العدالة الانتقالية صمام امان المصالحة الفلسطينية

21.05.2014 04:01 PM

رام الله - وطنيراقب المجتمع الفلسطيني باهتمام بالغ وبارتياح منقطع النظير اللقاءات بين اطراف الانقسام وما يصدر من تصريحات بشأن انهاء الانقسام ودنو تحقيق المصالحة. وينبع هذا الاهتمام من الضرر الجسيم الذي الحقه الانقسام وما ترتب عليه من تداعيات سلبية على مجمل الوضع القلسطيني. 

ويرى المركز الفلسطيني للعدالة الانتقالية ان المصالحة الحقيقية يجب ان ترتكز على مبادىء ومتطلبات العدالة الانتقالية وان تأتي تتويجا لانصاف ضحايا النزاع الدموي الداخلي  واشاعة ثقافة التسامح. ذلك، ان العدالة الانتقالية في يومنا هذا من أهم الآليات المستخدمة لتحقيق العدالة وسيادة القانون في مجتمعات ما بعد الصراع أو في فترة الانتقال من حالات الاحتلال او النزاع الداخلي أو قمع الدولة. وتشمل العدالة الانتقالية مجموعة من العناصر والتدابير القضائية وغير القضائية التي تتخذها الدولة في الفترة الانتقالية من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير كشف الحقيقة، الملاحقات القضائية، برامج جبر الضرر، والإصلاح المؤسسي لأجهزة الدولة على أسس الحكم الرشيد. إن هذه التدابير جمعاء ما هي إلى وسيلة لإرساء بيئة أفضل لتحقيق السلام والديمقراطية والسلم الأهلي والتنمية والازدهار لمجتمعات عانت من ويلات الحروب والاضطهاد والقمع والتمييز.
يحتل موضوع العدالة الانتقالية في فلسطين اهمية بارزة في ضوء تعقيدات الوضع الفلسطيني وتعدد المسؤوليات ومستوياتها طبقا لتنوع  السلطات القائمة. وتمثل اسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، المنتهك الاكبر لحقوق الانسان الفلسطيني بما تقترفه من انتهاكات جسيمة ومنتظمة لحقوقه الجماعية والفردية، ترتقي طائفة منها الى جرائم حرب، وهو ما يقتضى متابعتها على عدة مستويات وباساليب وآليات متنوعة، يأتي في مقدمتها العدالة الجنائية الدولية. ما نحن بصدده الآن هو حالة الانقسام الداخلي وآفاق ومتطلبات الخروج منها وفق ألية العدالة الانتقالية.
الخلفية:
كما هو معروف، ان السلطة الفلسطينية قد أُنشئت  في العام 1994 بموجب اتفاق اوسلو لاعلان المبادىء المبرم في ايلول 1993 بين اسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد ترتب عليه تولي السلطة ادارة الحياة اليومية للفلسطينيين في الارض المحتلة على المستويين المدني والامني وفق الشروط الواردة في الاتفاقيات اللاحقة بين الجانبين.
وفي سياق قيام الاجهزة الامنية والشرطية الفلسطينية بمهامها، ارتكبت انتهاكات  لحقوق الانسان الفلسطيني وبوتائر مختلفة تبعا للفترة الزمنية وطبيعة المرحلة. وقد سلكت السلطة الفلسطينية سلوكا ديمقراطيا تمثل في اجراء انتخابات حرة ومباشرة تشريعية ورئاسية كان اخرها تلك التي اجريت في العام 2006 وتمخض عنها حصول حركة حماس على اغلبية مقاعد المجلس التشريعي، مما اقتضى تشكيلها ورئاستها للحكومة الفلسطينية. وتعتبر هذه المرة الاولى التي تمارس فيها حركة حماس حياة سياسية تنافس فيها الفصيل الاكبر  في منظمة التحرير وهو حركة فتح.
وادى هذا الواقع الى رفض دولي خاصة من قبل الدول المانحة التي تدرج حركة حماس على قائمة الارهاب، واقدامها على قطع المساعدات المالية عن السلطة، الامر الذي اوصلها الى حافة الانهيار في ضوء عجزها عن ادارة الشؤون الحياتية للمواطنين وتأمين رواتب عشرات الاف المواطنين في الخدمة المدنية والعسكرية والامنية.
ساهم هذا الوضع في نشوء حالة من الاحتقان الداخلي الفلسطيني وتبادل الاتهامات بالمسؤولية عنه بين حركتي فتح وحماس، ليتطور تدريجيا الى مشاحنات بينهما وصولا الى مواجهة مسلحة في قطاع غزة ادت الى سيطرة حماس على القطاع والانفراد في حكمه.
وفي سياق هذا الصراع، اقترفت انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان خلفت الاف الضحايا ومعاناة انسانية واسعة بفعل سياسات معينة ، وهو ما يستوجب معالجة هذه المعاناة من خلال تحقيق العدالة وانصاف الضحايا. وقد اقتصرت اللقاءات والجهود السياسية على انهاء حالة الانقسام بين النخبة القيادية دون مشاركة الضحايا او الاخذ بالحسبان معاناتهم واحتياجاتهم . وعليه،  لم يلحظ اية مبادرة جدية لانصاف ضحايا الانقسام وبث روح التسامح لتمهيد الطريق لمصالحة فلسطينية حقيقية رغم انقضاء سبعة اعوام تقريبا على هذا الصراع.
وفي هذا السياق، جاءت المبادرة لتأسيس المركز الفلسطيني للعدالة الانتقالية بهدف  تجسيد مبادىء العدالة الانتقالية في فلسطين بما في ذلك انصاف ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
متطلبات العدالة الانتقالية في الوضع الفلسطيني
ومن اجل تسوية ذيول الانقسام وبلوغ المصالحة الحقيقية، فان المركز الفلسطيني للعدالة الانتقالية  يطالب المستوى السياسي الفلسطيني وصانعي القرار  بمراعاة متطلبات العدالة الانتقالية التالية:
اولا: تشكيل هيئة مستقلة غير قضائية  للانصاف والمصالحة يُناط بها المهام التالية:
• كشف حقيقة ما جرى من انتهاكات جسيمة منذ حزيران 2007 والتحقيق في كافة الادعاءات بهذا الشأن.
• الاستماع الى ضحايا الانتهاكات الجسيمة واستلام شكاواهم وعقد جلسات استماع علنية لهم.
• التعويض وجبر الضرر لضحايا الانتهاكات الجسيمة التي وقعت بسبب النزاع الداخلي او حالة الانقسام
• ضمان علاج واعادة تأهيل المصابين

ثانيا: الاقرار بما كابده الضحايا من انتهاكات ومعاناة والاعتذار العلني لهم وللمجتمع عن هذه الممارسات
ثالثا: انشاء صندوق لجبر ضرر الضحايا
رابعا: محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة بما في ذلك المحاكمة والاقصاء من المناصب العامة
خامسا: تنظيم اختصاصات الهيئة والصندوق بقانون ، أي اصدار قانون بشأن العدالة الانتقالية
يود المركز الفلسطيني للعدالة الانتقالية التنويه الى ان الدول التي أخذت بالعدالة الانتقالية ومقتضياتها قد حققت انتقالا سلسا الى الديمقراطية وسادها الاستقرار والسلم الاهلي، فيما تشهد الدول التي حاولت العبور نحو الديمقراطية من غير بوابة العدالة الانتقالية حالات من النزاع الدموي وعدم الاستقرار. وعليه، من الضروري بمكان استخلاص العبر من تجارب الاخرين واختصار المسافات لولوج عهد من الاستقرار والسلم الاهلي بما يوفر اجواء مواتية لتحقيق الانصاف من انتهاكات المحتل الاسرائيلي التي ترتقي الى جرائم الحرب، واقامة مجتمع فلسطيني يرتكز على مبادىء العدالة وسيادة القانون وحقوق الانسان
ويؤكد المركز الفلسطيني للعدالة الانتقالية  حرصه واستعداده للتعاون التام والتنسيق مع كافة الجهات المعنية الرسمية وغير الرسمية في موضوع العدالة الانتقالية وما يرتبط بها من متطلبات.

تصميم وتطوير