نتنياهو الرافض ايدولوجياً تقسيم القدس.. أعاد تقسيمها عملياً

21.10.2015 01:01 PM

كتب: حسن عبد الله

المتابع للصحف العبرية يلحظ أن كتاباً اسرائيليين كثر، قد قرأوا الأحداث والتطورات المتسارعة على الأرض بشكل متحيز وغير موضوعي، انطلاقاً من مقولة إسرائيلية معروفة "التجند خلف الحكومة والجيش في المراحل الساخنة"، هكذا فعلوا في الإنتفاضتين الأولى والثانية وفي إجتياح الجنوب اللبناني في العام 1982 وفي كل المواجهات اللاحقة مع المقاومة الوطنية اللبنانية وحزب الله، وكذلك في الاعتداءات على قطاع غزة، وأبعد زمنياً في حربي ال "67" و"73"، وكل المعارك الصغيرة والكبيرة مع فصائل الثورة الفلسطينية.

وعندما نذكر هذه الحقيقة، فإننا لا نأتي بجديد، لأن هذا السلوك الإعلامي الإسرائيلي بات معروفاً وقد تناوله رصداً وبحثاً عدد من المحللين والباحثين، الا ان الجديد في التطورات الميدانية الأخيرة، ليس إصطفاف الاعلام الاسرائيلي خلف الحكومة والجيش فحسب، وانما في أن محللين اسرائيليين اضطروا للاعتراف ومن ثم التحذير، من ان نتنياهو الذي ما انفك يقول ويردد " القدس الموحدة العاصمة الابدية لاسرائيل"، وهو يرفض وضع ملف القدس على طاولة المفاوضات، على اعتبار انها من الخطوط الحمر، أخذ يتصرف على الأرض بقراراته واجراءاته وممارسة أجهزته، وكأن القدس مقسمة فعلياً وعملياً من خلال:

أولاً- الهجمة على الأقصى، من منطلق انه متنازع عليه مكانياً وزمانياً ومكانة دينية، ليظهر له جلياً وللعالم أن الأقصى بالنسبة إلى الفلسطينيين خط أحمر.

ثانياً- رغم القوانين التي فرضت على القدس الشرقية وسكانها، فان فلسطينيتهم وعروبتهم لم تقبل التدجين الوطني والديني والقومي، حيث لم تنجح الحكومات المتعاقبة في فرض الإرادة الاسرائيلية عليهم بالقوة والاكراه، أو من خلال "فتات امتيازات" في الحياة والحركة، حيث من شأن هذا الفتات ان يحدث تبايناً في المستوى المعيشي بينهم وبين اخوتهم في بقية مناطق الضفة.

ثالثاً- ان سياسة عزل القدس وإقصائها عن الضفة، ثبت عدم جدواها وفعاليتها، لذلك تلجأ سلطات الاحتلال الآن إلى عزل أحياء القدس الشرقية بجدران لفصلها عن أحياء المستوطنين، وفي هذا تقسيم للقدس حتى وإنْ كان الهدف من هذه الاجراءات العقاب والردع.

رابعاً- لا يتغير الانتماء الوطني والقومي بإجراءات او بالرهان على الزمن، ففرنسا بعد مئة وثلاثين سنة من استعمار الجزائر فشلت في جعل الجزائري فرنسياً، حتى لو تحدث باللغة الفرنسية، ولم يتقن كلمة واحدة من اللغة العربية.

خامساً- الإنتماء الوطني والقومي لا تحدده بطاقة هوية زرقاء أو خضراء، وانما الذي  يحدده ثقافة ودين وعادات وتقاليد وتكوين نفسي وتاريخ طويل مشترك للناس.

سادساً- إن تحويل الصراع إلى صراع ديني يخرج الأمور تماماً عن قواعد اللعبة المعروفة، وبالتالي يقود إلى تصرفات وردود افعال لا يمكن التنبؤ سلفاً بكيفية التعبير عنها على الأرض.

سابعاً- عزل أحياء القدس الشرقية وفرض القيود على السكان وتحركاتهم والتعامل معهم بأساليب أشد قمعاً وتنكيلاً من بدايات احتلال القدس في العام 67، إلى جانب محاصرة القدس القديمة والتضييق على سكانها، يعني بكل بساطة فرض تقسيم جغرافي وسكاني على القدس، وكأن فارض هذه الإجراءات وهو يتعامل ضمن توجهات توحيد القدس بالإكراه والقسر، يفعل عكس ذلك تماماً، لأنه يعيد تقسيمها عملياً، اما المضمون فهو تقسيم حتى لو انكر الساسه الاسرائيليون هذه التسمية، فالأمر يشير هنا إلى فشل فرض وحدة المدينة بالقوة، حيث قرأ هذا وابرزه في الأيام الأخيرة عدد من المحللين الاسرائيليين في مقالات حاولت التقاط أبعاد خلفية للصورة المباشرة، أما الأبعاد فهي تتحدث عن تقسيم.

نتنياهو المقيد بالايدولوجيا والتطرف، سيكون غير قادر على خدمة مصالح اسرائيل، بل من المؤكد انه سيعرضها للخطر، بخاصة اذا أصر على التنكر لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، لأن الزمن أصبح يفعل فعله ضد الظلم والهيمنه والقبض على أعناق حريات الناس، فالعالم يتغير، ومن العبث التفكير في امكانية السيطرة على الزمن او وقف مساره وفق إرادة شخص او جماعه.

ومن المؤكد ان نتنياهو سوف لا يستخلص العبر، لانه جاء إلى الحكومة باصوات المستوطنين والمتطرفين، وهو يعبرّ بالتالي عن توجهاتهم، لذلك سيظل مسكوتاً بالقوة وفرض الاراده، ليجد نفسه يناطح الزمن ظاناً ان بمقدوره الانتصار عليه، متناسياً او متجاهلاً، أن الذين ناطحوه عبر التاريخ، قد طواهم وتجاوزهم وظل ممسكاً ببوصلة مساره، حتى لو سار ببطء وتثاقل

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير