سوق عكاظ .. كتب: حسن عبد الله

24.01.2016 01:34 PM

وطنقبل اثنين و ثلاثين عاماً، و بمبادرة من التربوي جميل دويك، انطلق برنامج المسابقات المخصصة لطلبة المدارس في عدد من الميادين منها على سبيل المثال كتاب و قارئ و الخطابة و الالقاء الشعري و التجويد، بهدف التأسيس لحالة ثقافية و إبداعية في المرحلتين الاعدادية و الثانوية، و تحفيز روح التنافس البناء بين المدارس، لتصبح هذه المسابقة مكوّن أساسي في برامج مؤسسة الرازي المقدسية، و بتنظيم و متابعة و إشراف الاستاذ "دويك" نفسه.

و من خلال ثلاث تجارب مباشرة لي مع مسابقة كتاب و قارئ، بعد اختيار ثلاثة كتب من اصداراتي لهذه المسابقة، و هي "اعلاميون في مهمة" و " رام الله تصطاد الغيم"، و الاصدار الأخير "البستان يكتب بالندى" خرجت بمجموعة من الملاحظات و الاستنتاجات، أسجل أهمها:

أولاً : إن الهدف من المسابقة التي تحمل اسم "سوق عكاظ "الذي له جذوره التاريخية و الابداعية و الاجتماعية في التراث العربي، التأسيس لثقافة وطنية و انسانية لدى جيل حسّاس، في مرحلة عمرية شديدة الأهمية في تشكيل الوعي و تخصيب الوجدان لطلبة اليوم وبناة الوطن في الغد.

ثانياً : يعتبر تحفيز الطلبة على القراءة و التحليل و النقد أحد أهم أهداف مسابقة كتاب وقارئ بخاصة بعد أن تراجع منسوب و مستوى القراءة بشكل عام في المجتمع الفلسطيني مقارنة بالسبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي.

ثالثاً: الكتاب الذي يقبل الطالب على قراءته و تحليله سوف يرسخ في ذهنه مدى الحياة، و يسهم في تشجيعه على قراءة كتب أخرى، عندما تتحول القراءة إلى عادة تتطور سنة تلو أخرى.

رابعاً – المسابقة هي محاولة جدية لاعادة الاعتبار للكتاب الذي ابتلعت وسائل التواصل الحديثة جزءاً من الاهتمام به، لا سيما و أن انشغال الجيل الشاب في تبديد الوقت و الجهد في شبكات التواصل من أجل التسلية و الترفيه، جعل تأثير انفتاح أفق الفضاء سلبياً على ابنائنا، باستثناء الذين يتم متابعتهم و توجيههم لاستثمار هذه الوسائل في التعلم و التثقيف و الحصول على المعلومات.

خامساً – صحيح أن التحليل يتم أحياناً بمساعدة معلمي اللغة العربية و بعض أولياء الأمور، لكن عندما يقف الطالب و يدافع عن موضوعه أمام لجنة التحكيم و يرتجل تلخيصاً له، من شأن ذلك أن يدربه و يقوي شخصيته و حضوره، علماً بأن نسبة لا يستهان بها من الطلبة تعتمد التحضير و التحليل ذاتياً، حيث تكون الفائدة في هذه الحالة أعم و أشمل.

لا أدعي أن جهد مؤسسة بعينها يحل مشكلة العزوف عن القراءة، لكن هذا الجهد من المؤكد أنه سيترك أثراً ايجابياً على الطالب، حيث لا يمكن أن تستمر مؤسساتنا تقف على الرصيف تصف الوضع عن بعد و تتحسر على زمن القراءة الجدية، دون أن تبادر أو تحاول، بخاصة و أن المدارس تركز على المنهاج فقط، و هذا الأمر ينسحب على المعاهد والكليات و الجامعات، فيما نجد أن الاصدارات الجديدة تتكدس على رفوف المكتبات، في ظل غياب المشرتين و القراء، و حتى أن المعتقلات التي كانت تعتبر في السنوات الماضية مدارس و جامعات تثقف و تعبئ و تركز على القراءة الذاتية و النقاشات الجماعية، قد شهدت بعد أوسلو تراجعاً في اهتمام الأسرى بالجانب الثقافي لأسباب ذاتية و موضوعية، تناولها عدد من الباحثين و المهنيين في مقالات و دراسات، من هنا تأتي أهمية هذه المسابقة، لعلها تسهم في التخفيف من مأساوية الوضع، في ظل الدراسات و الاحصاءات الدولية التي تشير إلى أن نسبة القراءة في البلدان العربية، هي في الصف المتدني على مستوى العالم، و أن الوقت الذي يصرفه المواطن العربي في القراءة طيلة السنة لا يتعدى بضع دقائق في اليوم بالمجمل، في حين أن شعوباً أخرى ما زالت القراءة حاضرة بشكل مكثف في النشاط اليومي للمواطن، أي أننا أبناء " اقرأ" لا نقرأ، و إنما نمضي يومنا بعيداً عن القراءة ، نتجادل و نتناقش في أمور ثانوية، نستغيب و ننتقد و نفصَل حياة فلان و دور علان، و بذلك نضيع فرصة القراءة و التعلم و توسيع الآفاق و تنشيط الذاكرة و تخزين المعلومات و صقل القدرات."مسابقة كتاب و قارئ" ، تنسجم مع "اقرأ" و تسعى لترجمة معانيها و دلالتها – و طوبى لمن يبادر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير