.
في الزمن القديم قالوا لنا " إن الفرصة تأتي مرة واحدة في العمر"، وكمثلي فهناك من يشكك بهذه المقولة، ويرى أن الفرص تتكرر، ويرى البعض أيضاً أننا من نصنع الفرص في الحياة، ونساهم بشكل كبير في تشكيلها كما نشاء في بعض الأحيان.  وقالوا لنا " تعيس الحظ لا يتعب ولا يشقى" ، لقد عشنا في أسر مجموعة من الجمل كبلتنا وحدت من إمكانياتنا، وجعلتنا فقط ننظر لنجاح الآخرين بعين من الحسرة، وتركت فينا جرحاً كبيرة كان عنوانه الفشل، يقول المثل الإنجليزي " لا يوجد فشل، بل توجد تغذية راجعة"، نحن بشكل يومي بحاجة إلى أن نعيد حساباتنا، ونراجع ذاتنا، ونعدل في الكثير من الأشياء لأن هناك متغيرات حولنا يتوجب أن نقرأها بتعمق كبير.
التقيته في العام 2011، كان طالباً في جامعة النجاح، يدرس الهندسة الميكانيكية، وكان سؤاله الكبير "هل يمكن لي أن أصنع آلة نقش الحجر"، لقد كان هذا السؤال خارج المألوف، وخارج حيز التفكير التقليدي، فالمعظم يفكر في أن يدرس لينجح، وكأن وجوده في الجامعة في نهاية المطاف من أجل أن يحصل على العلامة والنجاح ، ولكن وبعد الكثير من الإصرار، والكد، والجهد تمكن من نقل فكرته من الورق إلى حيز التطبيق ليحقق لذاته وللآخرين نموذجاً متألقاً، وليقول لنا أن هناك مساحة للإبداع والتأمل، وهناك فرصة كبيرة يمكن البدء بإمساك زمامها لنسير في طريق ملهم، ومن هنا كانت البداية في خلق الفرص تلو الفرصة، فكان سؤاله الثاني " هل يمكن لي أن استثمر خبراتي وكفاياتي في الخياطة لتحقيقي تميز؟" ، وعاود الكرة مرة أخرى ونجح في تأسيس شركة عندما كان عمره حوالي 24 عاماً، وركز على منطقة مهمة في هذا القطاع وهو الزي المدرسي، وتألق كثيراً حتى أصبح ملهما في قصته للكثيرين.
لا تقف الدنيا عن تجربة واحدة، ولا تنتهي الحياة عند أول عثرة، فكل مرة عندما نتعثر، سنتعلم الكثير عن الأشياء وعن ذاتنا، ونخرج من الأحداث بمخزون كبير من الخبرات نشكل بها هويتنا ونعيد من خلالها تمكين الذات، ورسم ملامح المرحلة القادمة، فالفرص تحتاج إلى شخصية مبادرة، مؤمنة بذاتها، واعية لقدراتها، وعارفة لأحلامها، وراسمة ملامح المستقبل بشكل أفضل وبصورة كلها أمل بتحقيق الذات.
وقد يدور بذهن البعض سؤال جوهري ألا وهو "من أين نبدأ حتى نصنع الفرص؟"، البداية تكون دائما من المحطة الأولى وهي الذات، وهي مرحلة مراجعة الذات بطريقة لا نجلد بها ذاتنا، فمهما بلغت الأخطاء والهفوات، فإنه من غير المفيد أن ندخل دائرة الندم العقيم، ونعيش في حوصلة الذنوب إلى الأبد، يجب أن نسأل ذاتنا "ماذا تعلمنا من كل تجربة؟"، فكما يقولون "الحياة هي تجربة تعلم"
المحطة الثانية في تعزيز الفرص لها علاقة ببناء القدرات الذاتية وبشكل نوعي، واستثمار الوقت بطريقة فعالة، فنحن بحاجة إلى امتلاك الكثير من الكفايات ضمن مناطق الاهتمام الخاصة بنا وبما يتناسب مع إمكانياتنا، وهناك أهمية كبيرة في تنويع مصادر بناء القدرات، هناك العديد ممن استثمروا المنصات الخاصة بالتكنولوجيا ووسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي.
المحطة الثالثة وهي خاصة بشبكة العلاقات، فمن المهم جداُ أن نكون ضمن إطار شبكة علاقات نوعية ومحدثة ونمط اتصال سريع وفعال، شبكة العلاقات الفعالة تكون قادرة على تحقيق نقلة نوعية في حياتنا، فهم يعلمون عن الفرص، ولديهم أيضا شبكات علاقاتهم الواسعة، والتي من خلالها يختصرون علينا الوقت في البحث عن الأشياء في هذا العالم المتزاحم بالكم الكبير من المعلومات.
المحطة الرابعة وهي ذات علاقة، بدراسة الفرصة والقيام بعملية حساب التكاليف والعوائد، وعندما نتحدث عن التكاليف أو العوائد لا نقصد فقط الجزء المالي، فهناك الوقت، الفرص البديلة، التأثيرات السلبية والايجابية للفرصة المطروحة، هذا بالإضافة إلى علاقة الفرصة باحتياجاتنا وأولوياتنا، ستصبح هناك عملية غربلة الفرص مهمة وعقلانية لنأخذ منها ما نحتاجه بالفعل.
إن النجاح في صناعة فرصة واحدة سوف يؤدي بالمطلق إلى وجود منهجية، ومأسسة للعملية، وسيكون من السهل بعدها الوصول إلى مستويات أعلى في تحقيق الذات، وتغيير الكثير من النظرية السلبية للواقع، فمع كل صباح تصنع فرصة وأقلها أننا أصبحنا بعقل وجسم سليمين، وهناك نهار جديد يمكن أن نبدأ به وكلنا أمل ويقين أن ثمرة النجاح قريبة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير