مطامع إسرائيل في سوريّة تحولّت إلى أضغاث أحلام

09.03.2016 02:51 PM

وطن:منذ اندلاع الأزمة السوريّة، قبل خمسة أعوام بالتمام والكمال، يكرر أركان إسرائيل بأنّ تل أبيب لا تتدّخل فيما يجري ببلاد الشام، ويقوم الإعلام الاسرائيلي بعملية كيّ الوعيّ العربيّ والغربيّ والإسرائيليّ أيضًا، طبعًا بأوامر من المُستويين السياسيّ والأمنيّ لتمرير هذه روايتهم، التي باتت لا تنطلي على أحدٍ، ويستخدم الإعلام الإسرائيليّ جميع عوامل الحرب النفسيّة لإقناع الآخرين بهذه الرواية، كما استطاعت الصهيونيّة إقناع الغرب في الماضي غير البعيد بروايتها المُزيفّة من ألفها حتى يائها، بأنّ فلسطين هي أرضٌ بلا شعب، لشعبٍ بلا أرضٍ.

ولكن قبل الولوج قي المصالح الإسرائيليّة في سوريّة، يجب التذكير بمقولة مَنْ يُطلقون عليه الصهاينة، مؤسس اسرائيل، دافيد بن غوريون، وهو أوّل رئيس وزراء في إسرائيل، مقولة مشهورة تدُلّ على أطماع الصهيونيّة قبل بدء الأزمة السوريّة بسنواتٍ طويلةٍ، قال بن غوريون: إنّ عظمة إسرائيل لا تكمن في ترسانتها النوويّة، بل في تدمير الجيوش العربيّة: العراقيّ، المصريّ والسوريّ.

الجيش المصريّ “أُخرج” من دائرة المُقاومة والمُمانعة عن طريق ما أُطلق عليه اتفاق الذّل والعار، المُسّمى كامب ديفيد في العام 1979، والعلاقات اليوم بين تل أبيب والقاهرة تمُرّ في أوج شهر العسل، حسبما قال مُحلل الشؤون العسكريّة في القناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيليّ، أور هيلر، مُضيفًا أنّ التنسيق الأمنيّ بين الجيشين الإسرائيليّ والمصريّ وصل إلى أوجه.

الجيش العراقيّ، دُمرّ في العام 2003 بعد الغزو الأمريكيّ-البريطانيّ لبلاد الرافدين، وبعد انتهاء الإمبرياليّة، المُمثلة بالولايات المتحدّة الأمريكية وجريراتها من عرب وعجمٍ، من القضاء على الجيشين العربيين، المصريّ والعراقيّ، جاء دور الجيش السوريّ، لإكمال تحقيق حلم الصهيونيّ بن غوريون. ولكنّ الرياح لم تجرِ كما تشتهي الإمبرياليّة، الصهيونيّة والرجعيّة العربيّة، وبغضّ النظر وبصرف الطرف عمّا فعله الجيش العربيّ السوريّ وعن الاتهامات التي وُجهّت له، إلّا أنّه أثبت لكلّ مَنْ في رأسه عينان، على أنّه جيشًا عقائديًا، ومن عولّ على تفككه عن طريق الانشقاقات، اكتشف أنّه عصيًّا على المؤامرات، واليوم بعد خمس سنوات من الحرب الضروس التي يخوضها أكّد أنّه ليس لقمةً سائغةً.

وربمّا هنا المكان وهذا الزمان لتذكير مَنْ يُعاني من الذاكرة الانتقائيّة أوْ القصيرة، أوْ الاثنتين معًا، أنّ قائد سلاح البريّة في الجيش الإسرائيليّ قال للصحافة العبريّة إنّ سلاح المدرعات السوريّ ما زال لاعبًا مُهمًا في منطقة الشرق الأوسط. نعم، سوريّة، وعلى مدار أربعين عامًا، لم تُطلق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل، ولكن بالمُقابل لا أحد، كائنًا مَنْ كان، يُمكنه أنْ يُنكر الدعم السوريّ للمقاومتين الفلسطينيّة واللبنانيّة، ولا أحد بإمكانه تجاهل رفض النظام الحاكم في دمشق بطرد الفصائل الفلسطينيّة من بلاد الشام، بحسب المطلب الأمريكيّ-الإسرائيليّ المُشترك.

علاوة على ذلك، أثبتت الحرب الأهليّة في سوريّة أنّ مَنْ يُعوّل على الأنظمة الحاكمة العربيّة لا يُعوَّل عليه، فالحرب السوريّة ضدّ إسرائيل هي بالمعني الحقيقيّ للكلمة حربًا ضدّ إسرائيل المتفوقّة عسكريًا في جميع المجالات، وحربًا ضدّ أعظم دولة في العالم، أمريكا، فكيف لسوريّة أنْ تُقدم على حربٍ ضدّ عدوٍ شرسٍ ومدعومٍ من أعظم جيش في العالم، والأشقّاء العرب يتركونها فريسةً سهلةً للإمبرياليّة والصهيونيّة، على حدٍ سواء.

لا بلْ أكثر من ذلك، يقومون بطعنها في الظهر، على الرغم من مقولة شكسبير الشهيرة: إذا طُعنت من الخلف، فاعلم أنّك في المُقدّمة. اليوم، بعد مرور حوالي نصف سنة على بدء قيام روسيا الاتحاديّة بتقديم المُساعدة العسكريّة لحليفتها الإستراتيجيّة، سوريّة، يُمكن القول، لا الجزم ولا الفصل، بأنّ مطامع إسرائيل في سوريّة باتت أضغاث أحلام، وفي هذا السياق، لا بُدّ من التذكير بما نقله المُحلل العسكريّ المُخضرم في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، اليكس فيشمان، عن مصادر أمنيّة رفيعة المُستوى في تل أبيب، قالت المصادر الإسرائيليّة إنّه بعد التدّخل المُكثّف لروسيا في سوريّة، بات يتحتّم على كلّ دولةٍ، بما في ذلك إسرائيل، أنْ تُفكّر مرّتين قبل الإقدام على التدّخل العسكريّ في سوريّة،

وغنيٌ عن القول إنّ فيشمان هو الابن المُدلل للمؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، ورسائله التي تُنشر في الصحيفة تُعبّر وبدقّةٍ شديدةٍ عمّا يدور خلف الكواليس في دوائر صنع القرار الأمنيّ بالدولة العبريّة. مُضافًا إلى ما ذُكر أعلاه، يجب التذكير بما كشف عنه رئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية “أمان”، الضابط ايتاي بارون، الذي أقر مباشرةً بأنّ السيناريو الأمثل بالنسبة إلى إسرائيل في الساحة السورية لم يعد واقعيًا حتى عام 2013، مُشيرًا في الوقت عينه إلى أنّه حتى ذلك الحين كان يمكن شيئًا ما أن يتحقق، ولو عمل الغرب آنذاك لكان قد نهض من داخل الدمار طرف سنّي معتدل، إلّا أنّ هذا لم يحدث، كما قال لصحيفة (يسرائيل هايوم) العبريّة الشهر الماضي.

في كل الأحوال، حدّدّ نتنياهو المصالح المباشرة الإسرائيلية، التي في ضوئها يتحدد الموقف من كل ما يُطرح على الساحة السورية، سلمًا أوْ حربًا، عبر التشديد على أنّ الخطوط الحمراء نفسها المعلنة من قبل إسرائيل هي نفسها التي ينبغي مراعاتها في أيّ تسوية سياسية أمنية مستقبلية.

وكرر الإشارة إلى مضمون الخطوط الحمراء الإسرائيليّة التي تقوم على أساس منع بقاء سوريّة عمقًا للمقاومة في لبنان، عبر القول إنّ إسرائيل لن تُوافق على تزويد حزب الله بسلاحٍ متطورٍ من سوريّة إلى لبنان، وعلى فتح جبهة ثانية في الجولان، على حدّ قوله. وأخيرًا، رأى مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب، في تقديره الإستراتيجيّ للعام 2016، إنّ سوريّة هي القناة الإيرانيّة في العالم العربيّ، وعبرها تُحافظ على التواصل وتعزيز حزب الله وأيضًا تعزيز مجموعات فلسطينية متطرفة، مُشدّدًا على أنّ إضعاف نظام الرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد واقتلاعه من الحكم، هما مصلحة إسرائيليّة واضحة، بحسب تعبيره.

تصميم وتطوير