حريم السلطان.. قصة الخليفة العثماني الذي روضته جارية

10.10.2013 10:48 PM
وطن للانباء - الشروق الجزائرية: تمكّن المسلسل التركي طويل النفس "حريم السلطان"، من أن يحبس الأنفاس، ويخطف ساعات من حياة الجزائريين والعرب، وسط عواصف ما يسمى بالربيع العربي، وقدّم نسخة تاريخية عن العصر العثماني مثيرة للجدل، وعن حقبة السلاطين التي يحنّ لها الكثير من الإسلاميين من دعاة عودة الخلافة الإسلامية.

والمسلسل بقدر ما ركّز "زوم" عدسته على سليمان القانوني، السلطان الذي تأمّر على الدولة العثمانية لمدة قاربت النصف قرن، بقدر ما اختصر الحقبة العثمانية كاملة في هذه العهدة، وزلزل صورة السلطان سليمان الذي يعرف المسلمون أنه استشهد على حصانه، وحوّله إلى رجل مُتعة، أمضى حياته بين الخمرة ومداعبة الجواري، ومن رجل أدخل الإسلام في قلب المجر والنمسا وبلغاريا، إلى "طرطور" في يد جارية أوكرانية فاتنة، هام بحبها وقتل ابنه وأخلص رجالاته ووزرائه لأجلها، ولأجل أن يتحول عبدا لجمالها، وهي الصورة التي جعلت رجب أردوغان في نوفمبر من السنة الماضية يثور ويطالب بتوقيف المسلسل، ومما قاله، إن سليمان الذي قدمه العمل التلفزيوني لا علاقة له بسليمان الذي قرأ عنه وأحبّه وسار على نهجه وافتخر به دائما، واعتبر كل من ساهم في هذا العمل الفني والأدبي، لا علاقة له بالوطنية والقومية التركية، وعجز البرلمان التركي عن توقيف المسلسل، وحوّل منتجوه الحملة الانتقادية التي طالت العمل، إلى إشهار مكّنهم من بلوغ قرابة الربع مليون مشاهد، والعدد مرشح للارتفاع حتى يصير واحدا من أكبر المسلسلات التلفزيونية والأكثر مشاهدة ليس في تركيا، وإنما في التاريخ.

أطياف آتاتورك تطارد أردوغان

دخول الأعمال المصرية في الروتين، وشبه توقف العمل الفني السوري، مكّن الدراما التركية من خطف مكان هام، في مختلف الفضائيات العربية ومنها الجزائرية، وحتى لا يتسلّل الملل في قلوب المشاهدين كما حدث مع الأفلام الهندية والمسلسلات المكسيكية والبرازيلية، لجأ الأتراك إلى التاريخ الإسلامي، من أجل التنويع، وساعدهم في ذلك السوريون بقوة، إلى درجة أن فنانين معروفين في سوريا تحوّلوا إلى مترجمين للأعمال التركية، فجاءت فكرة مسلسل حريم السلطان، الذي من المفروض أن عنوانه التركي الأصلي هو العصر الرائع، ولكنه تحوّل إلى حريم السلطان في نسخته العربية، التي طيّرت البطولات والروعة واستبدلت الحريم والجواري، فحقق من عنوانه فضول الملايين قبل إعجابهم.

وتكفلت الكاتبة التركية ميراي أوكاي يلمز شاهين بكتابة المسلسل، وهو ما أثار انتقادا شديدا للعمل، لأن هذه الكاتبة العلمانية التي تخصّصت في الكتابة عن الإنجازات التي حققها كمال آتاتورك، وما تسميه هي بإنقاذ تركيا من التخلف، ليست مؤرخة، ولم يسبق وأن كتبت عن الخلافة العثمانية، لأجل ذلك ركزت على حياة اجتماعية مائعة، رغم أن الاختلاف حولها كبير، وأهملت الجانب السياسي والديني وخاصة التاريخي الذي جعل السلطان سليمان القانوني، ظاهرة عالمية نادرة لا تغرب عن مملكته الشمس أبدا، وكان لمحاولة رجب أردوغان توقيف المسلسل أثر وصدى، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتبرت صحيفة التايم المسلسل نشر للغسيل الحقيقي لتاريخ تركيا الاستعماري، وكشف لعمليات تلميع صورة تركيا التاريخية التي يحاول أردوغان الدفاع عنها، كما هلّل الأرمن للمسلسل، واعتبروه على وزن "شهد شاهد من أهلها" ودليل على أن ما كان يحدث في زمن السلاطين الأتراك، كان أسوأ من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث بدا السلطان مرتشي، ولا يمكن أن يصل أي مواطن لمنصب إلا بالدفع.

الكاتبة ميراي البالغة من العمر 54 سنة حاضرت منذ أن بدأ بث المسلسل في أكثر من ثلاثين دولة، وبلغ العمل التلفزيوني التركي لأول مرة العالمية، حيث اشترته قنوات ألمانية وإيطالية وفرنسية وأمريكية، وبُث في بلغاريا واليونان وقبرص وكرواتيا، وكلهم بلدان لهم حساسية تاريخية وعداء مخفي مع الأتراك، وجنت تركيا من أعمالها الفنية المختلفة، ما يزيد عن مئتي ألف أورو، وإذا كان الرئيس المصري السابق محمد مرسي قد نصح بعدم بث المسلسل في الفضائيات المصرية، فإن مؤسسة دبي للإعلام الموزع الحصري في البلدان العربية، لهذا المسلسل المترجم من فنانين سوريين في قلب سوريا، أعربت عن استعدادها لتقديمه مجانا لبعض الفضائيات المصرية التابعة للدولة ضمن عطايا وهدايا دولة الإمارات العربية المتحدة لمصر منذ الانقلاب على حكم الإخوان المسلمين.

هكذا قتل السلطان ابنه تحت تأثير "السحر"

كما سقطت الدولة الأندلسية، سقطت أيضا الخلافة العثمانية، بعد عاصفة ناعمة هبّت على بيت السلطان سليمان القانوني. هذا ما يكاد يتفق عليه المؤرخون، الذين بقدر ما مجّدوا السلطان الذي عاش على فرسه يؤدّب المسيحيين من اليونان إلى النمسا، بقدر ما عجزوا عن تفسير ضعفه أمام زوجته الثانية، الجارية اللغز التي كسر بها كل قواعد الدولة الإسلامية، في زمن كانت الأسرة العثمانية محافظة، ربما نجح المسلسل في تقديم الأنوثة التي كانت تقطر من هذه المرأة الأوكرانية الأصل، التي اختطفها التاتار وباعوها كما يبيعون سباياهم ومسروقاتهم لأثرياء المسلمين، فتواجدت في القصر، الذي كان سيده الأول السلطان سليمان الذي تذوّق السلطنة، وعمره لم يزد عن 25 عاما، ومن دون أن تجد العون من أي كان استغلت تقرب السلطان الشاب الذي زوجه والده في صباه دون رضاه الكامل، فأغرته بحسنها، فكان أول سلطان تزوّج وهو في الحكم في تاريخ الدولة العثمانية ومن جارية نقلها لتعيش في قصره.

هيام هو الاسم الذي أطلقه العرب على هذه المرأة اللغز، التي وصلت إلى رتبة سلطانة، ولم تبذل أي جهد لأجل الاتصال بوالدها الحقيقي أو بأهلها أو لأجل زيارة أوكرانيا من باب الشوق والحنين لأصولها، وهو ما جعل بعض المؤرخين يقولون إنها ابنة غير شرعية لراهب مسيحي كان هدفه إيصالها إلى اسطنبول، وبعضهم قال إنها يهودية زرعها التاتار في بيت السلطان، وزعمت أنها أسلمت، ورغم أن التاريخ لا يذكر أن السلطان سليمان القانوني أدى فريضة الحج، إلا أن هيام أو روكسلانا كما تُعرف، زارت مكة المكرمة والقدس، وبنت هناك دورا لتعليم اليتامى، هذه المرأة التي تخلصت من جذورها الأوكرانية وربما أخفت ديانتها الحقيقية، أنجبت من السلطان سليمان، عددا من الأبناء وبنت واحدة، منهم من مات ومنهم حتى من كان أحدبا، ولكن ابنها سليم هو الغصن الوحيد الذي أينع وعاشت لأجله، وتقوّت في سبيل أن توصله لخلافة أبيه، فبدأت مكائدها، وغرق السلطان في بحرها، إلى درجة أن تجاهل زوجته الأولى "ماه دوران" نهائيا، وأكثر من ذلك حكم على ولي العهد الشرعي إبنه مصطفى بالإعدام شنقا، بعد أن قامت هيام بخياطة مؤامرة دقيقة، بمساعدة رستم باشا الصدر الأعظم، قطعت بها حبل الود الصلب بين الأب وابنه، ظنا من السلطان أن ابنه عضّه وخدم الأعداء ضد بلاده، وعندما توفيت هيام أو روكسلانا، طالتها الإشاعات أو ربما الحقائق، فقيل إن ابنها سليم ليس من صلب سليمان القانوني بل ابن مستشاره إبراهيم باشا، وقيل إنها ساحرة وتحولت إلى أسطورة لا تختلف عن الموناليزا، حيث توجد سنفونيات عالمية باسمها ولوحات زيتية وقصائد شعر، تتغني بقوة شخصيتها وتتغزل بأنوثتها وجمالها.

المسلم الوحيد الذي قهر المجر والنمسا وأرعب فرنسا

يبدو مسلسل حريم السلطان غير كامل، أو مجرد زاوية واحدة من الوجه الكامل للسلطان سليمان القانوني، الذي تواصل حكمه لنصف العالم وليس للدولة العثمانية فقط من عام 1520 إلى 1566، فالرجل الذي كان يتقن اللغة العربية ويحفظ الكثير من سور القرآن الكريم ويحفظ أشعار المتنبي والبحتري وجرير وأبي فراس وأبي تمام، وكان يقرظ الشعر باللغتين العربية والتركية، كان حريصا على أن يكمل رسالة والده السلطان التاسع سليم خان الأول، حتى أن الأوروبيين من نمساويين وفرنسيين كانوا يسمونه سليمان العظيم، ويسميه العرب سليمان القانوني، لأنه أحدث ثورة في القوانين، وكاد السلطان سليمان أن يوصل الإسلام إلى عمق أوروبا، ويعترف له البوسنيون بأنه هو الذي فتح بلادهم وأوصل الإسلام إليهم، كما حكم اليونان وبلغاريا ورومانيا ودق أبواب النمسا العصيّة.

ولم تجد فرنسا من وسيلة غير إعلان الهدنة معه، وأرسل خير الدين بربروس لضم دول المغرب العربي، وانتهى بالجزائر التي كادت أن تسقط في يد الإسبان، الذين طاردهم السلطان سليمان وحرمهم من السيطرة على شمال إفريقيا، وبطولات السلطان في مشارق الأرض ومغاربها، جعل بعض المؤرخين يقولون أن الرجل أمضى نصف قرن، من حياته على الفرس ومات عليه شهيدا، ما دامت كل تنقلاته في سبيل توسيع الدولة الإسلامية وإكمال رسالة الفتوحات الإسلامية التي بدأها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق، ويقال أنه كان يبدأ خطبه بقوله تعالى: "إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمان الرحيم"، وظل سليمان القانوني على اتصال بخير الدين بربروس، وله وصايا كثيرة، يطالبه فيها بالدفاع عن المغرب العربي من أطماع الأوروبيين، بينما كان يقضي أسابيع كثيرة على فرسه في محاربة الفاطميين والصليبيين، ونقل الرعب إلى معاقلهم في بوخارست وفيينا وصوفيا وبودابست، ولكن المسلسل التركي حريم السلطان حوّله عبر حلقاته المئة وأجزائه الثلاثة، إلى رجل حريم، بل ودمية في يد الحريم، وبعد أن كان يلقى الاحترام من الآلاف من المسلمين الذين قرؤوا بطولاته، صار مثارا للغضب من عشرات الملايين من الذين شاهدوا سيرته عبر حريم السلطان.

100 ألف جزائري لزيارة قبر هيام.. و31 مليون سائح أجنبي

نافس مسلسل حريم السلطان بقوة مباراة الخضر، التي ستقام هذا السبت في بوركينا فاسو ومغامرة اقتطاع تذكرة المرور لكأس العالم بالبرازيل خاصة بالنسبة للجنس اللطيف، عكس الأجواء التي عاشها الجزائريون والجزائريات في تصفيات مونديال 2010، حيث تتابع الجزائريات بقوة هذا المسلسل عبر مختلف القنوات العربية، وبالرغم من أن المسلسل يروي تاريخا يعود للقرن السادس عشرة، أي أن الألبسة التي ظهرت فيه بعيدة عن عالم الموضة، إلا أن تجار الحقائب والألبسة الجاهزة، صاروا يقتنون أطنانا من الألبسة النسائية التقليدية خاصة للمدن التي تواجد فيها الأتراك، مثل قسنطينة والعاصمة والمدية، حيث يضم الآن جهاز العروس، ألبسة من وحي حريم السلطان وبعضها يسمى جبة حريم السلطان، أما الحقيقة التي دافع عنها مناصرو المسلسل في تركيا فهي السياحة، إذ بلغت تركيا رقما غير مسبوق فاق 31 مليون سائح، وصارت الآن من أكبر بلاد الدنيا في عالم السياحة مستفيدة من أزمات مصر وسوريا وحتى تونس.

وبلغ عدد السواح السعوديين أكثر من 400 ألف سائح في العام الواحد، وأكد المدير العام للخطوط الجوية التركية أن عدد السياح الجزائريين سيقارب المئة ألف سائح، مع نهاية السنة الحالية 2013، من دون إشهار، ما عدا مسلسلات يتابعها الجزائريون، ومنها مسلسل حريم السلطان، حيث فتحت السلطات التركية للزوار، كل الأماكن التي عاش فيها السلطان سليمان القانوني، ومنها مسجد سليمان ونعشه وقبر السلطانة هيام.

وخلال شهر أوت الماضي الذي تزامنت بعض أيامه مع شهر رمضان الكريم، كانت كل الحجوزات كاملة، عبر الخطوط التركية والجزائرية، بعد نجاح ما يسمى بالسياحة الرمضانية، رغم أن سعر التذاكر تراوح ما بين 32000 دج و 45000 دج، وكان من بين المسافرين إلى بلاد السلاطين أربعة آلاف معلم وأستاذ، وحتى الذين لم يتمكنوا من زيارة معالم سليمان السلطان، اقتنوا ألبسة حريم السلطان وصور الممثلين الأتراك الذين تقمصوا الأدوار التاريخية مع الإشارة إلى أنه خلافا للمسلسلات التركية الشهيرة، التي وجدت رواجا كبيرا مثل نور والعشق الممنوع، فإن الأسماء التركية لم يتم تغييرها هذه المرة لأنها أسماء حقيقية، إضافة إلى أن الأتراك في العصر العثماني كانوا يستعملون أسماء عربية مسلمة عكس ما يحدث الآن منذ أن وضع كمال آتاتورك حجر أساس الدولة العلمانية.
تصميم وتطوير