تحقيق استقصائي لوطن: بقرار حكومي.. "جمرورة" مهددة بالإسمنت على حساب قوت المزارعين

05.11.2024 09:15 AM

- أصحاب الأراضي لوطن: نرفض قرار الحكومة بتحويل جمرورة الى منطقة صناعية خاصة ولن نقبل بأي تعويض!

- هيئة تسوية الأراضي لوطن: إقرار وزارة الحكم المحلي مخطط هيكلي جديد لجمرورة أمر غير قانوني

- وزارة الحكم المحلي تتهرب من مواجهة وطن

 

رام اللـه – وطن - محمود طميزي: قد تكون الأيام الأخيرة التي ترى فيها أراضي خربة جمرورة الواقعة شمال غرب بلدة ترقوميا - جنوب غرب الخليل شعاع الشمس بحرية، فأشجار الزيتون وكروم العنب التي صمدت لعقود من الزمن تواجه مصير الاقتلاع، والمساحات الخضراء ستفتقد أصحابها في ظل المخططات لإقامة منطقة صناعية عليها.

تبلغ مساحة منطقة جمرورة الكلية 3800 دونم وجميعها أراضي زراعية خصبة، وتهدد المنطقة الصناعية الجديدة معظم أراضيها بالإسفلت والإسمنت. 

من جمرورة الزراعية إلى "جمرورة الصناعية":

منطقة جمرورة صدر بحقها في الأول من يوليو/ تموز 2019 قرارا من مجلس الوزراء باعتبارها منطقة "صناعية خاصة" مقترحة، ونشرت وزارة الحكم المحلي- الخليل، مخططا هيكليا لمنطقة " جمرورة الصناعية" في 21/5/2024 بشكل مفاجئ، دون إبلاغ بلديتي بيت كاحل وترقوميا وأهالي المنطقة أو مالكي الأراضي الزراعية المستهدفة، الأمر الذي آثار حفيظة الأهالي والبلديات المتضررة، لتضمن هذا المخطط تغييرا لصفة استعمال الأراضي من زراعية الى صناعية.

وأفضى المخطط الهيكلي الجديد إلى تساؤلات عديدة تحتاج للإجابة لكن التساؤل الأبرز يكمن حول كيفية إصدار وزارة الحكم المحلي في الخليل مخططا هيكليا لمنطقة جمرورة الصناعية بشكل مفاجئ وتغيير صفتها من زراعية الى صناعية دون ابلاغ بلدية بيت كاحل وأصحاب الأراضي؟

لمن تتبع الخربة؟

بعد تتبع القضية، يظهر جليا أن خربة "جمرورة" تعد جزء من بلدة بيت كاحل فهي صاحبة الولاية على أراضي الخربة حيث أنها تعتبر المزود الوحيد للخدمات في تلك المنطقة من "كهرباء، شق طرق، وغيرها من أمور خدماتية"، وتعتبر أراضي "جمرورة" الأكثر خصوبة في المنطقة، وتشكل سلة غذائية لأهالي المنطقة ومصدرا لدخل عائلاتها التي تعتمد على المحاصيل الزراعية الموسمية صيفا وشتاءً.

وقال ممثل بلدية بيت كاحل وعضو المجلس البلدي غالب زهور لـوطن، إن جمرورة تتبع للبلدة ومسجلة بهوية سكانها تحت مسمى " بيت كاحل – جمرورة"، لافتا ان المنطقة تعتمد على الثروتين الزراعية والحيوانية، وتشكل تحد للاحتلال .

مصدر رزق أساسي..

وتحدث المزارع محمد العطاونة مالك أراضي في خربة جمرورة لـوطن قائلا،" تشكل هذه الأراضي مصدر رزق أساسي لنا وتحتوي على محاصيل متنوعة كالزيتون والعنب وغيرها من الأشجار المثمرة.

بحرقة وأسى يقول الحاج أحمد العطاونة لـوطن،"أحلف باللـه أن حوالي 70-80 فرد من عائلتي يسترزقون من هذه القطعة"، مضيفا "انا وأولادي نعتاش من قطعة الأرض التي نملكها وين نروح من بعدها؟!"

من جانبه أكد الحاج مروان شاور أن قطعة أرضه في منطقة جمرورة تشكل مصدر رزق له ولحوالي 1200 شخص كونهم يمتلكون مجموعة كبيرة من الأراضي، مؤكدا بأن تحويل الأراضي الزراعي الى صناعية يعتبر خسارة فادحة لعائلة شاور، كونها منطقة زراعية حيوية لجميع عائلته.
وأكد المزارع سالم العصافرة بأن جمرورة تدر دخلا على أهالي بيت كاحل يصل لـ 20% تقريبا من أجمالي دخل البلدة، مشيرا إلى وجود عائلات تعتمد عليها بشكل كامل لتأمين لقمة العيش.

البلديات مغيبة عن القرار..

تتبعت وطن القضية، واتجهت نحو بلدية بيت كاحل، والتقت مع ممثل البلدية غالب الزهور الذي أكد لنا أن المخطط الهيكلي الصادر عن وزارة الحكم المحلي يستهدف كامل منطقة جمرورة بالإضافة إلى أجزاء تابعة للبلديات المجاورة مثل: ترقوميا وبيت أولا، مؤكدا أن البلدية لم تعلم بالمخطط كهيئة محلية وكذلك أهالي بيت كاحل.

وبيّن الزهور بأن البلدية تفاجأت من تغيير تصنيف المنطقة من "زراعية عالية القيمة، الى "زراعية منخفضة القيمة" وتحويلها لمنطقة صناعية في ليلة وضحاها.

وأضاف "فوجئنا بما حدث ولم نعلم بالمخططات على الإطلاق، كما أننا لم نبلغ بشيء كبلدية، وقد علمنا من مصادر مختلفة بأنه جرى إعداد مخطط هيكلي للمنطقة من خلال وزارة الحكم المحلي وسيتم طرحه بالبلدية بعد أسبوع، وتوجهنا إلى مجلس التنظيم الأعلى في رام اللـه، وفوجئنا بصحة الأنباء ذلك".

وقال الزهور "إن البلدية توجهت الى مجلس التنظيم الأعلى، واكتشفنا في حينه بأنه تعمد عدم إبلاغ البلدية بالمخطط خوفا من الاعتراضات عليه ووقفه".

"قرار وزاري مخالف للقانون"

يهدف المخطط الهيكيلي لتحويل الأراضي الزراعية المملوكة للمواطنين لأراض صناعية، عبر شق طرق صناعية ضخمة وتوسيع الأراضي، مع العلم أن هيئة تسوية الأراضي لم تنتهي من تسجيل اراضي المواطنين.

ومن شأن طرح المخطط في هذه المرحلة وقبل استكمال أعمال التسوية في منطقة جمرورة أن يخلق العديد من النزاعات على الملكية، وبلبلة في عملية شق الطرق واعتمادها، ما سيعرقل عملية التسجيل واتمام التسوية برأي الكثير من الخبراء.

ووفقا لتأكيدات هيئة تسوية الأراضي، فإن الأصل اتمام أعمال التسوية في المنطقة ومن ثم وضع مخطط هيكلي يتلاءم مع الملكيات، وطبيعة خصوصية المنطقة، وهو ما يشكل مخالفة قانونية واضحة وتعد على قانون تسوية الأراضي.

وحول هذه القضية، قال مدير هيئة تسوية الأراضي والمياه في الخليل نزار حنتش لـوطن، إن قانون تسوية الأراضي والمياه لسنة 1952 يهدف بالدرجة الأولى لتحديد الأراضي والمساحة ومن ثم تحديد ملاكها بموجب جدول الحقوق، الذي ينتج عنه سند التسجيل وهو السند الوحيد الذي يحدد ملكية العقار أو الأرض.

وأكد حنتش أن عدم وجود أعمال تسوية يعني أنه لا يوجد مالكا من الناحية القانونية، مردفا "بعد تحديد المالك يمكن تطبيق وتنفيذ القرارات".

وتساءل حنتش،" إذا كانت الملكية غائبة فلمن التعويض؟!، مردفا: "لمن تكون أعمال الاقتطاع وعملية التحديد والتنظيم دون تحديد أصحاب ملكية الأراضي ومقدار الاقتطاع والتعويض".

المنطقة الصناعية التي صدر بحقها المخطط الهيكلي من قبل وزارة الحكم المحلي دون ابلاغ البلديات هي منطقة خاصة ومجاورة لمنطقة صناعية أخرى حكومية معترف فيها وتحتوي على مساحات خالية لإنشاء المزيد من المصانع، تقع على بعد أقل من 5 كيلو مترات أنشأت أيضا على اراضي زراعية، وهذا ما يعتبره المزارعون وأصحاب الأراضي تغولا لرأس المال على حساب قوت حياتهم بقرار حكومي.

رئيس لجنة أهالي جمرورة المهندس طه عصافرة قال لـوطن،" يجب وقف المشروع الظالم ووقف أصحاب رؤوس الاموال وجشعهم على حساب المواطن "الغلبان" والذي يعتبر الحلقة الأضعف".

وأوضح عصافرة أن "أصحاب رؤوس الأموال" بإمكانهم الاستثمار في المنطقة الصناعية الحكومية الكبيرة والمجاورة لجمرورة من الجهة الشمالية في منطقة بيت أولا.

مطالبات بإلغاء المخطط الهيكلي..

يعتبر المزارعون وأصحاب الأراضي في منطقة جمرورة إن المخطط الهيكلي سيؤدي للقضاء على معظم المساحات الزراعية او التطور والتوسع العمراني في المنطقة، وهي الامكانية الوحيدة المتبقية لتطوير البلدة، ما سيؤثر على اقتصاد العائلات والبلدة بشكل عام، عدا عن التلوث البيئي الذي سيلحق بالمنطقة، مطالبين وزارة الحكم المحلي ومجلس الوزراء بإلغاء المخطط الهيكلي الجديد.

نرفض التعويض..

نافز عصافرة رئيس بلدية ترقوميا قال لوطن إننا كأهالي وبلدية نرفض المخطط بالكامل ولن نقبل بالتعويض.. هذه أراضينا والتعويض أمر غير مطروح بتاتا.
بدور قال المزارع مروان العطاونة "املك اراضي أنا واخوتي في هذه المنطقة ونحن نسترزق من هذه الأرض، لذا نطالب بإلغاء هذا المخطط بالكامل ولن نقبل به، كما نطالب بإعادة التصنيف ذات العالي الجودة لأراضي جمرورة الذي جرى نزعه، كونها أراضي زراعية من الطراز الأول."
وطالب رئيس لجنة أهالي جمرورة المهندس طه عصافرة مجلس الوزراء ووزارة الحكم المحلي خلال حديثه لـوطن، بإلغاء مشروع المنطقة الصناعية بالكامل، ورفع الصفة الصناعية عن المنطقة، والغاء الشوارع المقررة والتي تمثل تعسفا في استخدام القانون، مضيفا "أن هذا المخطط جاء مكرمة لأصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين على حساب المواطن الغلبان".

وتساءل المزارع اسماعيل العطاونة في حديثه لوطن "ألا يكفي مطاردة الاحتلال لنا في أراضينا ومحاولات هدم آبارنا"؟! وعلاوة على ذلك يجري إعداد مخططات لصالح الطبقة الغنية، مشددا على أن منطقة جمرورة هي الرئة التي تتنفس منها منطقة بيت كاحل

وطالب العطاونة مجلس الوزراء ووزارة الحكم المحلي بإلغاء القرار بالكامل مؤكدا انه لن يقبل بأي ثمن مقابل التنازل عن أرضه.

ويشير الشيخ عادل شاور في حديث لوطن "أنه يملك مجموعة من الأراضي في منطقة جمرورة تتشارك فيها 100 عائلة من الخليل"، مشيرا إلى انهم توارثوها من أجدادهم ويملكون اوراق أملاك ثبوتية فيها منذ الانتداب البريطاني " طابو انجليزي"، وأن تنفيذ المخطط قد يؤدي لضرب السلم الأهلي وحدوث "مجزرة عائلية" نظرا لوجود عائلات كثيرة تتشارك بالأراضي.

وأضاف شاور "ان هذه المنطقة تشكل مصدر غذائي لنا إذ نملك حوالي 1100 دونم والأصل أن نحافظ على الشجرة قبل المحافظة على أنفسنا".
وتابع شاور "ان فقدان الأرض يشكل خسارة فادحة للعائلة ولذلك أطالب رئيس الوزراء والسلطة الفلسطينية بإيقاف مشروع المخطط الهيكلي الجديد المرفوض بالنسبة لنا جملة وتفصيلا".

بدوره قال محاضر الإعلام في جامعة فلسطين التقنية  - فرع العروب عمر فطاطفة لـوطن " بأن العائلة تمتلك جزءا كبيرا من الأراضي في منطقة جمرورة، وبالتالي هناك رفض كامل للمخطط الذي يفضي لإقامة المنطقة الصناعية، وهو ما عبر عنه الحراك الشبابي في البلدة برفضهم القاطع للقرار، موضحا بأن المخطط يقع ضمن منطقة مصنفة ب وهو تنصيف سكان بالإضافة للأضرار الكبيرة التي ستنجم عن إقامة المنطقة الصناعية في جمرورة.

وأضاف فطافطة: نطالب رئيس الوزراء بعدم إقامة المنطقة الصناعية لخطرها الكبير على حياة المواطنين جراء التلوث من المصانع إذ انها تسبب بارتفاع نسبة السرطان في البلدة، عدا عن تهديدها للأراضي الزراعية ومصالح المزارعين.
بدوره طالب المزارع سالم العصافرة عبر وطن، الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء بالعدول عن قرار المخطط الهيكلي الجديد الذي يحول المنطقة من زراعية إلى صناعية، مؤكدا على تصنيفها الأساسي كزراعية عالية الجودة.

المهندس علي العطاونة استهجن فكرة التعويض خلال حديثه لـوطن، قائلا: لم نستشر في المخطط من الأساس إلا عبر الصحف، فكيف نستشار في تعويض مادي أو غير مادي؟!، وأكد على مطالب المزارعين وأهالي البلدة بإلغاء المخططات الجديدة بالكامل والغاء التصنيف الصناعي للمنطقة، مشيرا إلى أن "جمرورة" هي الامتداد الجغرافي الوحيد لبلدتي ترقوميا وبيت كاحل.

وأضاف العطاونة،" أملك وأشقائي 30 دونما في هذه المنطقة، والمخطط الهيكلي الجديد يحرمنا أكثر من نصفها لصالح شق الشوارع فقط".

وكانت بلديتي بيت كاحل وترقوميا توجهتا بكتابا رسميا للرئيس محمود عباس في الـعاشر من يوليو/ تموز – 2024 أوضحتا فيه بأن الإعلان عن المخطط الهيكلي الذي يتضمن تحويل منطقة "جمرورة" إلى منطقة صناعية كان بمثابة "صعقة كبيرة مجحفة" للمواطنين إذ تبلغ مساحة المنطقة الصناعية 16000 دونم، و500 دونم لصالح الشارع وهي أراضي زراعية مصنفة ذات قيمة عالية وسلة غذائية ومصدر رزق للكثير من العائلات.

 

 

كما نوهت البلديتان في كتاب المناشدة بأن الاحتلال عمد إلى مصادرة جزء كبير من أراضي ترقوميا الشرقية لصالح مستوطنتي "تيلم وأدورا"، وبقيت المنطقة الغربية التي تشكل رأس المال للمواطنين.

وأوضح الكتاب بأن الاعتداء على الملكيات الخاصة بتقطيع الأرض إلى شوارع ضخمة لا يخدم المواطنين بل يهدد السلم الأهلي ومخالف للقوانين والأعراف المعمول بها.

وناشدت البلديتان الرئيس محمود عباس:" فخامتكم نستعطف روح الأب فيك فمن لنا بعد الله غيرك وأملنا فيك أن تحمي أطفالنا وعائلاتنا من التلوث فوجود منطقة صناعية غرب المنطقة التي تشترك فيه 3 بلدات يجعلنا أكثر عرضة للأمراض ولاسيما أن بلدتنا الحبيبة سجلت أعلى نسبة في أمراض السرطان".

وتوجهت البلديتان بكتاب رسمي إلى رئيس الوزراء ووزير الخارجية محمد مصطفى في الـعاشر من يوليو/تموز – 2024، طالبتا من خلاله إصدار تعليمات لوزير الحكم المحلي بصفته رئيس مجلس التنظيم الأعلى لوقف نشر المخطط الهيكلي والغائه لحين انفراج الأوضاع الصعبة السياسية والاقتصادية الحالية التي تعصف بالوطن.

 

 

وجاء في الكتاب بأن المخطط الهيكيلي سيضيف على الحكومة أعباء مالية كبيرة وسينتهي بتهديد السلم الأهلي.

وناشدتا البلديتان رئاسة الوزراء بإصدار تعليمات فورية لإلغاء المخطط ووقفه حفاظا على مصالح المواطنين العليا وتعزيز ثباته في أرضه خاصة وأن منطقة الخليل تتعرض لهجوم استيطاني غير مسبوق.

كما توجهت بلديتا بيت كاحل وترقوميا بكتب رسمية لوزارة الحكم المحلي في الخليل للاعتراض على المخطط الهيكلي والمعلق من قبل الوزارة للاعتراض في تاريخ 21- مايو /أيار – 2024 الجديد مقدمين لائحة وأسباب الاعتراض كان من أهمها: بأن المنطقة مصنفة كزراعية عالية الجودة وهي الامتداد الجغرافي الوحيد لبلدة بيت كاحل وجرى تغيير صفتها وعدم اعلام البلديات وتجاوز صلاحيتهما، عدا عن آثار التلوث البيئي الناجم عن هذه المنطقة.

 

 

وزارة الحكم المحلي تتهرب..

وحاولت "وطن" الحصول على رد رسمي من وزارة الحكم المحلي لكن الوزارة تهربت من مقابلتنا، ومن هنا نتساءل، أين النزاهة والشفافية في التعامل مع الهيئات المحلية وخصوصا في القرارات الصادرة والمتعلقة بالمخططات الهيكلية للقرى والبلدات، وأين جميع التصريحات الإعلامية من التنفيذ وخصوصا تلك المتعلقة بدعم صمود المزارع على أرضه والحفاظ على المساحات الخضراء وتطوير الواقع الزراعي في فلسطين؟ وأسئلة كثيرة أخرى يبدو أن صانع القرار لا يملك إجابات شافية لها.

تصميم وتطوير