حمدي فراج يكتب لوطن: الثورة الناجحة و الثورة الفاشلة

08.09.2023 10:34 AM

الثورة الناجحة هي التي تحدد أهدافها بدقة، وهي التي تحدد السياق الزمني الذي سيتم خلاله تحقيق تلك الأهداف، و إن لم يكن التحديد الزمني بالدقة نفسها التي تتحدد فيه الأهداف، بمعنى لا بأس ان يكون هناك هامش خطأي يتراوح من 2-5% (زائد ناقص)، كأنك يكون التحقيق في 52 سنة بدلا من خمسين، او 75 سنة بدلا من 70، لكن ان تقفز الأرقام بعشرات السنين او ضعف المدة المحددة، فهذه علامة فشل ذريع .

    الثورة الفاشلة، هي التي لا تحدد أي سياق زمني، بمعنى تفتحها على الغارب، و تتركها للتساهيل و التواكل على القدر او على الظروف، و بالتالي سرعان ما تغير أهدافها وفقا للتساهيل و التصاعيب، فمثلا من تحرير الأرض التي اغتصبت الى إقامة دولة مستقلة على جزء صغير من هذه الأرض، و من عاصمتها القدس الى عاصمتها القدس الشرقية و من عودة اللاجئين الى ديارهم التي شردوا منها الى  عودتهم الى حدود الدولة المستقلة .... الخ.

  بعد تغيير الأهداف، سرعان ما يتم تغيير وسائل تحقيق الأهداف، فبدلا مثلا من اعتماد الكفاح المسلح كأرقى اشكال التحرير ، يتم اعتماد النضال السلمي نضالا وحيدا و تجريم الكفاح المسلح و مطاردته و اعتقال ممارسيه كمجرمين و جنائيين، و بشكل فجائي و فج و بدون أي مقدمات تدخل الثورة الفاشلة الى سرداب ما يسمى بالمفاوضات، مفاوضات تستمر لاكثر من نصف عمرها، دون ان تسمع واحدا من اقطاب وأصحاب هذه الثورة يقول ان هذه مفوضات عبثية، بل يصبح اعلى ما تبتغيه الثورة هو تحسين هذه المفاوضات و ضرورة ان يلتزم العدو – الذي لم يظل عدو – بتنفيذ نتائج هذه المفاوضات .
   الثورة الناجحة تحدد معسكر اصدقائها و معسكر اعدائها، وفقا لمبادئها لا مصالحها، و لكن عندما تبدأ الثورة الفاشلة في خلط كل ما ذكر أعلاه، فإنها و بالضرورة ستخطيء في تحديد اصدقائها واعدائها، بل ستذهب الى الخلط بينهما و عدم معرفة هذا من ذاك، و قد يصل الامر حد مصادقة الأعداء و معاداة الأصدقاء .
   الثورة الناجحة تحرص على رص كل مقومات الشعب في بوتقتها ، لانها تدرك ان الوحدة هي الميكانزم الناظم للانتصار ، و بدون هذه الوحدة لن يكون هناك أي انتصار . و على العكس منها في الثورة الفاشلة التي تريد الوحدة مع حالها ، و كل من ينتقدها او يختلف معها يصبح عدوا لها يجب اقصاءه و سحب البساط الوطني من تحت اقدامه حتى تجد نفسها و قد تشظت الى قطع وأجزاء ، و من خلال هذا التشرذم و التشظي ، يستطيع العدو ان يتغلغل و يتسلل لفرض رغباته و تحقيق أهدافه لافراغ هذه الثورة من مضامينها التحررية و التقدمية والإنسانية ، فتعم نزعات الايثارية و الفساد و التفوق و التفرد  ، و كما يقال : لا على دولة حصلت و لا على ثورة أبقت .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير