د.عقل أبو قرع يكتب لوطن: الواقع الفلسطيني الحالي والحاجة الى رأس المال الاجتماعي

27.10.2023 08:54 AM

في خضم الاحداث غير المسبوقة المتتالية التي نعيشها حاليا، وفي ظل التردي الاقتصادي والاجتماعي واغلاق اسواق العمل امام مئات الالاف من العمال، فأننا في امس الحاجة الى التكاتف و التضامن والتكتل نحو هدف عام في اطار الثقة وبعيدا عن المصلحة الفردية، وفي اطار العمل العام العفوي من خلال تكتلات بشرية، بعيدا عن المصلحة الضيقة، وهذا ما كان متأصلا في الواقع الفلسطيني في نهاية القرن الماضي خلال الانتفاضة الاولى وقبل ذلك، وهو ما يطلق عليه "رأس المال الاجتماعي"، الذي يعتبر من نقاط القوة التي تملكها المجتمعات، وبالاخص في ظل غياب او ضألة نقاط قوة اخرى تفتقر اليها المجتمعات، من مصادر اقتصادية أو من غيرها. 

وفي الاوضاع الفلسطينية الحالية، وبدون جدال، هناك حاجة ماسة للتعاضد والتكافل والعمل المشترك، وليس ذلك وحسب، ولكن بناء نوعا من الثقة والشعور بالمصلحة العامه او الجماعيه التي افتقدناها وبقوة خلال السنوات الماضية، فالواقع الفلسطيني المشتت وغير الواضح خلال السنوات الماضية،  في كل الجوانب والساحات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا، والتغيرات التي حدثت خلال السنوات الماضية في المجتمع الفلسطيني، والتحولات في التفكير والثقافة والعلاقات بين الناس وحتى تبدل الاهداف، ادت الى تضاؤل الحالة من التضامن والتعاضد التي اعتدنا عليها في الماضي.

وادت الى ظهور طبقات أو فئات أو تكتلات ذات نزعات فردية خاصة وسطوتها على المشهد وبقوه، وما الى ذلك من تداعيات وتصدعات وتخبطات، جعلت المواطن الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني بشكل عام، يحن وبشدة الى تلك الايام قبل سنوات عديدة أو اكثر، التي كان التعاضد والتكافل والعمل الجماعي والثقة تتجلى بوضوح بين الافراد وفي التجمعات، وبشكل أوضح يحن الى ذلك النوع من الرأسمال النادر الذي يفتقدة حاليا، الا وهو رأس المال الاجتماعي.  

وقوة رأس المال الاجتماعي، أو قوة الثقه بين الافراد والتجمعات المختلفه من حكوميه أو اهلية أو من غيرها،  أو بين التجمعات والتجمعات الاخرى، من أجل المصلحه العامه ، هي من أهم سمات المجتمع الصحي الذي يعمل معا، وبالاخص في أوقات الازمات، وبأنواعها المختلفة،  التي تمر بها العديد من المجتمعات ومنها بلادنا، ومثال الصين في نجاحها في أحتواء أزمة كورونا حين ظهرت فيها قبل حوالي 4 اعاوم، له دليل قاطع على مدى أهمية وجود الثقه والتزام بين الناس وبين المؤسسات المختلفه، ولمدى أهمية وجود تكافل وتعاضد وعمل جماعي متكامل من أجل النجاح في عبور الازمات.

وفي بلادنا، كان رأس المال الاجتماعي، أو التعاضد في أوجه قوته وتجلياته خلال أزمات أو احداث مر بها مجتمعنا، ومن أهمها الانتفاضه الاولى بكل مراحلها، وكان التعاون والعمل الجماعي، والالتزام وتطبيق الاجراءات والتعليمات في أقوى المستويات، وهذا ربما كان السبب الاهم في تحقيق النتائج والاهداف المتوخاه، ورغم أن قوة هذا الرأسمال قد خبت أو تضاءلت أو حتى اختفت خلال مراحل مختلفه في بلادنا، ولاسباب مختلفه، وحتى في ظل أزمات وتطورات كبيره، ألا أن الاسس ما زالت موجوده للعودة وبقوه الى استعمال قوة رأسمال الاجتماعي في تجاوز أزمات وتحقيق انجازات، وفي عودة الثقه والتكافل الاجتماعي بين الافراد أو الشرائح المختلفه في المجتمع، وهذا ما نحتاجه وبشدة هذه الايام. 
ومع تزايد قسوة الاوضاع الحالية في بلادنا، ومع تراكم الاحباط الذي ينتاب الناس من ما يشاهدوه أو يعايشوه هنا أو هناك، فأن من أهم اسس تخطي الازمات أو المعضلات هو العمل الجماعي من أجل المصلحه العامه، سواء على صعيد التكلات العامه أو من خلال فئات محددة تتكاتف أو تلتقي من خلال روابط الثقه والشعور العام، مثل فئات الشباب أو النساء أو التجمعات المهنية أو الجغرافية أو ما الى ذلك.

التكتل من أجل العمل معا ولو من خلال مبادرات صغيرة محدده أو لتقديم الدعم خلال الازمات، أملا في تغيير مفاهيم حاليه، أو بالاحرى العودة الى مفاهيم سابقه مشرقة انتجت نتائج ايجابية لصالح المجتمع الفلسطيني،  وتم من خلالها تجاوز ازمات كانت أو كادت ان تعصف بنا، وبدون شك ان النجاح في تجاوز الازمات الحالية التي نمر بها لن يكون الا بتعاون الناس معا من أجل المصلحه العامه، وفي التزام الناس معا من خلال بناء الثقه، وهذه هي قوة " رأس المال الاجتماعي" التي تسعى اليها العديد من المجتمعات، لكي يكون عضدا ل "رأس المال البشري" الذي هو أهم ما نملك.  

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير